لقاءات مكثفة ونشاط واسع على صعيد كبار المسئولين في مصر وإيران، ففي غضون أسبوع واحد التقى وزير الخارجية سامح شكري، بنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في لقاء موسع، قالت عنه الخارجية الإيرانية، إنه يمثل فتح آفاق جديدة؛ لاستعادة العلاقات بين البلدين، كما التقى أيضا وزير المالية المصري محمد معيط، في لقاء، هو الأول من نوعه مع نظيره الإيراني إحسان خاندوري، في مدينة شرم الشيخ على هامش الاجتماعات السنوية للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية، وسط حديث مختلف هذه المرة على المستوى الرسمي بشأن؛ إجراءات على صعيد إقامة علاقات بين الجانبين خلال الفترة المقبلة.

خارطة طريق

وفي أحدث تعليق له على المحادثات بين البلدين وصف وزير الخارجية الإيراني في مقابلة مع وكالة ” إرنا” الإيرانية محادثاته مع شكري بـ “المفيدة” ، قائلا”: نعتقد أن تحسين العلاقات بين إيران والقاهرة لن يفيد البلدين والأمتين فحسب، بل سيفيد المنطقة والعالم الإسلامي أيضا، وقد أعلنا استعداد طهران؛ لتعزيز العلاقات بين البلدين إيران ومصر، وفي هذا السياق، سمعنا تقييما إيجابيا من وزير الخارجية المصري، ونحن نتفق على اتخاذ خطوات مشتركة في المستقبل في هذا الصدد”.

وردا على سؤال حول متى سيتم اتخاذ خطوات مشتركة بين مصر وإيران في المستقبل؟ أوضح عبد اللهيان: ” أنه في الأيام المقبلة، وفي إطار الاتفاق الذي توصلنا إليه في نيويورك، سيتم التوصل إلى توافق بيننا بشأن؛ خارطة الطريق حول كيفية تحسين العلاقات بين الجانبين”.

الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، كان قد أكد في وقت سابق، إن “مصر أعربت عن رغبتها في استئناف العلاقات مع إيران”، فيما أكد المرشد الإيراني، علي خامنئي، خلال لقاء جمعه الشهر الماضي، بسلطان عمان هيثم بن طارق الذي ترعى بلاده وساطة بين القاهرة وطهران، أن بلاده ترحب باستعداد مصر؛ لاستئناف العلاقات مع طهران.

وفي نهاية مايو الماضي، وجه الرئيس الإيراني وزارة الخارجية، باتخاذ “الإجراءات اللازمة”؛ لتعزيز العلاقات مع مصر، بحسب وكالة “تسنيم” الإيرانية.

وقالت الخارجية الإيرانية حينها، إن “الحكومة مستعدة؛ لتطوير العلاقات مع مصر، وأن رئيس الجمهورية أوعز لوزارة الخارجية باتخاذ الإجراءات اللازمة، عقب تصريحات للمرشد علي خامنئي، أعرب خلالها عن ترحيبه باستئناف العلاقات الدبلوماسية مع مصر.

مستوى جديد من العلاقات

وبموازاة اللقاءات والمحادثات الدبلوماسية، وتلك الأمنية التي سبق، واستضافتها العاصمة العراقية بغداد في إطار وساطة تقوم بها الحكومة العراقية بين القاهرة وطهران، شهدت مدينة شرم الشيخ المصرية لقاء، هو الأول من نوعه بين وزير المالية المصرية محمد معيط، ونظيره الإيراني إحسان خاندوري.

اللقاء الذي جاء على هامش الاجتماعات السنوية للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية، حمل دلالات ورسائل في أكثر من اتجاه، ربما تكون أبرزها، موجهة لأطراف خليجية، تباطأت مؤخرا  عن تقديم يد العون الاقتصادية للقاهرة، التي تعاني من أزمة سيولة في النقد الأجنبي، وأزمة اقتصادية حادة، دفعتها لإرجاء مراجعتين لصندوق النقد الدولي، ما أجّل معه حصول مصر على دفعة ثانية من القرض الذي حصلت عليه في وقت سابق من الصندوق بقيمة ثلاثة مليارات دولار، في وقت تحدثت فيه تقارير دولية عن ربط صناديق سيادية خليجية إتمام اتفاق؛ للاستحواذ على حصص مملوكة للحكومة المصرية في عدد من الشركات والمصانع، بتنفيذ القاهرة قرارات اقتصادية صعبة في مقدمتها تحرير سعر العملة.

عقب اللقاء، أكد معيط، أنه بحث فى مع إحسان خاندوري مقترحات؛ لتطوير علاقات التعاون الاقتصادى مع إيران، على نحو يسهم في تعظيم جذب المزيد من الاستثمارات إلى مصر، لافتًا إلى وجود اهتمام متبادل؛ لتطوير المشروعات المشتركة القائمة بالفعل بين البلدين في مصر، خاصة قطاع النقل البحري، وقطاع صناعة المنسوجات، بما يتسق مع توجهات الدولة لتوطين الصناعة.

من جانبه قال خاندوري، إنه اتفق مع وزير المالية المصري، على زيادة رأسمال بنك مصر إيران للتنمية “قريبا”، مضيفا إلى أنه اتفق أيضا على تشكيل لجنة للمشروعات المشتركة، معبرا عن أمله في أن يسهم الاجتماع في إحياء التعاون، والدبلوماسية الاقتصادية بين البلدين.

اللقاء بين معيط وخاندوري، كان قد سبقه تصريحات صادرة عن حرمة الله رفيعي،  رئيس جمعية خدمات السفر، والسياحة الإيرانية للطيران، لوكالة “إرنا”، كشف خلالها توقيع مذكرة تفاهم مع نشطاء السياحة في القاهرة؛ لتسهيل سفر المواطنين الإيرانيين إلى جميع المحافظات المصرية، وليس مدينة شرم الشيخ فقط، بدءا من أكتوبر المقبل .

وبموازاة ذلك، كشف مسئول إيراني آخر عن إجراء مفاوضات مع مصر والسعودية بشأن؛ تسيير رحلات جوية مع البلدين

وقال رئيس منظمة الطيران المدني في إيران، محمد محمدي بخش، في مقابلة مع وكالة “إرنا” الإيرانية، إن “تسيير رحلات جوية مباشرة مع مصر، يتطلب توقيع اتفاقية بين منظمات الطيران لدى الجانبين، والحصول على موافقة التراخيص، ليتم بعدها تسيير الرحلات الثنائية، أو ذات الاتجاه الواحد من كلا الجانبين”.

عودة قريبة؟

من جانبه قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، رخا أحمد حسن، إن مسار التفاهمات بين مصر وإيران، يسير في الاتجاه الصحيح ، مضيفا “أن اللقاءات التي تتم بين الوزراء من البلدين، والمحادثات تشير إلى أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قد تعود قريبا”.

وأوضح مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن اللقاء الذي جمع بين وزير المالية المصري محمد معيط، ووزير الاقتصاد الإيراني إحسان خاندوري، يشير إلى رفع مستوى التقارب والتنسيق.

ربما يكون عدم الإسراع في مسار التقارب في العلاقات بين القاهرة وطهران، مرجعه أن القرار ليس في أيدي أطرافه، بشكل كامل، وذلك لأسباب عدة يأتي من بينها، توظيف كل من مصر وإيران هذا المسار في أوقات كثيرة كورقة لعب، يتم استخدامها على طاولة المفاوضات، وفي الغرف المغلقة بشأن؛ ملفات الإقليم من أجل؛ تحقيق مكاسب تارة، وتارة أخرى، لتخفيف الضغوط على صانعي القرار في البلدين.

من بين الأسباب أيضا، تشابك مسار العلاقات بين القاهرة وإيران، بالقوى الإقليمية المختلفة من جهة، ومن جهة أخرى تشابكه مع مساهمة كل من القاهرة وطهران في القضايا الإقليمية والدولية.

على سبيل المثال لا الحصر، تثير التطورات المتعلقة بمسار التقارب بين القاهرة وطهران، مخاوف إسرائيل، حيث قال الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي تامير باردو في مؤتمر “هرتسليا”، للأمن قبل أشهر، إن التقارب بين إيران ودول المنطقة، خاصة السعودية ومصر، يهدد أمن ومصالح إسرائيل.

بدوره، حذر زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد الحكومة الإسرائيلية من أي تقارب بين مصر وإيران، خاصة في المرحلة الحالية التي تواجه فيها إسرائيل الكثير من التحديات الأمنية.

على الضفة الأخرى، ربما تتعامل طهران مع الأمر بمنطق كفتي الميزان، تميل بينهما من أجل إحداث نوع من التوازن في ظل تواجدها طرف فاعل في الكثير من الأزمات الإقليمية، والتي من بينها الأزمة اليمنية، وسوريا، بخلاف الاتفاق المعطَل للعودة للاتفاق النووي مع واشنطن، في ظل تنامي المخاوف من قرب امتلاكها سلاحا نوويا، بما قد يغير خريطة التوازنات بالمنطقة.

في الخلاصة، يمكن القول، أن مصر أيضا، ربما تكون وجدت ضالتها في الملف الإيراني في هذا التوقيت الذي تتسارع فيه خطوات التطبيع بين السعودية وإسرائيل، في وقت يعد فيه الملف الفلسطيني الملف الأبرز في دوائر النفوذ المصري بالمنطقة، بحكم التاريخ والجغرافيا، ما يعني أن اتخاذ خطوة مصرية، نحو إيران، ربما يحمل رسالة لكل من تل أبيب والرياض، بشأن الدفاع عن مساحات النفوذ التاريخية.