أثارت وزارة التموين المصرية، جدلاً في الأسواق العالمية، بعدما احجمت عن شراء صفقة من القمح الروسي إثر خلاف على سعر توريد الطن لصففة ضخمة تعادل 480 ألف طن، فضلاً عن شرائها صفقتين من القمح الأوكراني في أسبوع واحد. والسؤال الذي يطرحه هذان التطوران هل تغير مصر بوصلتها بوصلتها بعيدًا عن شراء القمح الروسي.
من المتوقع، أن تنتج روسيا هذا العام 92 مليون طن من القمح، وتصدر 46 مليون طن، ذلك وفقًا لتقرير تقديرات العرض والطلب الزراعي العالمي، الصادر عن وزارة الزراعة الأمريكية.
جعل محصول القمح الوفير الثاني على التوالي، روسيا المورد العالمي المهيمن على السوق، لكن في الوقت ذاته انخفضت الأسعار؛ بسبب زيادة المعروض.
واتجهت مصر لتعويض الكميات التي تم التعاقد عليها مسبقا مع روسيا، لمنافذ منافسة في مقدمتها فرنسا وبلغاريا وأوكرانيا
وأبحرت سفينة محملة بالقمح الأوكراني، منذ يومين في ثاني صفقة، خلال أسبوع واحد. بعدما اتبعت كييف طريق جديد للتصدير عبر المياه الرومانية بهدف؛ تجنب التهديدات البحرية الروسية.
مصدر مسئول بوزارة التموين، تحدث لمصر 360، أكد على أن مصر لديها سياسة في تنويع مصادر استيراد القمح من أكثر من منشأ، لكنه رفض التعليق على وجود خلاف مصري روسي على الأسعار.
يضيف المصدر: مصر استوردت قمحا من عدة دول، إبان جائحة كورونا والحرب الروسية ــ الأوكرانية، دون مشكلات مع روسيا، ومن المقرر استمرار الاستيراد من موسكو مستقبلاً كالمعتاد.
وتعاقدت الهيئة العامة للسلع التموينية في نهاية أغسطس الماضي، على شراء 240 ألف طن قمح فرنسي، وروماني موزعة بين 120 ألف طن قمح فرنسي، و120ألف طن قمح روماني؛ لتعزيز أرصدتها من السلع الأساسية، بحسب بيان وزارة التموين.
صدرت فرنسا 1.2 مليون طن من القمح إلى مصر، منذ بداية الحرب الروسية ـ الأوكرانية، كما تنفذ بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي منحة بقيمة 60 مليون يورو التي ستسمح بزيادة مخزون القمح المصري بنسبة 10%.
من أجل تعزيز الاحتياطيات الداخلية، لجأت وزارة التموين للقمح الفرنسي أكثر من مرة، منذ الحرب الروسية الأوكرانية؛ لمواجهة القرارات المتتالية للحكومة الروسية بفرض ضريبة أعلى على تصدير القمح، كما تم تغيير المواصفات الخاصة بالاستيراد؛ للسماح بنسبة رطوبة تبلغ 13,5%.
“التموين”: لا نسعى لاستبدال القمح الروسي
يؤكد إبراهيم العشماوي، مساعد أول وزير التموين، أن مصر لا تسعى لتوفير بدائل للقمح الروسي، وأن علاقات مصر مع روسيا استراتيجية، وتعاملهما التجاري معًا، يسير على قدم وساق وتربطهما علاقات تجارية وطيدة.
يدعم ذلك، ما أعرب عنه وزير الخارجية سامح شكري، خلال لقائه بنظيره الروسي سيرجي لافروف، عن ترحيبه باستمرار موسكو في توريد الحبوب إلى مصر، رغم التحديات الدولية القائمة.
أندريه سيزوف، المدير الإداري في شركة الأبحاث “سوف إيكو”، يرى أن روسيا تحاول حفظ ماء الوجه بتجنب رفض الشحنات التي تقل عن الحد الأدنى أو إتمامها، فإذا لم يبيعوا بالضرورة القمح، فهذا يعني أنهم لم ينتهكوا الحد الأدنى للسعر”.
بينما أكد إدوارد زرنين، رئيس الاتحاد الروسي لمصدري الحبوب، تمسك الاتحاد بالأسعار التي تُمليها زيادة تكاليف الإنتاج.
في المقابل، يقتنع المسئولون المصريون، أن القمح الروسي لا غنى عنه؛ لتوفير الاحتياجات المحلية، إذ ترى هيلين دوفلوت، محللة سوق الحبوب في “ستراتيجي جرينز”، أنه لا يوجد منافسون للقمح الروسي، فموسكو صانعة الأسعار في الوقت الحالي.
القمح الكازاخي.. هل يصبح بديلاً؟
وتجري الحكومة المصرية ــ بحسب وكالة بلومبرج ـ محادثات مع أحد البنوك الإماراتية للحصول على قرض؛ بغرض تمويل صفقات شراء القمح من كازاخستان، في ثاني اتفاق مع الإمارات ممثلة بصندوق أبو ظبي للتنمية؛ لاستيراد القمح لمدة 5 سنوات بقيمة 100 مليون دولار كل عام.
من المتوقع، أن يصل إنتاج القمح في كازاخستان إلى 16.4 مليون طن، للعام التسويقي 2022-2023، وهو أعلى بكثير من 11.8 مليون طن، سجلتها العام السابق، وأفضل إنتاج سنوي، منذ 2017-2018، وفقًا لمنظمة الزراعة العالمية.
تمتلك كازاخستان القدرة على تصدير 10.5 ملايين طن من القمح في العام التسويقي الحالي، لكن تواجه زيادة صادراتها تحديات تتمثل في محدودية قدرة السكك الحديدية على النقل، والبنية التحتية القديمة، علاوة على أنها دولة حبيسة ليست لديها إطلالة على البحر الأسود، ما يجعل صادراتها، تمر عبر روسيا، وتتحكم فيها الشركات الروسية.
كما يتسم القمح الكازاخستاني، بأنه أعلى سعرا من الروسي، حتى أن بعض المطاحن الكازاخية تستورد القمح الروسي من الدرجة الرابعة، وتمزجه بالقمح المحلي عالي الجودة؛ لإنتاج دقيق قمح ذو جودة مناسبة وبتكلفة أقل.
تحاول أوكرانيا، حاليًا، تصدير أقماحها لإفريقيا بأي وسيلة في ظل استياء جيرانها من مستوى الأسعار الذي يضر بأسواقها الداخلية، إذ حظرت بولندا والمجر وسلوفاكيا وكرواتيا بعض السلع الزراعية الأوكرانية؛ لحماية المزارعين المحليين الذين اشتكوا من بوار سلعهم، وأعلنت كييف في المقابل، أنها سترد بشكوى لمنظمة التجارة العالمية.
مصر تسعى لتقليص الواردات
توقع تقرير لوزارة الزراعة الأمريكية، أن يبلغ حجم واردات مصر من القمح في الموسم 2023/ 2024، نحو 11.9 مليون طن، بعدما زاد إنتاجها من القمح بنسبة 8%، ليبلغ 10ملايين طن عام 2023، مقابل 9.26 ملايين طن عام 2014.
بحسب الحملة القومية للقمح، فإن مساحة محصول القمح بمصر تقدر بنحو 3,6 ملايين فدان في المتوسط، تنتج حوالي 9 ملايين إلى 10 ملايين طن من القمح، بينما الاحتياجات المحلية تصل إلى 18 مليون طن. لإنتاج سنوياً 100 مليار رغيف خبز، بمعدل 275 مليون رغيف يوميًا بسعر مدعم.
ذلك بحسب بيانات مركز المعلومات بمجلس الوزراء، والذي أكد أن الاحتياطي الاستراتيجي من القمح بمصر يكفي الاستهلاك المحلي لمدة 4.7 أشهر، يعني حوالي أربعة أشهر و21 يوما تقريبا.