منذ عام 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتفاق بشأن ملء السد وتشغيله، إلا أن جولات طويلة من التفاوض بين الدول الثلاث، لم تثمر حتى الآن عن اتفاق. ومؤخرا، أعلنت إثيوبيا في أغسطس/آب الماضي الملء الرابع لسد النهضة، كأمر واقع. يتعين على مصر مواجهته بلا أي قدرة على التصرف، في ظل ما تصفه بـ”التعنت الإثيوبي” و”الخطوات الأحادية”.
على الجانب الآخر، تعتبر أديس أبابا، أنها بادرت بحسن النية، حين أطالت من الفترة الزمنية للملء، بحيث لا يؤثر على تدفق المياه لمصر. وقد أتى هذا الملء بعد لقاء جمع بين رئيس الوزراء الإثيوبي، والرئيس عبد الفتاح السيسي، في يوليو/تموز الماضي، واتفاقهما على استعادة مسار المفاوضات، إضافة لتطمينات إثيوبيا على مستوى القيادة، بتنفيذ الملء الرابع بجدولة “لا تضر بمصر”. وهي المفاوضات التي لم تتوصل إلى أي نتائج خلال جولتها الأولى بالقاهرة، والجولة الثانية بأديس أبابا.
وفي مسعى لفهم أفضل للوضع الحالي من الناحية التقنية، حاور “مصر 360” الباحثة عبير يوسف، وهي حاصلة على الدكتوراه، من جامعة فيكتوريا بنيوزيلندا، في إدارة المخاطر التي تهدد إمدادات المياه في مصر بسبب؛ سد النهضة، والنزاع المصري الإثيوبي على نهر النيل، وإيجاد حلول لقضية المياه.
وإلى نص الحوار:
أولا: في الملء الرابع، احتجزت إثيوبيا إجمالي نحو 41 مليار متر مكعب من المياه، منها حوالي 24 مليار متر مكعب في الفترة ما بين يوليو، وأغسطس، والأيام الثمانية الأولى من سبتمبر، لذلك توقع الخبراء المصريون، أن تفقد مصر ما يقرب من 12 مليار متر مكعب من المياه في هذه المرحلة. فيما قال خبراء إثيوبيون، إن التعبئة استفادت من هطول كميات كبيرة من الأمطار، وأنه تمت جدولتها، حتى لا تتعرض مصر لأي ضرر. بين هذين الرأيين، كيف تنظرين إلى الملء الرابع وما تأثيراته الفعلية على المياه في مصر بالمستقبل القريب؟
قبل التطرق إلى ذلك، نحن بحاجة لإيضاح بعض التفاصيل: يبلغ ارتفاع هذا السد حوالي 175 مترًا، وطوله 2 كيلومترًا. يمكن أن يحتوي خزانه على أكثر من 74 مليار متر مكعب من الماء.
حوالي 86% من مياه النيل التي تصل أسوان على الحدود الجنوبية لمصر، تنبع من الهضبة الإثيوبية، منها 62% من النيل الأزرق، والباقي من نهري تكيز/عطبرة، وأنهار بارو وأكوبو والسوباط. أما الـ14% المتبقية، فيتم توفيرها من النيل الأبيض.
ومن الممكن، أن ترتفع المساهمة الإثيوبية في تدفق نهر النيل إلى 95%، خلال موسم الأمطار الصيفية الغزيرة من يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول). لذا، بافتراض أن إثيوبيا خفضت إجمالي حوالي 25 مليار متر مكعب هذا الموسم، ووفقًا للمعاهدة المصرية السودانية لعام 1959، يتم تقسيم التدفق السنوي لنهر النيل بنسبة 1:3 بين مصر والسودان، فقد فقدنا أكثر من 12مليار متر مكعب (مع مراعاة التبخر).
ويرى خبراء إثيوبيون، أن الملء استفاد من كمية كبيرة من الأمطار، وهو ما قد يكون صحيحًا. ولكن نحن، العلماء والخبراء، نعمل جميعًا في ظل توافر بيانات محدود للغاية. إلا أن تلك الأمطار لن تكون كافية؛ لتجنب التأثيرات السلبية.
وتتمثل التأثيرات الفعلية على المياه بمصر في:
– من ناحية، هناك بعض الآثار الجانبية الإيجابية المتوقعة للسد على مصر، مثل: تقليل الترسيب، وانتظام التدفق، والحد الأدنى من التأثير على توليد الطاقة الكهرومائية من السد، والحفاظ على المياه فقط في حالة اتفاق الدول الثلاث على التعاون.
ومن ناحية أخرى، هناك مخاطر سلبية متوقعة لبناء، وتشغيل سد النهضة على مصر على المدى القصير، والطويل. التأثيرات قصيرة المدى، هي التأثيرات خلال فترة ملء خزان سد النهضة. تم أخذ المياه مباشرة من تدفق نهر النيل، مما أدى إلى تقليل كمية المياه التي تصل إلى مصر (يركز معظم الناس على هذه التأثيرات). وهذا بدوره سيؤدي إلى انخفاض الأراضي المزروعة، ومشاكل تتعلق بالري ومحطات المياه والملاحة.أما التأثيرات طويلة المدى هي التأثيرات البيئية، مثل زيادة فاقد التبخر بحوالي 5.9%، جودة المياه، والتي بدورها ستؤثر على كفاءة محطات الضخ (وهذا سيؤثر أيضًا على المظهر السطحي للمياه)، وسوف تزداد ملوحة التربة في الجزء الشمالي من الدلتا.
مما يؤدي في النهاية إلى انهيار الترع والمصارف، وزعزعة الاستقرار البيئي في شمال مصر. وستؤدي زيادة الملوحة إلى زيادة تكاليف توفير مياه الشرب، وتقليل الأراضي المزروعة المتاحة. وقد يصبح اعتماد بدائل غير مرغوب فيها عالية التكلفة مثل، معالجة مياه الصرف الصحي، ومحطات تحلية مياه البحر ضروريًا، مما يزيد من معدل التكلفة.
بينما سيؤثر سد النهضة على العديد من القطاعات، فإن قطاع الزراعة هو القطاع الأكثر تأثرًا بسبب، الانخفاض المتوقع في الأراضي المصرية الصالحة للزراعة. إذ تستهلك الأنشطة الزراعية نحو 70% من حصة مصر من مياه النيل.
ثانيًا: يبدو أن السودان تأثر بشكل مباشر بالملء الرابع، حيث حدث جفاف في بعض المناطق، وتأثرت بعض السدود، لماذا حدث ذلك؟ وهل من المتوقع أن تواجه مصر أمرًا مماثلاً؟
لا يستطيع أحد الآن، أن يجزم بالضبط بالضرر الذي حدث في السودان أو حتى في مصر.
ما زال الوقت مبكراً جداً. العديد من الصور المنشورة مزيفة. ولم يعلن السودان عن أي شيء رسميًا.
ولا، ليس من المتوقع أن تواجه مصر أمرًا مماثلاً.
ثالثًا: قالت إثيوبيا في بيانها الرسمي إنها أنجزت “الملء الرابع والأخير”. ماذا تعني كلمة “الأخير”، خاصة أنه تحتاج إلى ملء إضافي، حتى تعمل توربينات السد؟ فهل يعني ذلك، أنها ستتوقف حتى يتم التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان؟
تقصد إثيوبيا، أن هذا هو الملء النهائي في هذه المرحلة. إنهم بحاجة للبدء في توليد الكهرباء. وسوف تخدم الكهرباء المولدة الطلب الإثيوبي وطلب التصدير.
لذا، عليهم، أن يبدأوا في أسرع وقت ممكن. هناك مناطق سدود مختلفة، قسم الفائض (مفيض متدرج) وقسم عدم الفائض.
لا أريد أن أزعجك بكل التفاصيل الفنية والهندسية، لكني أرفقت عرض المخطط العام للسد الرئيسي الذي نشره الاستشاري الإيطالي ستوديو بيترانجيلي، المصمم والمزود الرئيسي للخدمات الهندسية والاستشارية.
لذا، فإن الهدف الرئيسي لا يزال هو الوصول إلى 75 مليار متر مكعب، كما هو مخطط له.
رابعًا: بدون اتفاق ينظم عمليتي الملء والتشغيل، سيؤدي السد، بحسب خبراء، إلى خسارة مصر نحو ربع حصتها المائية السنوية مستقبلاً. هل تعتقدين، أن هذه الأرقام دقيقة، وأن مصر يمكن أن تفقد هذا الحجم من المياه بالفعل؟ وعليه، ما هي التأثيرات المحتملة لذلك،؟ سواء على مستوى مياه الشرب أو الزراعة؟
لا، مصر لن تخسر في المستقبل نحو ربع حصتها السنوية من المياه.
أعلنت إثيوبيا، أن الغرض الرئيسي من سد النهضة هو توليد الطاقة الكهرومائية، وليس لديهم أي نية لاستخدام هذا السد لأغراض الري. لذا سوف تظل المياه تتدفق من أجل إدارة التوربينات.
أي أنهم بحاجة إلى تدفق المياه، ولا يريدون تخزينها بعد ملء الخزان بالكامل.
مجددًا، أعتقد أنهم لن يستخدموا هذا السد للري حقًا. إذ يمكن وصف وصول إثيوبيا إلى الموارد المائية بأنه “سخي”، مع وجود العديد من الأنهار الرئيسية، والبحيرات والمياه الجوفية، وهطول الأمطار السنوي المرتفع.
يوفر اثنا عشر حوضًا رئيسيًا نحو 124.4 مليار متر مكعب من المياه سنويًا. وتساهم 12 بحيرة كبيرة بنحو 70 مليار متر مكعب من المياه، في حين تشكل موارد المياه الجوفية 30 مليار متر مكعب.
وتنقسم الأحواض الرئيسية الـ 12 إلى 8 أحواض أنهار، و3 أحواض جافة، دون تدفق كبير، وحوض بحيرة واحد. لذا، فهم لا يحتاجون حقًا إلى نهر النيل للري.
مع ذلك، وبسبب التعبئة؛ فالتأثير الأهم هو زراعي، فمن المتوقع فقدان 29.47% من الأراضي الزراعية في صعيد مصر و23.03% من أراضي الدلتا بسبب؛ انخفاض المياه وتسلل الملوحة، خلال السنوات القليلة المقبلة.