للمصريين- على المستوى النظري- مجموعة واسعة من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية منصوص عليها في الدستور، ولم يتم المساس بها حين تعديله، وهي من الكثرة بحيث إذا أردت أن أورد نصوصها الدستورية في متن هذا المقال فسوف تستغرقه كله ثم تزيد عنه ثم تستدعي المزيد من المساحات حتى يتم بسطها عن آخرها.
لكن المصريين- على المستوى العملي المعيشي- محرومون من هذه الحقوق والحريات المبثوثة في كافة أبواب الدستور كأي دستور في أي بلد ديمقراطي حر متحضر متقدم، فنصوص الدستور تنتمي لأفضل ما في العالم الأول، أما الواقع الدستوري فجزء لا يتجزأ من العالم المتخلف.
السؤال: لماذا هذا التناقض، لماذا المصريون محرومون من حقوقهم السياسية والمدنية بينما هي منصوص عليها بكل توسع وتفصيل ووضوح في الدستور؟
الجواب: هذا التناقض سببه تناقض أولي سابق عليه، أما التناقض الأولي السابق فهو نص الدستور على أن السيادة للشعب، بينما الحقيقة الواقعية الأكيدة التي يعلمها الجميع، ولكن لا يقولها أحد، هي أن السيادة ليست للشعب، السيادة للحاكم الفرد المطلق.
والحاكم الفرد المطلق لا يأتي للسلطة بتصويت شعبي حقيقي، ولا يخرج منها بتصويت شعبي حقيقي، إنما هو يأتي للسلطة، ويمارسها، ويستمر فيها الفترة تلو الفترة، معتمداً على أنه قادم من صفوف الجيش، لا على أنه قادم بأصوات الشعب، ولهذا يتم طبخ الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية لتترجم هذه الحقيقة التي هي محور ومرتكز أساس وجوهر السياسة المصرية في السبعين عاماً الأخيرة، وهي أن الحاكم يأتي برضا الجيش أولاً وآخراً، ثم يتم بعد ذلك تكييف وتستيف وتظبيط إرادة الشعب للتوافق مع هذا الرضاء العسكري.
لهذا لم يحدث، ولن يحدث- في ظل هذا التناقض- أن يخوض حاكم قادم من الجيش انتخابات تعددية ديمقراطية تنافسية حرة على وجه الحقيقة، لن يدخل انتخابات لا يعلم- سلفاً وعلى وجه اليقين- نتائجها بالتفصيل المرسوم، الحاكم تكفيه إرادة الجيش، وليس مضطراً للنزول لنوال إرادة الشعب. ولدى الحاكم من القوة ما يطوع به إرادة الشعب على النحو الذي يشاء، ومشيئته نافذة تقوم علي تنفيذها ترسانة من البيروقراطية السيادية والأمنية والإدارية. السيادة للحاكم وليست للشعب، يهيمن على كل السلطات منفرداً، يشكلها حسب مصلحته وطموحه، يتحكم في مقدار ما يمنحه للشعب أو يحجبه عنه من حقوق وحريات.
عبد الناصر سلب الحريات ومنح بعض الحقوق الاجتماعية، السادات ومن بعده مبارك فعلا العكس إذ أتاحا بعض الحريات السياسية وسلبا بعض الحقوق الاجتماعية، ثم السيسي سلب كافة الحقوق والحريات سياسية كانت أو اجتماعية وجعل من الشعب آلة مسخرة في خدمة الدولة وتحت سطوتها غير المسبوقة في السبعين عاماً، فقد اشتد تركيز السيادة في يد الحاكم الفرد المطلق، والسيادة هنا تعني مصدر السلطة، ففي الديكتاتوريات الحاكم أو السلالة الملكية أو الجيش أو الطبقة مصدر السلطة، بينما في الديمقراطيات الشعب هو مصدر السلطة.
ولقد اجتهد الشعب المصري من مطلع القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا في أن يكون مصدر السلطة، لكن كل محاولاته تم إجهاضها، مرة على يد محمد علي باشا 1805م، ثم مرةً على يد الاحتلال ضد الثورة العرابية 1882م، ثم مرة على يد الملكين فؤاد ثم فاروق مما أجهض تجربة الثلاثين عاماً التي أعقبت ثورة 1919م، ثم اجتهد كل رئيس في العصر الجمهوري أن يلتف حول سيادة الشعب ويحاصرها ويبطل مفعولها، كل بطريقته وحسب شخصيته وحسب ظروف عصره، فلم يكن الشعب مصدر السلطة ولا صاحب قول حاسم فيها في أي عهد من رؤساء دولة الضباط في سبعين عاماً.
في الثلاثين عاماً التي أعقبت ثورة 1919م المجيدة ثم الاستقلال الشكلي 1922م ثم الدستور 1923م وحتى إعلان الجمهورية 1953م، في هذه الثلاثين عاماً كانت السيادة موزعة على ثلاث قوى تتصارع فيما بينها: قوة الاحتلال بحكم الوجود المسلح، قوة القصر الملكي بحكم التوافق الدولي الذي جعل مصر ضيعة وراثية لسلالة محمد علي باشا، ثم قوة الشعب بحكم ثورة 1919م والنضال من أجل الاستقلال والحكم الدستوري.
لكن بعد إعلان الجمهورية ثم بعد حل الأحزاب ثم بعد جلاء الاحتلال، انتقلت السيادة من الاحتلال والملك والشعب، انتقلت إلى يد الجيش، ومن يد الجيش لم تنتقل إلى يد الشعب، حُجبت عن الشعب، وحُجب عنها الشعب، انتقلت إلى يد الحاكم الفرد القادم من الجيش، ثم صارت حقاً تقليدياً ينتقل من حاكم إلى آخر، مع استمرار النص الشكلي في الدستور على أن السيادة للشعب، أو كما يقول الدستور الحالي الصادر في 2014م والمعدل في 2019م في المادة الرابعة” السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات”، تستطيع أن تحذف” للشعب” وتكتب مكانها” الرئيس” فتكون العبارة أصدق في التعبير عن واقع الحال، فيكون نص المادة” السيادة للرئيس وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات”.
خلال العقود الثلاثة من 1923م حتى 1953م كان المصريون في نضال دستوري مجيد من أجل الاستقلال ومن أجل الحقوق المدنية والسياسية، ثم خلال العقود السبعة من 1953م حتى 2023م اندفن النضال الدستوري تحت سابع أرض، وأصبحت الدساتير من شؤون الحكام لا من شؤون الشعب.
الرئيس عبد الناصر كان يكتب دساتيره ويعدلها ويغيرها على مقاسه ومصالحه ومطامحه كيفما يشاء، السادات لم يكتب الدستور لكنه عدله حسب مقاسه ومصالحه ومطامحه كيفما يشاء قبل استشهاده بقليل، مبارك وجد دستور السادات جاهزاً على أحسن ما يكون ثم لما احتاج تعديله لم يمنعه من تعديله مانع مرتين في 2005 ثم في 2007م، والسيسي لم يكتب الدستور لكن لما بدت له مصالح ومطامح عدله كيفما يشاء.
هكذا باتت الدساتير- التي هي مناط الحقوق والحريات والواجبات والمسئوليات وحدود السلطات- أصبحت من شؤون الرؤساء لا من شؤون الشعب، ولهذا لم تكن كل حقبة رئاسية إلا مصيدة يتم فيها اصطياد الشعب منزوع الحقوق والحريات معاً، على تفاوت في شكل المصيدة، وعلى تفاوت في كيفية حجب الحقوق وسلب الحريات ووضع الشعت تحت كامل السيطرة.
السؤال: لماذا الدساتير، ولماذا النضال الدستوري؟
دساتير دون نضال هي حبر على ورق، حقوق وحريات دون دفع ثمنها هي حبر على ورق، كل الشعوب التي أكدت نفسها كمصدر للسيادة ومن ثم كمصدر للسلطة ومن ثم سيدة نفسها ومن ثم صاحبة قرارها ومن ثم فوق حكامها هي شعوب ناضلت، ليس على فترات خاطفة وامضة ثم تخفت وتهمد، لكن على فترات طويلة، وتعاقبت على النضال أجيال في أعقاب أجيال، فتأكدت حقوقها بالكفاح والإيمان والإصرار والعرق والدماء والأرواح قبل أن تتأكد في لجان صياغة ومجالس مداولة واستفتاءات عامة.
بريطانيا- وهي أول- من قيد سلطات الحكام، وأول من نجح في تأكيد سلطات الشعب، ليس لها دستور مكتوب، لكن لديها تراث دستوري حي نابض ملزم دفعوا ثمنه مقدماً منذ وقت مبكر، بدأ في مثل هذه الأعوام من القرن السابع عشر، واجهوا- بجدارة- استبداد الحق الإلهي للملوك من آل ستيوارت، ثم واجهوا- بحسم- الحق الإلهي للعسكر حين قلب أوليفر كرومويل 1599 – 1658م النضال الدستوري إلى حرب أهلية ثم حول المعارضة البرلمانية إلى عمل عسكري ثم قدم العسكرية على السياسة ثم حل البرلمان ثم أسس جمهورية عسكرية في بريطانيا ذات التاريخ البرلماني العريق.
في هذه اللحظة وجد البريطانيون أنفسهم أمام خطر استبدادين أسوأ من بعضهما: استبداد باسم الحق الإلهي للملوك أعقبه استبداد باسم الحق الإلهي للعسكر. في القرن السادس العشر كان الملوك من آل تيودور على النهج ذاته من الاستبداد، لكن الشعب الانجليزي تقبلهم لسببين: كانوا يصنعون هوية وطنية ناشئة، ثم كانوا يراعون مقامات وأقدار أعضاء البرلمان وهم من سراة الريف ومن الارستقراطية المتنورة. وهو مالم يحدث مع آل ستيوارت في القرن السابع عشر إذ جمعوا بين الاستبداد والغطرسة مما أهاج البرلمان، ودفع البلاد في أتون حرب أهلية، وفتح الطريق لتأسيس جمهورية عسكرية سحقت الجميع وأسكتت الجميع حتى وصفها الفيلسوف البريطاني الأشهر برتراند رسل في ص 114 من الجزء الثالث من كتابه” تاريخ الفلسفة الغربية” ترجمة محمود الشنيطي بالقول” أن الجمهورية العسكرية ضربت عرض الحائط بالديمقراطية والحكم البرلماني وحلت البرلمان فلم ينبح كلب- يقصد لم يجرؤ عضو برلماني على أن يفتح فمه بكلمة اعتراض- لقد كانت حكومة استبدادية تزدري كافة الأشكال الدستورية لكن كان التخلص منها مستحيلاً ما دام أن أنصارها فقط- يقصد الجيش هم المسلحون”.
لقد أثبتت التجربة للإنجليز أن مقاومة الحق الإلهي للملوك أيسر وأسهل- على صعوبته- من مقاومة الحق الإلهي للعسكر، فلم يتخلصوا من طغيان مؤسس الجمهورية العسكرية الأولى والأخيرة أوليفر كرومويل إلا بوفاته، في حين كانوا قد وقفوا ضد آخر ملوك آل تيودور. الملكة اليزابيث 1533 – 1603م والتي كانت من الذكاء وذهبت تسترضي البرلمان وترجع عن بعض القرارات التي أهاجت مشاعر أعضاء مجلس العموم في خطبة شهيرة جاء فيها” إذا كان الله قد بوأني مكاناً علياً – تقصد الحق الإلهي للملك أي تحكم بإرادة الله وليس بإرادة الشعب- فإني رغم ذلك أرى جلال التاج في أنني قد مارست وظيفة الحكم بتأييد من محبتكم، ومن أجل ذلك لأ أرى السعادة في أن الله قد أقامني في الملك، ولكني أرى السعادة في أن الله أقامني ملكة على شعب عظيم شكور”. بهذه الروح الذكية جمع آل تيودور- في توازن- بين استبداد الحق الإلهي للملوك ومشاعر نواب البرلمان ومصالحهم.
كان جيمس الأول- حكم من 1603 حتى 1625م- هو أول الحكام من آل ستيوارت، عاش في صدام مع البرلمان، وأورث هذا الصدام لخلفائه من أنجاله، شارلز الأول 1600 – 1649 م الذي كان أول ملك أوروبي عظيم تنقطع رقبته بحكم ثورة شعبية وبتصويت برلماني عام 1649م، في هذه اللحظة عرفت أوروبا أن رقاب الملوك من الممكن قطعها، وأن الشعب يقدر على قطع رقاب الملوك، وفي هذه اللحظة أيضاً عرف ملوك أوربا المستبدون أن رقابهم وارد أن توضع تحت رحمات الشعوب، وحتى لو لم يكن مصيرها أن تقطع في مقصلة فإن عهود الراحة قد انتهت، وعهود المعاناة قد جاءت، وأن يقظة الشعوب قد دشنت تاريخاً جديداً، وأن الحكم بالحق الإلهي يهتز، وأن فكرة أن الله هو من يقيم الملوك ويوليهم تتعرض للامتحان، وأن فكرة أن الملك هو إرادة الله على الشعب فقدت جاذبيتها عند كثيرين من الناس.
كانت مطالب البرلمان واضحة: ألا يفرض الملك ضرائب إلا بعد موافقة البرلمان عليها، أن يتوقف الملك عن الحبس الاحتياطي والاعتقال التعسفي وإيداع الناس في السجون دون محاكمة لفترات غير محدودة، أن يتوقف الملك ومعه كبير الأساقفة عن فرض الطقوس والعقائد على المختلفين من المذاهب البروتستانتية الذين لا يتوافقون مع الكنيسة الرسمية، أن يتوقف الملك عن إفساد اقتصاد البلاد بمنح الاحتكارات التجارية للمقربين، وحق البرلمان في عزل الوزراء الذين يرى أن سياساتهم ضارة بالمصالح العامة ”، باختصار كانت مطالب البرلمان تدور حول الحريات السياسية، الحريات الدينية، الحريات الاقتصادية، وكلها تستلزم تقييد سلطة الملك.
ولكن جيمس الأول بدل أن يسترضي البرلمان ويتنازل عن شئ من قراراته ذهب في الاتجاه المعاكس وأعلن” أن امتيازات اللوردات في مجلس الشيوخ والنواب من أعضاء مجلس العموم ليست حقوقاً لهم لكنها منحة من الملك”، ثم أعلن” لأعضاء البرلمان التعبير عن ناخبيهم لكن ليس لهم دور في وضع السياسة العامة للدولة ولا في شؤون الكنيسة القومية”. كان ذلك عام 1621م حيث اندلع أطول صراع في تاريخ الإنسانية بين شعب يريد الحرية وملوك يقولون أنهم يحكمون بإرادة الله، استمر الصراع حتى مات جيمس الأول 1625م، وورثه عنه ابنه شارلز الأول حتى انفطعت رقبته 1649م.
ثم عاد الصراع من جديد- بعد عودة الملكية إثر وفاة كرمويل ونهاية الحمهورية العسكرية- مع الثالث من ملوك آل ستيوارت جيمس الثاني في الثورة المجيدة 1688م التي انتهت بهروب الملك، ونهاية حكم آل ستيوارت، وانتصار الديمقراطية الانجليزية الوليدة على الخطرين: خطر الحق الإلهي للملوك وخطر الحق الإلهي للعسكر.
وقد نشأ الحق الإلهي للعسكر مع نشأة الجيوش النظامية الدائمة القائمة مع حكم أوليفر كرمويل 1649 – 1658م، فعمدت بريطانيا ومن بعدها أوروبا، إلى تقييد الجيوش مثل تقييد الملوك بالدستور، فالملك يملك لكن لا يحكم، يملك ملكية رمزية دون أدنى تدخل فعلي في أي أمر من أمور الحكم فالحكم للشعب عبر البرلمان وليس للملك، أما الجيش فهو يحمي ولا يملك، ويحرس ولا يحكم، ويخضع لإرادة الأمة ولا تخضع له الأمة، مؤسسة حرب محترفة متخصصة منضبطة بالدستور والقانون لا تصنع السياسة ولا تدير الدولة ولا تتدخل في الاقتصاد، قلعة حماية لا قصر حكم، حصن حراسة لا جهة إدارة، جبهة قتال لا مدرسة سياسة، ثكنة تدريب للجنود لا مركز سيطرة على مقاليد الشعوب.
المؤرخ البريطاني هربرت فيشر في ص 295 من كتابه الذي تمت ترجمته في مصر تحت عنوان” أصول التاريخ الأوروبي الحديث: من النهضة الاوروبية إلى الثورة الفرنسية” يصف تجربة الحكم العسكري القصيرة في بريطانيا بالقول” مات الرجل العظيم – يقصد أوليفر كرومويل – وقد ترك خلفه أخلد ذكرى، وهي بغض الشعب الانجليزي للجيوش الدائمة باعتبارها عدواناً على الحريات المدنية”.
بقيت كلمتان:
1 – بريطانيا أنجزت ما أنجزت من تقييد نهائي لطغيان الملوك والعسكر معاً في القرن السابع عشر، وهي في ظروف ليست أفضل ظروف، كانت بلداً ريفياً تقليدياً، قبل أي شئ حديث، قبل الثورة الصناعية، وقبل التعليم النظامي الحديث، وقبل أن تكون قوة بحرية جبارة، وقبل الاستعمار، وقبل أن تكون الأولى في أوروبا، قبل أن تكون بريطانيا التي نعرفها الآن، كانت بريطانيا القرن السابع عشر مرتعاً للأمية والجهل وانتشار الفقر والسحر والدجل والشعوذة، لكن الذي ساعدها على أن تنجز ما أنجزت أمران: طبقة سياسية جادة، ذات منابت ريفية، مع استنارة بالآداب والفنون والعلوم، ومع الأهم هو الإحساس العميق بالمسئولية العامة، ثم الأمر الثاني هو انطلاق روح الابداع والابتكار والعلم والأدب والفلسفة، فبريطانيا القرن السابع عشر بدأت بفلاسفة من وزن التجريبي فرانسيس بيكون في أول القرن وإسحق نيوتن في نهايته وبينهما هرفي مكتشف الدورة الدموية 1624م وفي الفلسفة السياسية هوبز وجون لوك وفي الشعر جون ملتون. خلاصة القول: لم تكن بريطانيا في وضع مثالي، كانت في منطقة وسط بين روح الماضي وروح المستقبل، مشدودة للخلف بعناصر رجعية، ومنجذبة للأمام بفعل العناصر التقدمية الجريئة.
2- عندما حاولنا أن تكون لنا كلمة في شؤوننا- عند مطلع القرن التاسع عشر وعند خاتمته- كنا مسبوقين بقرنين، وعندما كررنا المحاولة في مطلع القرن العشرين كنا مسبوقين بثلاثة قرون، ولو فكرنا أن نحاول من جديد- بعد السنوات العشر القاتمات المظلمات 2013 – 2023م فسوف نكون مسبوقين بأربعة قرون، ولو بدأنا من الآن نضالاً دستورياً سلمياً مدنياً متواصلاً، دون انتظار انقلابات، ودون المراهنة على ثورات، فربما نكون عند نهاية هذا القرن الحادي والعشرين قد أنجزنا حكماً دستورياً، السيادة فيه للشعب، لا للحاكم الفرد المطلق القادم من الجيش برهبة الجيش وسطوة الجيش صريحةً كانت أم ضمنية. وإذا لم نتحرك، وإذا استسلمنا لحتمية الأوضاع الظالمة العمياء فسوف نكون مسبوقين بخمسة قرون عند مطلع القرن القادم، وهكذا نتحرك من ضعف إلى اضمحلال إلى انحلال.
السؤال: هل نحن جاهزون لنضال دستوري ممتد لا يتوقف حتى نظفر بكافة حقوقنا المدنية والسياسة والاقتصادية والاجتماعية؟
هل عندنا عناصر تقدمية جريئة تبادر بوثبات منتظمة نحو المستقبل؟ أم أن قوى الرجعية أثقل من أن يتم إزاحتها؟
الجواب: في مقال الأربعاء المقبل بمشيئة الله.