قال صديقي الشاعر/ إيهاب البشبيشي “فما المنتمي غير أنك تشعر بأنك منهم، فهل انت منهم؟”، وهكذا لخص الشاعر الوطنية والانتماء، ومن هذا القول نخلص على أنه لا يمكن تخوين أحد من أبناء الوطن، أو اتهامه بعدم الانتماء وابتغاء مصلحة الوطن، وذلك ما يدخل في طويته المعارضة المصرية السليمة، إذ أنه من الأصل العام لا يمكن أن تسير الأمور، خصوصا في الحياة السياسية على أساس وجهة نظر واحدة، حيث أن تبنى الأوجه المختلفة من الآراء ينتج بيئة سياسية سليمة، حيث لا يمكن أن تٌصادر الآراء تحت مظنة الوطنية، وحيث لا يمكن أن يمتلك فصيل، دون الآخر وجهة النظر السليمة دوما.

أكتب ذلك لكوني، قرأت بالأمس عن منع دخول الوفد الانتخابي لقائمة الاستقلال المرشحة؛ لانتخابات نقابة الأطباء، كلية الطب ببنها، وإحدى كليات الطب الأخرى؛ لعرض وجهة نظرهم، وبغيتهم من الترشح على مسمى قائمة الاستقلال؛ لخوض انتخابات نقابة الأطباء المصرية، وكل ما قيل في تبرير ذلك الموقف، هو أن كلية الطب هي منشأة تعليمية، وتقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين، وإن كنت أرى أن المسافة الواحدة تقتضي التحاور مع الكافة، ومقابلة أصحاب كل القوائم للمفاضلة بينها، واختيار الأفضل منهم؛ لتمثيل نقابة الأطباء.

وإذ أن أمر إعاقة المرشحين من التواصل مع ناخبيهم لا يمكن، سوى أن يعد مانعاً من تداول السلطة على أساس ديمقراطي سليم، وكاشفا من قبل لمنع لحرية الرأي والتعبير، وكاشفا عن منع للممارسة السلطة في أي مستوى، سواء كان مستوى نقابي أو برلماني أو حتى رئاسي، إذ يمثل التداول السلمي للسلطة السايسية، ويعني بشكل رئيسي الرغبة في إلي الوصول إلي السلطة؛ لتطبيق برنامجه الانتخابي، الذي مكنه من الأغلبية البرلمانية، وتفقد هذه الأغلبية مشروعيتها، إذا لم تتحول إلي حكومة مستقلة، تمتلك سلطة تشريعية، وأخرى تنفيذية، تمكنها من تطبيق برنامجها الانتخابي مع الخضوع للرقابة الشعبية، الحزب السياسي بهذا المعني يفقد مسوغ وجوده، كما يفقد قيمته السياسية، إذا لم تتوفر له الشروط الملائمة؛ لممارسة السلطة ( تشريعياً وتنفيذاً ) باعتباره ممثلاً للإرادة الشعبية التي قادته في الانتخابات إلي ممارسة الحكم.

كما أن الحصول على المساندة الشعبية على أساس اعتبار أن المفهوم الديمقراطي الحديث لممارسة السلطة تقوم على أساس تمثيل الإرادة الشعبية، والتي هي أساس كل بناء ديمقراطي حقيقي، ما دام المجتمع قد ارتضى من النموذج الديمقراطي كوسيلة؛ لممارسة الحياة السياسية، ونموذجا للتداول السلمي لها، فإن حجب أو منع أي فصيل من ممارسة أي نوع، أو مستوى من الحقوق المترتبة على تلك الممارسات المؤدية في نهاية المطاف؛ لتداول حقيقي للسلطة، فإنه يتجافى مع كافة المعايير الحقيقية للمارسات الديمقراطية.

كما يُعد التداول السلمي للسلطات في كافة مستوياتها تعبيراً نموذجيا لحرية الرأي والتعبير، بحسبها الحرية الأصل للعديد من الحقوق والحريات الرافدة منها، والتي تتصل اتصالاً مباشراً بإبداء الآراء، والأخبار والمعلومات وتلقيها، والتعبير عنها بکافة الوسائل، ولهذا تندرج، تحت حرية التعبير مجموعة من الحريات والحقوق الأخرى، ذات الصلة کحرية الصحافة، وحرية الإعلام، وحرية تداول المعلومات، والحرية الأكاديمية، وحرية الإبداع، والحق في الإضراب، والحق في التجمع والحق في التنظيم.

و يتوقف ممارسة هذه الحريات على كفالة حرية التعبير ابتداء، نظراً لأنها الحرية الأصل التي إن انتقصت امتد هذا الانتقاص إلى سائر المنظومة، وحمايتها بموجب الدستور، تعني حماية لهذه الحريات، وتتوقف ممارسة هذه الحقوق، دون خوف أو تدخل غير قانوني، أمر أساسي للعيش في مجتمع منفتح ومنصف، مجتمع يمكن فيه للناس الحصول على العدالة والتمتع بحقوقهم الإنسانية.

وهنا يتجلى دور المحكمة الدستورية العليا في خلق ضمان؛ لعدم الافتئات على الحقوق والحريات الواردة في المدونات الدستورية، وكيفية تولي المشرع العادي أمر تنظيمها. وذلك بقولها في القضية رقم 44 لسنة 7 قضائية دستورية، والتي صدر الحكم فيها بجلسة 7 مايو لسنة 1988، ومما هو جدير بالذكر، أن هذه القضية الدستورية كانت متعلقة بقانون، يدخل في نطاق الحق في التنظيم أيضاً، وهو الحق في تكوين الأحزاب السياسية، حيث قالت “أن الدساتير المتعاقبة قد حرصت على حماية الحقوق والحريات العامة، وقرارها في صلبها قصدا من الشارع الدستوري، أن يكون لهذه الحقوق، والحريات قوة الدستور وسموه على القوانين العادية”.

وبعيدا عن الإطار النظري، سوء من الناحية القانونية والدستورية الداخلية، أو حتى ما أقرته المواثيق الدولية، والاتفاقيات الحقوقية، بما يضمن الحق في المشاركة السياسية، والتداول السلمي للسلطات المحلية، بما يضمن الحكم الرشيد، ويضمن كذلك حق المواطنين في مخاطبة السلطات، والمشاركة في حكم البلاد على قدم المساواة، وغيرها من الحقوق المرتبطة بالمفهوم الواسع لمدلول الديمقراطية، فإنه من الناحية الواقعية، فإن الشعب المصري على أعتاب استحقاق انتخابي لرئاسة الجمهورية، وهو الأمر الذي قد يشهد تواجد بعض المرشحين؛ لخوض تلك الانتخابات، فإنه يجب، ومن الآن أن تقف السلطات المصرية على قدم المساواة، أو على مسافة واحدة من جميع المرشحين، بما يضمن وجود تمثيل انتخابي حقيقي، وتفعيل لمدلول التداول السلمي للسلطة السياسية، وهو الأمر الذي يتطلب نبذ كافة الحواجز، أو المضايقات التي من الممكن أن تنال من بعض المرشحين، أو ممن يشايعونهم تعبيراً عن ميولهم واختياراتهم، وحقهم في إبداء الرأي وحريتهم المتمثلة في الاختيار والتجمع، وما يرتبط بذلك من مفردات حقوقية ذات صلة بمدلول تداول السلطة، وليكن ذلك الموقف الذي حدث مع مرشحي قائمة الاستقلال بنقابة الأطباء جرس إنذار، لما يعوق التداول السلمي، وحرية الانتخاب والاختيار من معوقات.