يقولون في المثل الشعبي المصري: “أقصر طريق لقلب الراجل معدته” لكن صلاح “نور الدمرداش” في فيلم صغيرة على الحب 1966، كسر القاعدة، وحاول أن يتسلل إلى قلب سميحة “سعاد حسني”، عن طريق الطبخ، إذ يكرس وقته ويحاول لفت نظرها بطبخة حلوة من يديه.
في فيلم الموظفين في الأرض 1985، تدخل ليلى علوي إلى أبيها ” فريد شوقي” في المطبخ، وهو يربط على صدره المريلة، ويمسك بيده المعلقة، يقلب الطعام على النار، ثم تسأله: “أنت اتعلمت الطبخ فين يا بابا؟ يجيبها في حنين: مكنتش بفارق أمك أبدا.. أمك كانت غاوية طبخ وأنا كنت غاوي أمك”.
هل تشغير المشهد اليوم، وما هي الأسباب وراء غواية الرجل بالأعمال المنزلية، وهل لا زالت هذه الثقافة باقية داخل البيوت العربية؟
دي حاجات عيب يعملها الرجالة
ترك محمد جمعة، 45 عاماً، ويعمل موظفاً بإحدى الهيئات الحكومية، مسقط رأسه في مدينة المنيا، وانتقل إلى الإسكندرية؛ لدراسة الحقوق بجامعتها، اعتاد خلال سنوات الدراسة الاعتماد على نفسه، بما في ذلك المهام المنزلية، ولم يفكر في معاونة آخرين، رغم أن أموره المادية كانت تسمح.
يفضل المداومة على القيام بمهام المنزل وحده، الوضع لم يتغير كثيراً بعد زواجه، اعتاد أن يمسح البلاط بعد عودته من العمل، ويرتب الملابس، ويغسل الأطباق، ويضيف في حديثه مع مصر 360: ” الناس عندنا في الصعيد بتشوف، إن دي حاجه عيب، تقلل من الرجولة، لو الواحد غسل شوية أطباق، ولا وقف في البلكونة، نشر غسيل، وإن دي أمور من وظيفة الستات”.
هل مساعدة الرجل لزوجته في المنزل جريمة؟
في زيارة مفاجئة، يدخل أقارب حسين، “عماد حمدي” إلى منزله، ويجدونه، يرتدي مريلة المطبخ، ثم ينظرون له نظرة ازدراء، وتحقير تجاه ما يفعله، كان موظفا بسيطا يعاني من مشكلاته المادية التي تفرضها عليه ظروف زواج ابنته، وكثرة أطفاله، وكان دائماً، ما يشارك زوجته زينب “تحية كاريوكا” في الأعمال المنزلية، يطهو الطعام، ويغسل الأطباق، ويخيط شراباته الممزقة، ويذاكر مع أبنائه دروسهم.
مشاهد عدة قدمها فيلم أبي العروسة 1963، نرى هذا النموذج من الرجال في شخصية حسين “عبد المنعم مدبولي” التي قدمها المخرج عاطف سالم عام 1974.
تتكرر تجربة الخوف من المجتمع، في فيلم صباح الخير يا زوجتي العزيزة، 1969، حيث تدور قصة الفيلم حول حسن “صلاح ذو الفقار” وسامية “نيللي” زوجان يرزقان بمولود، ويحاولان توزيع المهام المنزلية بالتعاون بينهما، بجانب الحفاظ على وظيفة كلا منهما.
وبينما يخرج حسن، إلى الشرفة؛ لنشر الملابس، يخرج جيرانه إلى شرفتهم المقابلة؛ فيلقي بنفسه مسرعاً، ومنبطحا على الأرض، حتى لا يراه الجيران، فيسخرون منه.
تقول موندا، 36 عاماً، مسؤولة علاقات عامة: ولو كان الرجل بيشارك في شغل البيت منتشرا في السينما، ودخل بيوتنا، كان هيتشاف، على إنه شيء طبيعي، الجمهور مرتبط بالسينما، وبيتعلم منها، وبتخلق ثقافة في المجتمع، وبين الأزواج أحيانا.
مشهد سينمائي لا ينسى، الخلفية الموسيقية، على أنغام أغنية “زحمة يا دنيا زحمة” للفنان أحمد عدوية، يرقص “سمير” محمود عبد العزيز، وهو يغسل ملابسه داخل “الطشت”، وبين شفتيه سيجارة، ويوزع الابتسامات الحارة داخل حجرته، ويقول لست في حاجة للمساعدة.
في مشهد كوميدي من فيلم الشقة من حق الزوجة 1985، بنفس الطريقة، يستيقظ محمود جبر، 32 عاماً، مرشد سياحي في الصباح الباكر، يضبط هاتفه على بث إذاعة الأغاني، ويدخل المطبخ، يقلي البيض ويصب الشاي.
يتناول إفطاره، حتى تستيقظ زوجته، فيصنع لها قهوتها الخاصة، ورغم أنه ليس من هواة شرب القهوة، إلا أنه يشعر بالسعادة، كلما كان فنجانها مضبوطاً ومذاقه جيد.
اعتاد جبر، حتى قبل الزواج، وبمصاحبة الموسيقى.. أن يطهي الطعام، ويصنع أطباق الحلويات والعصائر، ويقول في: “بحب أطبخ وبحب أتسوق، بحب أعمل كل حاجة في البيت، سواء لما كنت عايش لوحدي أو بعد الجواز”.
الزواج يغير جلد الرجال
“قبل الجواز عمري ما طبخت، لكن بعد الجواز بقيت أعمل أكل احترافي”أصبح المطبخ ملتقى الإبداع عند بيشوي روفائيل، 33 عاماً، ويعمل مهندسا، ينافس زوجته أحيانا في إعداد الأكلات المبتكرة، وتسعده كلمات الثناء من أطفاله بعد كل أكلة، يطهوها لهم.
قبل الزواج، لم يتردد على المطبخ، ولم يعتاد القيام بأي أعمال منزلية، نفس الشيء حدث مع باسم زكي، 32 عاماً، أستاذ جامعي، غير الزواج والإنجاب حياته، وأصبح مشاركا بجدية في الأعمال المنزلية، يجهز سلطة الفاكهة، ويغسل الأطباق، ويجهز سفرة الطعام، يشترى طلبات المنزل كافة، ويذاكر للأبناء دروسهم، ويقول باسما: “الأهم أنا اللي باخد (كيس الزبالة)، وأنا خارج”.
“أنا واحد من الناس اللي بتحب، تعمل كل حاجة بنفسها” يعتبر محمد يونس، 35 عاماً، محاسبا، زائراً خفيفاً على الدنيا، هذه القناعة الخاصة، جعلته يهوى الأعمال المنزلية، يفضل غسل الملابس ونشرها، يسعي لتعلم الخياطة أيضا، وترتيب كافة الملابس في المنزل مسؤوليته هو حصريا.
يضيف: “بحب أعمل لمراتي القهوة الفرنساوي، خاصة لما بتكون زهقانة من القهوات سريعة التحضير”.
دراما الزوج المثالي
ركز مسلسل يوميات ونيس، المكون من ثمانية أجزاء، وبدأ عرض الجزء الأول منه عام 1994، وانتهى 2013، على شخصية ونيس أبو الفضل “محمد صبحي” طوال المسلسل، يظهر ونيس كزوج متعاون، يشارك زوجته في كل شيء، ينظف المنزل ويطهو الطعام، ويغسل الأطباق، ولا يدخر وقتاً أو جهداً، قدم المسلسل الذي يدور في إطار كوميدي الزوج بشكل مثالي للغاية.
زياد محسن، 35 عاماً، والذي يعمل مترجما، اتفق وزوجته على مشاركة كل شيء قبل الزواج، لا يريد أن يضع على عاتقها وحدها الأعمال المنزلية، يختار كلا منهما ما يتمكن من عمله.
يقول زياد: ” من البداية اتفقنا نعمل كل حاجة مع بعض، وبدأنا، نكتشف، إن فيه مهام محددة حد فينا بيعملها أفضل من التاني المهم التوافق بين الطرفين”.
اعتاد زياد تجهيز العشاء بشكل دائم، وغسل الأطباق وتنظيف المطبخ، بينما تقوم زوجته بباقي المهام، ما عدا ترتيب وتنظيم غرفة النوم، وتنظيف الحمامات؛ لأن رائحة المنظفات تزعجها، أما شراء مستلزمات البيت فتخص الزوجة.
نشأ علاء أمين، 25 عاماً، في أسرة بسيطة، تعيش بحي مصر القديمة، ورث عن والده تجاره النحاس، يشارك علاء زوجته في كل شيء بالمنزل، هذه السلوكيات، تعلمها من والده، وبالتبعية يتعلم أطفال علاء فكرة المشاركة في المهام المنزلية.
يقول: “بشارك مراتي كل أعمال البيت زي ما بابا كان بيعمل وعلمنا وربانا على كدا”.
ربما هذه الصور المثالية لرجال كثر، يساعدون زوجاتهم في الأعمال المنزلية، أو أولئك الذين يعيشون بمفردهم، دون زوجات، إلا أن هناك عددا أكبر من الرجال، لا يقبلون القيام بهذه الأمور، حتى لو كانوا عاطلين عن العمل.
ضمن أشكال تحقق المساواة بين الجنسين، إتاحة الفرص للتعلم والعمل للنساء والرجال، وأيضا تقاسم داخل الأسرة الاهتمام بالأطفال والشؤون المنزلية على حد سواء.
تقول حنان محمد، 33 عاماً، بائعة خضار، أذهب كل يوم إلى السوق، وعند العودة للمنزل، تقوم بمهامها، تنظيف البيت وتطهو الطعام، ومتابعة الأطفال، وفي نفس الوقت، يأخذ زوجها مما تتحصل عليه من عملها؛ لشراء السجائر، ورغم أنه لا يعمل، يرفض المساعدة فى المهام المنزلية.
تشير منظمة العمل الدولية، أن النساء العاملات تشتغل يومياً ساعاتٍ أطول من الرجال، حيث تقوم المرأة في البلدان ذات الدخل المرتفع والمنخفض على حدٍّ سواء، بأعمالٍ منزلية ورعوية غير مأجورة، تفوق ما، يقوم به الرجل بمرتين ونصف على الأقل.
تتغير وتتبدل المفاهيم حول دور الرجل في منزله، أصبح الكثير من الرجال يظنون أن مهام المنزل، ومسؤولياته ورعاية الأطفال ومتابعتهم، هي مهمة الزوجة، بينما الزوج واجبه فقط، أن يفي بمتطلباتهم المادية.
وإن كانت هناك نماذج لديها وعي بضرورة، وأهمية المشاركة في أعمال المنزل، إلا أن النسبة الأكبر من الرجال يعتبرون المهام المنزلية، واجبات نسائية، لا دخل للرجال فيها، وليس من “طبيعة” الرجل طهي الطعام أو تنظيف السجاد أو غسل الأرضيات..
فهل يمكن أن تتغير هذه الصورة في المستقبل؟