أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات عن موعد إجراء انتخابات الرئاسة من 1إلى 3 ديسمبر من هذا العام، بالنسبة للمصريين المقيمين في الخارج، ومن 10 إلى 12 ديسمبر بالنسبة للمصريين في الداخل، على أن تعلن نتيجة الانتخابات في 18 من نفس الشهر.
وقد أُنشئت الهيئة الوطنية للانتخابات إعمالا للمادة 208 من دستور 2014، التي نصت على إنشاء هيئة مستقلة، “تختص، دون غيرها بإدارة الاستفتاءات، والانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية، بدءا من إعداد قاعدة بيانات الناخبين وتحديثها، واقتراح تقسيم الدوائر، وتحديد ضوابط الدعاية والتمويل، والإنفاق الانتخابي، والإعلان عنه، والرقابة عليها، وتيسير إجراءات تصويت المصريين المقيمين في الخارج، وغير ذلك من الإجراءات حتى إعلان النتيجة. وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون”.
وقد نصت المادة 209 من الدستور على تشكيل مجلس إدارة الهيئة من عشرة أعضاء، من القضاء والجهات والهيئات القضائية في مصر، وأن يتم اختيارهم بموجب ندبهم من هذه الجهات والهيئات القضائية، (دون تدخل من السلطة التنفيذية)، وأن يترأس هذه الهيئة أقدم أعضائها من محكمة النقض.
وقد أوجبت المادة 210 من الدستور، أن يتم الاقتراع، والفرز في الانتخابات، والاستفتاءات التي تجرى في السنوات العشر التالية لتاريخ العمل بدستور 2014 (أي حتى 2024)، تحت إشراف كامل من أعضاء الجهات والهيئات القضائية، وهو ما جعل كثيرين، يعتبرون، أن إجراء الانتخابات قبل نهاية هذا العام يرجع لهذا النص الدستوري، حيث ظل هناك حرص على وجود إشراف قضائي كامل، وهو ما لن يكون متاحا في العام المقبل بسبب؛ نهاية مدة العشر سنوات المنصوص عليها دستوريا.
وقد فتح الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية الجدل حول ثلاثة عناوين رئيسية مصاحبة لهذه الانتخابات، بعضها تكرر في معظم الانتخابات الرئاسية التي جرت في مصر باستثناء انتخابات 2012.
العنوان الأول، تطرحه بعض القوي السياسية، وقطاع من الرأي العام، يتعلق بجدوى المشاركة في انتخابات معروف نتائجها مسبقا “من الكنترول”، وأن الرئيس السيسي سيفوز بولاية جديدة، وأن النظام السياسي الحالي غير مصمم على قبول أي تداول للسلطة عبر الانتخابات، وبالتالي يتبنى هؤلاء مقاطعة الانتخابات، ويطالبون بعدم المشاركة فيها.
أما العنوان الثاني، المرتبط بالأول، فيتعلق بقضية المقاطعة أو المشاركة في الانتخابات، والحقيقة إن المقاطعة في مصر كانت بالأساس مقاطعة “سلبية”، أي ترجع لإرث قديم في الثقافة السياسية، يرى أن الانتخابات “لن تغير شيئا” وأن الدولة ستُنجِح من تريده، سواء في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، وإنه حتى في الفترة شبه الليبرالية، حكم حزب الوفد أي الحزب الشعبي الأول 7 سنوات غير متصلة من الفترة من 1919 حتى 1952، وكانت أجهزة الدولة في طبعتها الملكية تختار من يحكم في باقي الفترات، ولو على غير إرادة الشعب.
إن موقف المقاطعة في مصر هو نتاج إرث سلبي، اعتبر فيه الناس، أن الانتخابات ليست هي طريق التغيير، وأن دعاوى المقاطعة التي رفعتها بعض القوى، والتيارات السياسية في كثير من الانتخابات التشريعية والرئاسية، منذ إعلان الرئيس السادات تجربة التعددية المقيدة في 1976، واعتبرها البعض وسيلة ضغط على الحكم من أجل توسيع الهامش الديمقراطي، وتعزيز المشاركة السياسية، كانت حصيلتها عدم إضعاف النظام القائم، وعدم تقوية المعارضة، لأنها جاءت معتمده على إرث المقاطعة السلبية الذي لم تصنعه القوى السياسية، والحزبية المعارضة، وظل الناس مقاطعين بالفطرة باستثناء الاستحقاقين الانتخابيين اللذين شهدتهما البلاد عقب ثورة يناير.
أما العنوان الثالث، فيتعلق بمعادلة الانتخاب أو بمعنى آخر على أي معيار، سيصوت الناس لأي من المرشحين؟ فيقينا هناك كتلة “بقايا المؤيدين” الذين لا زالوا يعتبرون، أن الرئيس السيسي يجب أن يستمر لمدة ثالثة؛ لاستكمال مشاريعه التي بدأها، ويعتبروه حجر عثرة في وجه قوى التطرف والإرهاب، وهؤلاء الذين كانت لهم الغلبة في انتخابات 2014، أصبحوا حاليا أقلية، أما المعارضون فهؤلاء بالتأكيد، لن يصوتوا على أساس برامج المرشحين، فيختارون برنامجا يساريا في مواجهه آخر يميني، إنما سيختارون على أساس “المصداقية”، وسيميلون لاختيار المرشح القادم من خارج منظومة التكليفات، والتفاهمات الحالية، وهو حتى اللحظة مرشح واحد، لا زال يواجه صعوبات في استكمال التوكيلات المطلوبة.
يقينا هذه الانتخابات، تختلف عن انتخابات 2012 التعددية، ولكنها تختلف أيضا عن انتخابات 2005، التي فاز بها مبارك في مواجهة الراحل نعمان جمعة، رئيس حزب الوفد الأسبق، وأيمن نور رئيس حزب الغد في وقتها، وكان التصويت بين مرشح الدولة الضامن مسبقا للنجاح أي الرئيس مبارك، في مواجهه مرشحين معارضين، وتكرر نفس الأمر بصورة مختلفة في انتخابات 2014، فاختار الناس في غالبيتهم الساحقة الرئيس السيسي في مواجهة مرشح معارض، وهو حمدين صباحي الذي حصل على حوالي 4% من الأصوات، ولا يمكن حساب مرشح النصف ساعة الأخيرة في انتخابات 2018، ضمن أي نوعية من المرشحين.
أما هذه الانتخابات، فإن الاختيار لن يكون على ضوء مرشح معارض في مواجهة مرشح الدولة، إنما بالأساس بين مرشحين معارضين، ومؤيدين من داخل المنظومة التي هندست الانتخابات، وبين أي مرشح يقف خارجها، وهو تحول لم نعرفه في مصر من قبل، حيث كانت ثنائية المؤيدين والمعارضين هي الحاكمة، والآن أصبحت بين منظومة هندسة المجال السياسي، وأي محاولات للخروج منها.