يعتبر الحق في المشاركة السياسية أهم الحقوق المرتبطة في المجال العام، لكونه يشمل الحق بالترشح والانتخاب، وحق تقلد الوظائف العامة، وهو بقول مغاير مساهمة المواطنين في النظام السياسي، وبلغة علمية فقد عرفها صاموئيل هنتنجتون، بأنها تعني ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون، بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي، سواء كان نشاطاً فردياً أم جماعياً منظما أو عفويا، متواصلاً أم منقطعاً، وهو شكل مهم من أشكال الممارسة السياسية، تتعلق ببنية النظام السياسي، وآليات عمله، ومن زاوية مغايرة، فإن المشاركة السياسية تُعد من المؤشرات الدالة على مدى نضج المجتمع، بما يتيحه من فرص للانخراط في نشاطات الحياة العامة، وممارسة الحقوق المدنية والسياسية المكفولة دستورياً وحقوقياً.
وإذا كانت المشاركة السياسية تتوزع في غالبية أشكال الحياة العامة، فإنها تتأثر بالبيئة الموجود فيها المشاركون، بما يعني أن للأنظمة السياسية دورها البارز في السماح، أو الحفاظ على ذلك الحق، ومدى توافره بشكل أو بآخر.
وإن كان الغالب الأعم في النظم السياسية العالمية قد ارتضى بالنموذج الديمقراطي، فإن المشاركة السياسية والعامة هي مفرد رئيسي؛ لتعزيز نسق الحكم الديمقراطي، وسيادة القانون، وقد أفردت الدساتير العالمية النصوص الراسخة؛ لتأكيد هذه المجموعة من الحقوق، كما كفلتها، وأيدتها الاتفاقيات الحقوقية الدولية والإقليمية، وقد خصصت الأمم المتحدة برناماجاً رئيسياً ضمن برامجها للديمقراطية والمشاركة السياسية.
وإذ أن المجتمع المصري بات على بعد خطوات قليلة، تفصله عن الاستحقاق الانتخابي لرئاسة الجمهورية، وذلك بعد أن أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات عن المواعيد المقررة للترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، وكافة المواعيد التنظيمية المرتبطة، حتى إتمام عملية انتخاب رئيس لجمهورية مصر العربية لمدة رئاسية جديدة، وفق أخر مستحدثات دستورية متعلقة بانتخابات رئاسة الجمهورية.
ووفق لما تتناوله المواقع والقنوات والصحف، فإن هناك بعض المرشحين؛ لخوض ذلك السباق الرئاسي، ولكن أهم ما تناولته تلك المواقع، ما جاء على موقع سبوتنيك بتاريخ 4 سبتمبر الحالي، والذي أفرد قولا للدكتورة نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، من أن ” جميع من أعلنوا رغبتهم في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة ليسوا منافسين حقيقيين، وربما تعزي ذلك إلى النظام الانتخابي الذي يتطلب المزيد من الجهد في جمع التوكيلات من المؤيدين على مستوى محافظات الجمهورية، وذلك بحسب النظام القانوني للترشح لخوض الانتخابات.
ولكني هنا أود، أن أبعد قليلا عن المسميات أو النقاش الأكاديمي أو الفقهي، ولكن أوجه النظر إلى ما يجب، أن يكون الوضع الفعلي، بما يضمن إجراء انتخابات تمثل معنى لمضمون الديمقراطية في المجتمع المصري، وهو الأمر الذي يتطلب أن تقف السلطة موقف الحارس الأمين لجميع مسارات العملية الانتخابية بداية من لحظة فتح الباب، أو جمع التوكيلات اللازمة لذلك، ولا تميل حتى لمرشح السلطة، وهو الرئيس الحالي.
وإن كان هناك بعض المعايير الإجرائية اللازم الحرص عليها، والتي تعد المؤشر الحقيقي لمدى نجاح التجارب الديمقراطية في أي مجتمع، أو أي نظام سياسي يتخذ من الديمقراطي سبيلاً للحكم، أو نموذجا للحياة السياسية، وهو الأمر الذي يضع النظام السياسي القائم على الآلية الانتخابية في وضع تقتضيه المرحلة الانتخابية، بما لها من مواصفات، وبما تتطلبه من فاعليات، أو تنهى عنه من تجاوزات.
وأهم ما في الأمر، هو العدالة في التعامل مع المرشحين، وخصوصاً في مرحلة الدعاية الانتخابية، بما يضمن أن يقف جميع المرشحين على قدم المساواة، وخصوصا عبر القنوات الرسمية والمواقع الرئيسية، كما أن الأمر يتطلب أيضا من النظام القائم، عدم استخدام صلاحياته وإمكانياته؛ لدعم مرشح على حسب باقي المرشحين.
فهناك العديد من الدول في المجتمعات التي تتخذ فقط من الشكل الديمقراطي نموذجا، دونما الحفاظ على آليات الديمقراطية الحقيقية، بأن تستخدم كافة إمكانيات الدولة، وتسخرها لمرشح تدعمه أو ترغب في اختياره، بأن تقدم بعض التسهيلات للمواطنين، أو تزيد من بعض الفرص المتاحة، أو تقدم علاوات أو منحا استثنائية، قد توحي لبعض الوقت بوجود رفاهية معينة، أو تستخدم النشاطات التي قامت بها السلطة حال كونها قائمة على تسيير حال البلاد، بأنها نموذج دعائي لمرشح من المرشحين.
وإذا ما انتهينا من المرحلة الأولى، وتجد أيام الانتخابات؛ فيجب السماح بالرقابة الشعبية، أو الرقابة الدولية، على حسب، ما تقوم به بعض النظم السياسية في بعض البلدان، بما يضمن وجود شفافية، وقد تلجأ النظم السياسية للسماح للمنظمات الحقوقية، ومؤسسات العمل الأهلي بالتواجد للمراقبة على أعمال الانتخابات، ورصد المخالفات الانتخابية، لكن هناك العديد من النظم التي لا تسمح، سوى للمؤسسات الداعمة لمرشحيها، أو تلك التي لا تقدم سوى نشاط ،يتماهى مع ما ترتضيه السلطة، وهذا النموذج قد يوحي بوجود رقابة، ولكنها فقط من الناحية الشكلية، كما يجب أن تمتد تلك الرقابة منذ انطلاق الفاعليات الانتخابية، وحتى تمام عمية الفرز وإعلان النتيجية.
وحيث أن النظام الحالي المصري ما زال يخضع للرقابة القضائية على أعمال الانتخابات، وهو الأمر الذي يجب أن يكون مضيفا لهذه الانتخابات مزيدا من الشفافية، والطمأنينة لدى المواطنين، لما هو مفترض في الهيئة القضائية من نزاهة، وحيادية بحسب كونها سلطة مستقلة، وبحسب كونها قائمة على أمر وشؤون العدالة في مصر.
كما أنه من الموجبات في أمر الانتخابات بشكل رئيس، وفاعل، ضمان أن ينتخب الناخبون بحرية، دونما تأثير لصالح أحد ضد الآخر، وهو ما يجعل من الانتخابات سباقا حقيقيا، وليس نموذجا شكليا محسوم النتيجة مسبقاً.
وإذا ما أخذنا من تلك الخطوات، أو الضمانات نموذجا لما يجب أن تكون عليه العملية الانتخابية الرئاسية، فإنني أزعم، بأننا سوف نرى معتركا ديمقراطيا حقيقيا، وإلا فليس إلا النموذج الشكلي المفرغ من المضمون لقاعدة الديمقراطية هي نموذج الحكم، بما ترتضيه سيادة القانون ويتفق، وخضوع الدولة للقانون.
ولي أمل في أن أرى في وطني، كل ما هو ناجح، وكل ما هو معبر عن المشاركة الحقيقية في الحياة السياسية، بما يضمن تقدماً في النظام السياسي.