ضمن سمات الفضاءات البحرية، الاضطرابات وعدم اليقين والسيولة، وعلى الرغم من ذلك، تحتل البحار والمحيطات مكانة مركزية في النشاطات السياسية وتمثل محاور أساسية في معادلات أمن واقتصاد الدول.

وقد أولت دول الخليج، وفي مقدمتها الإمارات، اهتماما خاصا بالمعابر، والمنافذ البحرية المطلة على البحر الاحمر والخليج العربي،  وخليج عدن، يظهر ذلك في الرؤى والخطابات الاقتصادية، والسياسية والأمنية لدول الخليج، ويتجلى عمليا الاهتمام في توظيف الخليج إمكانياته المتنوعة؛ للسيطرة على المسطحات المائية، وتجنب المخاطر المتصورة حولها.

بين الاقتصاد والعسكرة: موان وقواعد

أصبحت سياسة المواني عمودا في سياسات الإمارات ورؤيتها الاقتصادية، وعبرها تطمح لتعزيز موقعها كمركز لوجستيا وتجاريا واقتصاديا.

حيث تساهم فى تنويع الاقتصاد غير النفطي، وتبرز شركة دبي العالمية في هذا المجال، حيث وصلت موانيها في 2019، إلى أكثر من 78 ميناء في 40 دولة. تتركز في إفريقيا والقرن الإفريقي بشكل خاص، كما احتلت موقعا محوريا في استراتيجية الحكومة.

ووقعت شركة دبي عقود امتياز، واتفاقات استثمارية في مواني عدة دول بإفريقيا منها، صوماليلاند “كيان انفصالي من الصومال ” وإنجولا وتنزانيا وموزامبيق ورواندا والكونغو والسنغال (وجيبوتي سابقا، قبل تأميم ميناء دوراليه).

أسباب الاهتمام

يقول أليكس دي وال: كان اهتمام الإمارات والسعودية بالقرن الإفريقي محصورا في ردع نفوذ إيران، ولكن الآن أصبح لدول الخليج، وخاصة الإمارات مصالح تجارية واقتصادية، تجعل إفريقيا من عناصر السياسات الخليجية المتعلقة بضمان أمنهم الغذائي.

بالإضافة إلى أن التحالف السعودي استعان بجنود من السودان؛ للمشاركة بالحرب في اليمن، واستخدمت الإمارات القواعد في إريتريا؛ للقيام بعمليات في اليمن، وأصبحت جيبوتي والسودان والصومال ساحات للتنافس بين الدول الخليجية، خاصة في خلافات  الدول الخليجية مع قطر، حيث تنافسوا على النفوذ في إفريقيا، من خلال الأموال والاستثمارات.

توسع شركة دبي، يصب بشكل مباشر في مصلحة حكومة الإمارات. يرى روحاني إدفاني، بأن المواني هي أداة توسعية للإمارات تتداخل فيها المصالح الاقتصادية، وسياسات الأمن البحري؛ لتحقيق الأهداف التجارية، كما تستثمر الإمارات بكثافة في عمليات مكافحة القرصنة بالبحر الأحمر (التي تطورت في بعض الأحيان إلى مكافحة الإرهاب مثل، محاربة جماعة الشباب).

وشدد المسئولون الإماراتيون على ضرورة مكافحة القرصنة، كما تستثمر مواني دبي في مبادرات لمكافحة القرصنة، وانضمت دبي إلى برنامج الشراكة الجمركية التجارية، ضد الإرهاب بعد موافقة هيئة حماية الحدود، والجمارك الأمريكية على عضويتها، وحصلت الشركة على شهادة الآيزو 28000، والالتزام بأعلى معايير وإجراءات الأمن الدولية.

تشترك الإمارات في الجهود الدولية الهادفة؛ لمواجهة القرصنة والإرهاب البحري، كما أن الإمارت عضو في التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية، وضمان سلامة الممرات البحرية الذي أطلقته الولايات المتحدة في 2019. ومن أعضاء التحالف أيضا دول خليجية أخرى مثل، السعودية والبحرين.

يركز التحالف على حماية طرق الملاحة، والتجارة في البحر الأحمر، ومنطقة الخليج ومكافحة الهجمات والأنشطة، ضد السفن عن طريق الدوريات، ومراقبة الطرق البحرية، وتنسيق ردود دفاعية مشتركة.

وشاركت الإمارات مؤخرا في القوة البحرية الموحدة، وهي تحالف بقيادة الولايات المتحدة، يجمع مجموعة من الدول منها، دول خليجية مثل السعودية.

ويهدف التحالف إلى تأمين البحر الاحمر، والخليج ومكافحة الإرهاب والقرصنة في المنطقة. ولكن في خطوة مفاجأة قررت الإمارات الانسحاب من التحالف، وهذا ما فسره البعض، على أنه انزعاج من  موقف الولايات المتحدة الذي تراه الإمارات غير حازم ضد طهران، عقب تكرار احتجاز إيران لناقلات نفط، وتنفيذ هجمات ضد سفن.

بالتزامن مع إبرام اتفاقات للمواني، اهتمت الإمارات بالتوسع في التعاون في مجال العلاقات العسكرية مع الدول ذات الموقع الاستراتيجي، دربت الإمارات مجندين، ورجال أمن في صوماليلاند، ووقعت شركة إيدج الإماراتية اتفاقا مع أنجولا؛ لتزويد البحرية الأنجولية بأسطول من الفرقاطات الحربية المتطورة، والمزودة برادارات ثلاثية الأبعاد وأنظمة صواريخ أرض-أرض وأرض جو ومدافع. ولكن الإجراءات العسكرية الإماراتية الأكثر وضوحا هي تشييد القواعد العسكرية.

القواعد العسكرية

إسمال نعمان سيلسي، وتوبا فريدوم هوروز، يجادلان بأن الإمارات اتجهت لبناء قواعد عسكرية كأداة؛ لتحقيق أهداف سياستها الخارجية المتعلقة بالتوسع في نفوذها الجيوسياسي في مناطق التجارة الدولية، بالإضافة إلى تعزيز مركزها الإقليمي في مجلس التعاون الخليجي مع منافسة خصومها الإقليميين مثل، إيران وقطر، ومحاربة مجموعات المسلحة مثل، الحوثيين والقاعدة.

تتواجد الإمارات عسكريا في مناطق استراتيجية قريبة من طرق الملاحة الدولية،  حيث تمتلك قاعدة عسكرية في بلاد بنط بالصومال، وقاعدة في ميناء عصب في إرتيريا، وظهرت تقارير عن بناء قاعدة في جزيرة ميون باليمن القريبة من باب المندب.

كما ظهرت تقارير، وصور تشير إلى وجود عسكري إماراتي في الجفرة، والخادم والخروبة في ليبيا، كان قد تم الاتفاق أيضا بين صوماليلاند والإمارات، على بناء قاعدة عسكرية في بربرة، ولكن لاحقا أعلنت صوماليلاند عن الغاء المشروع، وتحويله لمطار مدني.

من القرن الإفريقي لليمن

اليمن من المناطق الاستراتيجية شديدة الأهمية للإمارات، أولا: موقع اليمن الاستراتيجي في البحر الأحمر والخليج العربي، يجعلها دولة محورية في خطوط التجارة العالمية، ثانيا: يتواجد فيها  جماعات تعتبرها الإمارات تهديدا على أمنها مثل، حزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان وتنظيم القاعدة.

في البداية، شاركت الإمارات في التحالف العسكري الذي قادته السعودية للعدوان على اليمن، ولكن في عام 2019، أعلنت الإمارات انسحابها عسكريا. وخلال تواجدها في اليمن، لم تحارب الحوثيين فقط، بل حاربت أيضا أعداءها من الإسلاميين والجماعات الإرهابية.

حيث نفذت عدة عمليات، ضد تنظيم القاعدة وداعش وجماعات جهادية،. كما دعمت ميليشيات يمنية محلية، وأشهرهم قوات الحزام الأمني، والتي حاربت الجماعات الإسلامية، والجهادية.

على الرغم من الانسحاب الرسمي للإمارات من اليمن، لم تتركها بشكل فعلي، فموقع اليمن الاستراتيجي على الممرات البحرية، يجعل الإمارات متمسكة بالبقاء هناك.

يلاحظ ينس هيباخ، بأن الإمارات تظل حاضرة بقوة في جنوب اليمن، من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يحظى بدعمها عسكريا وماديا، كما  تساند المجلس الانتقالي في مواجهاته مع حزب الإصلاح التابع للإخوان المسلمين.

بالفعل الدعم الإماراتي، كان عاملا رئيسيا في تكوين المجلس الانتقالي، وتحقيق المجلس انتصارات عسكرية في مواجهة خصومه. كما أن الإمارات تتحكم بمواني في جنوب اليمن، ويظل لها جماعات مسلحة تحت إمرتها، بالإضافة الى الوجود العسكري في جزر ميون وسقطرى.

دعم الإمارات للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يهدف؛ لاستقلال جنوب اليمن، ليس بمعزل عن سياسة المواني. فتحكم المجلس في المناطق الجنوبية، يضمن للإمارات سيطرتها على منطقة الجنوب الاستراتيجية وموانيها.

جزيرة سُقطرة على سبيل المثال، أصبحت تحت الهيمنة الكاملة للإمارات، بفضل الدعم الإماراتي، بعد أن باتت تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، بعد طرد قوات الحكومة المدعومة من السعودية. ولكن الجزيرة في الواقع هي تحت الهيمنة الإماراتية، حيث تم رفع أعلام إماراتية على الكمائن الأمنية أكبر من أعلام المجلس الانتقالي نفسه.

كما أصدرت الإمارات بطاقات هوية، خاصة لسكان الجزيرة مختلفة عن بطاقات الهوية اليمنية. بالإضافة إلى اليمن، فإن من أسباب تدخل الإمارات بليبيا،  ودعم قوات اللواء السابق خليفة حفتر هو الموقع الاستراتيجي لليبيا وموانيها على البحر  المتوسط.

صراع على البحر

الإمارات لم تصبح اللاعب الخليجي الوحيد بمجال المواني، كثفت السعودية استثماراتها في مجال المواني في السنوات الأخيرة، حيث وقعت الهيئة العامة للمواني السعودية عقودا مع القطاعين الخاص والعام؛ لتطوير البنية التحتية للمواني الخاصة بها، ولإنشاء منطقة لوجستية متكاملة في ميناء جدة الإسلامي.

التحركات السعودية، لا يمكن رؤيتها بمعزل عن المنافسة الجارية مع الإمارات، والطموحات الاقتصادية لمحمد بن سلمان، والتي  اصطدمت مع مركز ورؤية الإمارات.

ترتكز رؤية السعودية 2030، على جعل السعودية مركزا اقتصاديا وتجاريا رئيسيا في المنطقة، وتنويع الاقتصاد في المجالات غير النفطية، مما يعني منافسة مركز ورؤية الإمارات التي تسعى لنفس الأهداف.

تسعى الرؤية الجديدة للرياض لتحويل السعودية، للمركز اللوجستي الرئيسي في المنطقة بالتوسع في مجالات النقل، والطيران والمواني، مما يعني تحدي المكانة الإماراتية في هذا المجال، كما بدأت الرياض بالتوسع عسكريا أيضا، إذ تم توقيع اتفاق بين السعودية وجيبوتي؛ استعدادا لبناء قاعدة عسكرية للرياض هناك.

تأمين المواني اليمنية، ليس في دائرة اهتمام الإمارات فقط، فعقب “انسحاب الإمارات من اليمن”، تحركت الرياض بشكل سريع؛ لتأمين ميناءين، يطلان على البحر الأحمر وباب المندب لمليء الفراغ الأمني الذي تركته الإمارات.

كما أعلنت الرياض عن تأسيس تكتل للدول المطلة على البحر الأحمر؛ من أجل التعاون المشترك؛ لتأمين الممر الملاحي، وحمايته من أخطار مثل، القرصنة والإرهاب وهجمات إيران.

يلاحظ عبد الله بعبود، بأن تأمين البحر الأحمر يدخل ضمن أهداف الرياض، لأنه عنصر هام في تحقيق رؤية السعودية، بجعل البلاد مركزا لوجستيا وسياحيا، خاصة مع تشييد الرياض لمشاريع سياحية على البحر الأحمر.

و يرى بعبود أيضا، بأنه على الرغم من أن كلا من السعودية والإمارات لا يزالون، يتشاركون وجهة النظر، بأن انتصار الحوثيين سيكون كارثيا على مصالحهم، ولكنهما اختلفوا حول البدائل، حيث أن السعودية تريد عودة اليمن موحدة تحت سيطرة الحكومة المقربة منها، بينما الإمارات ترى في التفكك الدائر بين الجنوب، والحكومة المقربة سعوديا، فرصة لضمان سيطرتها على مواني الجنوب.

استراتيجيات الخليج في الفضاءات السائلة

هناك اتجاه سائد، ينظر إلى سياسات الخليج كرد فعل على اضطرابات جيوسياسية قائمة، فيديريكو دونيلي وجوزيبي دينتيس على سبيل المثال، يرون بأن الإمارات والسعودية، يسعون لتشكيل اصطفافات مع الدول الإفريقية؛ نتيجة لحالة الفوضى، وعدم الأمن في منطقة البحر الأحمر.

ولكن ذلك التحليل قد يكون مبسطا، لأنه يقبل الفرضية بأن المنطقة تتسم موضوعيا، بعدم الأمان والاضطراب بلا رؤية نقدية، وهذا يتجاهل دور الفاعلين الآخرين الإقليمين، والدوليين.

“الأمننة” والتعاون

لفهم سياسات الخليج في المجال البحري، من المفيد فهم التشابك بين الفضاء البحري والأمن، والسيطرة من خلال منظور مختلف، هنا  يجادل باري راين في دراسته عن المحميات البحرية الأوروبية، بأن الدول الأوروبية تسعى من خلال تقسيم البحار لمناطق إلى السيطرة على المساحات البحرية التي تتسم بالسيولة وعدم اليقين.

فاستخدام الدول للممارسات الأمنية، وأدوات لمراقبة البحار، وإعادة تخطيطها، يحول تلك المساحات البحرية التي تعدها الدول فوضوية إلى مساحات عقلانية وروتينية، يمكن التنبؤ بنشاطها، مما يتيح استخدامها؛ لأغراض تجارية واستخراج الثروات منها.

هذا المنظور، يعد مدخلا مناسبا؛ لرؤية كيف تنظر الدول الحديثة للمساحات البحرية كفضاءات فوضوية، وسائلة تفتقر للنظام المتواجد في المساحات البرية.

دول الخليج تتبع منطق مشابه في التعامل مع المجال البحري، حيث تنظر للفضاءات البحرية كمساحات خطرة، وفوضوية تستلزم التدخل لتنظيمها، وجعلها مربحة اقتصاديا وسياسيا. كما تم الإشارة مسبقا، فشركة مواني دبي، تعقد مؤتمرات بشكل دوري؛ لبحث مكافحة القرصنة، يجمع خبراء وصناع سياسات حول العالم.

ولقد شدد المسئولون الإماراتيون عدة مرات عن خطر القرصنة، لقد قال وزير الخارجية الإماراتي، بأن مكافحة القرصنة أولوية قصوى للإمارات، وأنها تسعى لرفع الوعي حول القرصنة في المنطقة العربية.

و تنظم الإمارات، وباقي دول الخليج مؤتمرات؛ لمناقشة المخاطر البحرية والجيو سياسية على الشحن الدولي، وبحث الحلول التكنولوجية لتلك المخاطر. لقد عبر رجال أعمال خليجيون في تصريحات صحفية عن مخاطر الشحن البحري مثل، الغرق والقرصنة والكوارث الطبيعية وطرق تجنبها.

وفي عام 2018، أعلنت شرطة دبي عن إطلاق الإمارات منظومة متكاملة للتعامل مع الحوادث البحرية، عقب حادثة سقوط حاويات؛ بسبب اضطرابات في البحر. ولذلك خطابات المسئولين والمستثمرين الخليجين تؤطر الفضاء البحري كفضاء فوضوي، يستلزم إدارته. ولكن يجب الإشارة بأن ذلك الخطاب ليس حصرا على دول الخليج، ولكنه توظيفه من قبل دول الخليج يعد مكونا أساسيا؛ لتحقيق مصالحهم في البحار.

توصيف فضاءات الخليج العربي/الإيراني والبحر الأحمر بعدم الاستقرار والفوضى، يتشابك مع خطاب وممارسات تقوم بأمننة تلك المجالات البحرية. لقد أوضح منظرو مدرسة كوبنهاجن مثل، هنري بوزان، واولي وايفر وجاب وايلد، بأن المخاطر الأمنية ليست موجودة بشكل موضوعي خارج الخطاب، بل المخاطر الأمنية، يتم بناؤها عن طريق الأفعال الخطابية، عندما يحدد أحد الأطراف مسألة ما، كخطر وجودي يستلزم تدخلات استثنائية.

يطبق كريستيان بويجر نظرية الأمننة على المجال البحري، ويجادل بأنه تم أمننة البحار، والمحيطات من قبل الدول والمؤسسات الدولية، خلال استخدام خطاب، يتمركز حول التأكيد على مخاطر البحار مثل، القرصنة والإرهاب والتهريب.

يجادل بويجر، بأن هذا الإطار يوضح تباين مفهوم الأمن البحري بين الفاعلين المختلفين بناء على الأيدلوجيا، والمصالح السياسية. يجب التوضيح، بأن الأمننة ليست بالغريبة على دول الخليج، لقد وضح سيمون مابون محاولات السعودية؛ لأمننة إيران وتأطير طهران كخطر وجودي على المنطقة، وكذلك النظام البحريني الذي سعى لأمننة الشيعة في البلاد.

بجانب أمننة البحر الأحمر ومنطقة الخليج كمصدر لأخطار القرصنة، والكوارث الطبيعية والإرهاب، أطر المسؤلون الخليجيون المياه الإقليمية كخطر وجودي على التجارة العالمية؛ بسبب الوجود الإيراني.

قالت الإمارات في مجلس الأمن، بأن إيران تزعزع استقرار الإقليم، وتهدد الملاحة الدولية، خلال دعمها للحوثيين، كما صرحت الخارجية الإماراتية، بأن الهجمات التي استهدفت الناقلات والسفن في مياههم الإقليمية، تهدد التجارة الدولية، وشددت أن التعاون الدولي لتأمين طرق الملاحة شرطا لاستقرار الاقتصاد العالمي.

كما قال وزير الطاقة السعودي، بأن الهجمات على ناقلات النفط تستلزم استجابة حازمة، لأنها تهدد استقرار الأسواق وإمدادات الطاقة العالمية. ووصف وزير الخارجية السعودي أفعال إيران، بأنها تمس حرية الملاحة الدولية. وأكد أيضا في 2021، بأن إيران تهدد الملاحة البحرية، خاصة، خلال دعمها للحوثيين، وأنها خطرا على أمن المنطقة بأكملها.

ما يوضح أن الخطر الإيراني في جوهره بناء خطابي من الخليج، هو التحول من الأمننة الشديدة مسبقا إلى التخفيف من خطاب أمننة إيران في الآونة الأخيرة، بل ووصل الأمر إلى تصريح الإمارات والسعودية بإمكانية التعاون مع طهران كشريك، يساهم بالحفاظ على الأمن البحري.

في زيارة لوزير الخارجية السعودي لطهران هذا العام عقب الاتفاق السعودي-الإيراني قال: “أشير إلى أهمية التعاون، فيما يتعلق بالأمن الإقليمي بين البلدين، لا سيما أمن الملاحة البحرية، والممرات المائية وأهمية التعاون بين جميع دول المنطقة؛ لضمان خلوها من أسلحة الدمار الشامل”، ورد نظيره الإيراني، بأن إيران لا “تعتبر أبدا الأمن مكافئا للعسكرية”، بل هو مفهوم يشمل جوانب اجتماعية وسياسية وتجارية واقتصادية وثقافية.

كما زار مبعوث وزير الخارجية الإماراتي طهران؛ لمناقشة التعاون، ودعم استقرار المنطقة. وأعلنت إيران أيضا، بأنه يتم الاستعداد؛ لتشكيل تحالف إقليمي بحري، يضم إيران والسعودية والإمارات ودول خليجية أخرى.

مصالح وعسكرة ومقاومة

انسياب الممرات الملاحية، واستمرار تدفق طرق التجارة من ركائز المصالح الاقتصادية لدول الخليج، ولذلك تستثمر دول الخليج بشكل مكثف في مجال المواني؛ من اجل تحويل الفضاءات البحرية في البحر الأحمر والخليج العربي/الإيراني، وخليج عدن إلى مناطق تدر الأرباح والنفع الاقتصادي عليهم.

كما تتنافس الدول الخليجية بين بعضها البعض، على من سيكون له اليد العليا في البحار، ولكن الفضاءات السائلة ضخمة، وتنظر دول الخليج للفضاءات البحرية، وتؤطرها على أنها جغرافيا فوضوية تحمل عدة أخطار أمنية وجودية على الملاحة الإقليمية، والدولية منها الكوارث الطبيعية، والمخاطر الإيرانية، والجرائم البحرية مثل، القرصنة والإرهاب.

ولهذا بناء المواني، وضمان تدفق الملاحة والتجارة في تلك الممرات، صاحبه بناء بتكنولوجبا أمنية متشابكة؛ لردع الاخطار المتصورة للبحار بالتعاون مع أطراف إقليمية ودولية.

هذه الشبكة الأمنية، تتكون من استخدام تكنولوجيا أمنية؛ لمراقبة وتوقع مخاطر المساحات المائية التي تقع في قلب مصالح الدول الخليجية مع التمدد في الوجود العسكري الخليجي المباشر، وغير المباشر في المناطق المستهدفة.

النتيجة لسياسات الخليج، وخاصة الإمارات والسعودية وقطر، هو تحويل البحر الأحمر والخليج العربي/الإيراني، وخليج عدن إلى مناطق، تتسم بالعسكرة الخليجية المتزايدة، وتزايد الحروب والصراعات المحلية والإقليمية التي تؤججها التدخلات الخليجية، بالإضافة إلى سيطرة الشركات الخليجية على الموارد الطبيعية في تلك المناطق.

ولكن لا تزال تلك السياسات الخليجية تلاقي مقاومة محلية بين الحين والآخر، جيبوتي على سبيل المثال، أممت ميناء دوراليه وألغت حق امتياز مواني دبي الذي قيل، إن الشركة تحصلت عليه بالرشوة، كما أن البرلمان الفيدرالي الصومالي صوت ضد، الاتفاق الذي أبرم بين مواني دبي مع حكومة صوماليلاند الانفصالية، لكونه ينتهك سيادة الصومال.