تستحوذ الزيارة العلنية الأولى لوفد قيادي من جماعة أنصار الله الحوثي اليمنية إلى العاصمة السعودية الرياض، منذ بدء الحرب في اليمن عام 2015، على أهمية خاصة؛ نظرا لطبيعتها والتوقيت الذي تأتي فيه وسط آمال عريضة؛ بشأن التوصل لحل سياسي شامل ودائم، على ضوء مجموعة المتغيرات التي من شأنها؛ تعزيز إمكانية وضع حد للصراع الأبرز، والمسبب لكثير من أزمات المنطقة.

وأكدت جماعة الحوثي المدعومة إيرانيا، والتي تسيطر على مساحات واسعة من شمال اليمن، إنهم يأملون في تجاوز التحديات، خلال المحادثات مع مسؤولين سعوديين في الرياض.

وقال محمد علي الحوثي القيادي البارز بالجماعة، إن “أملنا أن يتم النقاش الجدي، لما فيه مصلحة الشعبين وتجاوز التحديات”.

وشدد القيادي الحوثي في منشور على منصّة “إكس” الجمعة الماضية، على أنه  “لا يمكن أن يكون الحوار إلا مع تحالف العدوان، باعتبار قرار العدوان والحصار وإيقافه بيده”، في إشارة إلى  المملكة العربية السعودية التي تقود تحالف دعم الشرعية في اليمن، ضد مليشيات الحوثي في الحرب المندلعة منذ 2015 .

مضمون المفاوضات

بحسب المسؤول الحوثي، فإن الحوار الذي يجري في السعودية بوساطة عمانية، يتركز على صرف مرتبات الموظفين الحكوميين، والإفراج عن كافة الأسرى والمعتقلين و”خروج القوات الأجنبية”، والإعمار وصولا إلى الحل السياسي الشامل.

ويواجه الحوثيون ضغوطا متصاعدة في أماكن نفوذهم باليمن؛ جراء الأوضاع الإنسانية والاقتصادية الصعبة التي يواجهها سكان تلك المناطق، منذ منتصف عام 2016، حيث لم يتقاضى نحو نصف مليون موظف، موزّعين على القطاعين المدني والعسكري رواتبهم.

وتشير الأنباء الواردة من الرياض، إلى أن الاتفاق الذي يجري التباحث بشأنه برعاية عمانية كخطوة تمهيدية من المقرر، أن يتبعها التفاوض حول صيغة؛ لوقف شامل ودائم لإطلاق النار، يباشر بعده أطراف النزاع التفاوض حول حل سياسي دائم”، يتضمن  صرف رواتب موظفي الدولة وفقًا لقواعد بيانات الخدمة المدنية في نهاية عام 2014، على أن تُسلم المرتبات عبر مكاتب البريد في كافة محافظات البلاد، ويتم فتح حساب مشترك لدى البنك المركزي اليمني، وفروعه في كل المحافظات، تورد إليه كل موارد الدولة من ضرائب وجمارك ورسوم، وعائدات مبيعات كل الصادرات من النفط والغاز والأسماك، على أن يخضع هذا الحساب البنكي لإشراف لجنة سعودية – عُمانية مشتركة، كما يتضمن الاتفاق أيضا رفع ” الحصار عن ميناء الحديدة، ومطار صنعاء المفروض من جانب تحالف دعم الشرعية الذي تقوده السعودية.

في هذا الصدد، يرى الباحث والمحلل السياسي اليمني سلمان المقرمي، أن الضغوط الشعبية التي تواجه الحوثيين دفعتهم؛ لطلب تدخّل الوساطة العمانية لمحاولة إلى اتفاق مع السعودية، لمواجهة التحديات التي تواجههم في الوقت الحالي، مضيفا لـ ” مصر360″، أن الدور الشعبي المتحرك في مناطق الحوثيين من أجل الخدمات والرواتب، كان ضاغطاً حقيقياً على الحوثيين، ومهدداً لاستقرارهم كسلطة أمر واقع، وبرز على شكل كيانات حقوقية جديدة مثل، نادي المعلمين والأكاديميين.

وتأتي الزيارة بعد نحو 5 أشهر من زيارة وفد سعودي إلى صنعاء، ولقائه قيادات حوثية في منتصف شهر إبريل/ نيسان الماضي. وعلى الرغم من أن تلك الزيارة انتهت بتصريحات إيجابية من الطرفين، على أن يتم استكمال المناقشات والاتفاق إلا أنها جُمدت، خلال الأشهر الماضية في ظل استمرار حالة الهدنة المتقطعة.

وكان قد سبق مفاوضات الرياض، عدة جولات من المفاوضات  اليمنية – اليمنية  في الأردن، من أجل تبادل الأسرى والتوصل إلى حل أشمل للأزمة في البلاد برعاية أممية، وقد أفضت حينها تلك المحادثات إلى تبادل مئات الأسرى بين الحوثيين والحكومة.

رغبة سعودية ومباركة إيرانية

ثمة أمل يلوح في الأفق بشأن تجاوز تلك الجولة من المفاوضات التي جاءت بدعوة رسمية سعودية، العقبات التي واجهتها الجولات الماضية، وسط متغيرات مرتبطة بتبدل بعض المواقف الإقليمية، وفي المقدمة منها موقف طهران الداعم الرئيسي للحوثيين، خاصة في ظل حالة الهدوء التي تسيطر على أجواء العلاقات السعودية الإيرانية، والمساعي الرامية؛ لإنهاء الخلافات بينهما في ظل سياسة خفض التوتر التي تتبعها دول المنطقة، وكذلك في ظل المباركة الأمريكية لجهود حل الأزمة اليمنية.

وتشير التحركات السعودية الأخيرة التي تأتي على مستوى رفيع  إلى حجم اهتمام المملكة، بتحقيق تلك الجولة من المفاوضات تقدما على صعيد غلق ملف الأزمة اليمنية بالنسبة للرياض، والتي تأمل في تصفير أزماتها في ظل رغبة حثيثة من جانب ولي العهد محمد بن سلمان؛ للتفرغ إلى بناء “المملكة الجديدة ” التي يستعد لاعتلاء عرشها بعد انتهاء حقبة والده الملك سلمان بن العزيز.

وكان بن سلمان، قد زار سلطنة عمان بعد مشاركته في اجتماعات قمة مجموعة العشرين التي عقدت في الهند، وقبيل أيام قليلة من زيارة وفد الحوثيين للرياض، حيث ربط مراقبون بين الزيارة التي وصفها الديوان الملكي السعودي بالـ  “الخاصة” بالمشاورات المتعلقة بالأزمة اليمنية، معتبرين إياها إشارة سعودية على دعم الجهود العمانية في المسألة اليمنية.

وعزز انضمام وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، ومسؤولين عسكريين سعوديين بارزين من الرياض إلى ولي العهد في زيارته إلى مسقط، أهمية الجولة النوعية من المفاوضات مع الحوثيين، إذ أن الأمير خالد هو المسؤول بشكل مباشر عن كل ما يتعلق بالمسألة اليمنية بحكم موقعه كوزير للدفاع .

وبموازاة الرغبة السعودية الحثيثة من أجل التوصل؛ لحل دائم على صعيد الأزمة اليمنية، جاءت المباركة الإيرانية.

تلك المباركة التي جاءت في أعقاب تحول الموقف الإيراني في ظل المصالحة السعودية مع طهران،يصفها مراقبون، بأنها كانت البداية الحقيقية؛ للتأثير على موقف حركة أنصار الله.

وفي هذا الإطار، اعتبر المستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية الدكتور سالم اليامي، الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى السعودية مؤشرا واضحا، على أن طهران أصبحت أكثر مرونة في استخدام ما تملك من أوراق على الجانب اليمني، واصفا في تصريحات تلفزيونية لشبكة ” بي بي سي”، تلك الزيارة بالمهمة والمفصلية، إذ حملت خطابا مختلفا عن الخطابات السابقة.

ولعب الوقف الإيراني دورا فاعلا في تمهيد طريق جولة المفاوضات الجديدة، بعد ممارسة ضغوطها على الجناح المتشدد في حركة أنصار الله الحوثي، والذي كان رافضا لتقديم أية تنازلات من جانبهم، كما كان ذلك الجناح رافضا أيضا، لأن تكون تلك الجولة حلقة ضمن سلسلة من المراحل التي تنتهي بحل دائما، حيث كان يريد قادة هذا الجناح اعتبار تلك المفاوضات جولة منقطعة، بما ستتوصل إليه من نتائج، لولا التدخل الإيراني÷، والضغط على قادة هذا التيار .

من جانبها، أكدت الإدارة  الأمريكية دعمها الدبلوماسي؛ لجهود السلام الحالية بالتنسيق مع الأطراف اليمنية والأمم المتحدة، مشيدة بقيادة السعودية للمبادرة الحالية، حيث اعتبر مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، في تصريحات لـ  “قناة العربية”، زيارة وفد الحوثيين للرياض تطورا مهما؛ لإنهاء الحرب.

شبكة علاقات معقدة

في الخلاصة، يمكن القول، إن الجولة الحالية من المفاوضات تجري في مسار شديد التعقيد بحكم شبكة التداخلات المرتبطة، وإن كانت تلك التداخلات ذاتها، ربما تكون الحل، كما كانت سبب التعقيد في وقت سابق، فالموقف الإيراني المتساهل مؤخرا، لا يمكن حصره فقط حالة الرغبة في المصالحة مع السعودية، لكنه يأتي أيضا في وقت، تسعى فيه طهران؛ لإبطاء قطار تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، حيث تتحكم طهران تارة بعلاقاتها مع الحوثيين، وتارة أخرى عبر علاقتها مع الفصائل الفلسطينية في ضبط الإيقاع صعودا، وهبوطا وفقا لطبيعة كل مرحلة.

وفي هذا الإطار، لا يمكن تجاهل التقارير الإسرائيلية بشأن توقف مفاوضات التطبيع مع السعودية بناء على مطلب الرياض، حيث نسب تقرير في موقع إيلاف لمسؤول إسرائيلي في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي قوله، إن السعودية أبلغت الإدارة الأميركية بوقف أي مباحثات تتعلق بالتطبيع مع إسرائيل.

وتابع المسؤول وفق الصحيفة، أن معارضة مركبات الائتلاف الحكومي برئاسة بنيامين نتنياهو، لأي لفتة تجاه الفلسطينيين، وإذعان نتنياهو، لمطالب أركان اليمين المتطرف المتمثل بإيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي ووزير المالية المتنفذ في وزارة الأمن، كذلك بتسلئيل سموتريتش، هو نسف لأي إمكانية تقارب مع الفلسطينيين، وبالتالي مع السعوديين.

والمدقق  في تسلسل الأحداث، يجد الحديث عن تعطل مسار التطبيع السعودي الاسرائيلي، يأتي بعد أيام قليلة من انطلاق مسار مفاوضات الأزمة اليمنية المدعوم إيرانيا في السعودية.