يواجه الاقتصاد الأمريكي حاليًا، شبح أزمة، بعد فشل الكونجرس في تمرير تشريع جديد للإنفاق الحكومي، يتضمن 12 مشروعًا في السنة المالية الجديدة التي تبدأ أول أكتوبر المقبل.
ستصل الأزمة إلى محطة إغلاق حكومي، إذا ما استمرت المواجهات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وفشلهما في التوصل إلى حلول للقضايا الخلافية في الموازنة.
يضغط الحزب الجمهوري من أجل؛ تخفيض الإنفاق في ميزانية السنة المالية الجديدة، وهذا يخصم من مخصصات برامج التعليم، وحماية البيئة والصحة.
ويأتي ذلك في مواجهة مطالب الديمقراطيين؛ بزيادة الإنفاق الاجتماعي، وأيضا زيادة الضرائب على الأثرياء.
سياقات المواجهة
ضمن الحملة الانتخابية الرئاسية، قال الرئيس جو بايدن، خلال يونيو، فى تجمع يضم نقابيين، جاء الوقت؛ ليدفع الأغنياء حصتهم العادلة من الضرائب.
هذه التطورات تأتي وسط استمرار العمال النقابيين في إضرابهم، ضد شركات تصنيع السيارات، من أجل توقيع اتفاقيات عمل جماعية جديدة مدتها أربع سنوات، تنضمن زيادات للأجور، وإعادة تقديم غلاء المعيشة، وإلغاء الازدواجية في تقييمات العمل.
وفي مشهد غير مسبوق، انضم جو بايدن إلى إضراب عمال السيارات في ميشيجان، تأييدا لمطالبهم، وخلال كلمته استذكر بايدن تضحيات أعضاء نقابة “عمال السيارات المتحدين” التي قدموها من أجل؛ “إنقاذ القطاع” إبان أزمة 2008.
نتائج وتكاليف الإغلاق
يسيطر الجمهوريون على مجلس النواب، والديمقراطيون يستحوذون على مجلس الشيوخ والبيت الأبيض.
وحال عدم التوصل لاتفاق، سيتم منح 900 ألف عامل بالحكومة إجازة، مع وقف نفقات الحكومة في غالبية المجالات، حسبما قدرت نانسي فاندن هوتن، كبيرة الاقتصاديين الأمريكيين في أكسفورد إيكونوميكس.
قبل 10 سنوات، حينما تم إغلاق الحكومة الأمريكية، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من عام 2013، بنسبة 0.3 نقطة مئوية حسب تقديرات مكتب الإدارة والميزانية عام 2014.
لكن الإغلاق الأبرز كان في 2018، حينما تم تعطيل الحكومة 34 يومًا، خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وتكلف اقتصاد البلاد 11 مليار دولار، وفقًا لمكتب الميزانية غير الحزبي بالكونجرس.
نيل برادلي، نائب الرئيس التنفيذى لغرفة التجارة الأمريكية بواشنطن، يتوقع فى مذكرة تم تعميميها إلى أعضاء غرفته،أن يكون الإغلاق الحكومي الأمريكي طويل الأمد، مع عدم وجود مسار واضح؛ لإعادة فتح الحكومة.
الإغلاق الـ 14 في التاريخ الأمريكي.. خسائر كبيرة
يخشى الاقتصاديون الأمريكيون، أن يؤدي الإغلاق الـ 14 تاريخيًا إلى خفض وكالات التصنيف الائتماني، وتصنيف الولايات المتحدة بشكل أكبر، مما يتسبب في فقدان المستثمرين الثقة في استعداد الحكومة لسداد ديونها.
ويدفع ذلك عمليات بيع في السندات من شأنها، أن تؤدي إلى ارتفاع الفائدة على أي طرح جديد.
وقالت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني، إنّ إغلاق الحكومة الأمريكية سيضر بتصنيفها السيادي، بعد شهر واحد من تخفيض وكالة التصنيف “فيتش”، التصنيف الائتماني الأعلى للحكومة الأمريكية إلى “AA+” من “AAA”.
يأتي ذلك بسبب التدهور المالي على مدى 3 سنوات، ومفاوضات الحد الأقصى للديون المتكررة، التي تهدد قدرة الحكومة على سداد فواتيرها.
يؤدي الإغلاق الحكومي إلى مزيد من الضرر بسوق الإسكان التي وصلت إلى طريق مسدود، بسبب ارتفاع معدلات الرهن العقاري، وسيواجه المشترون الذين يتقدمون بطلب للحصول على قرض عقاري مدعوم من الحكومة تأخيرات في الموافقة. وذلك وفقًا لخطة طوارئ الإغلاق التي نشرتها وزارة الإسكان والتنمية الحضرية.
كما يؤدي إلى وضع صناع السياسة النقدية في بنك الاحتياطي الفيدرالي في مأزق، فالبنك المركزي يحدد سعر الفائدة الرئيسي الذي يؤثر على أسعار جميع أنواع القروض على البيانات التي ترد من الجهات الحكومية مثل، التضخم والتشغيل.
وحال عدم ورود تلك البيانات، يؤثر ذلك على قراراته وسط مخاوف من انزلاق الاقتصاد إلى الركود.
السياحة المتضرر الأول.. لا إنفاق
يخسر اقتصاد النقل الأمريكي، ما يقرب من مليار دولار عن كل أسبوع، يتم فيه إغلاق الحكومة، وفقًا لتحليل جديد لجمعية السفر الأمريكية، فستة من كل 10 أمريكيين، سيلغون رحلاتهم أو يتجنبون الطيران في حالة الإغلاق.
في الإغلاق السابق، تحملت المدن التي تعتمد على المتنزهات الوطنية، والمعالم الأثرية، الجزء الأكبر من الخسارة باعتبارها عوامل جذب سياحية رئيسية، والمناطق التي ظلت مفتوحة كانت، دون خدمات رئيسية مثل، مراكز الزوار، أو إزالة القمامة، أو حتى تنظيف المراحيض.
أما حديقة جوشوا تري الوطنية، فشهدت تقطيع بعض الأشجار التي تحمل اسمها، ويبلغ عمرها قرونًا من قبل مخربين.
بمجرد انتهاء إغلاق 2018-2019، قالت خدمة المتنزهات الوطنية، إنها خسرت 500 مليون دولار، بينها نحو 20 مليون دولارا يوميًا للشركات الصغيرة الموجودة عند مداخل المتنزهات.
لا توجد مدينة، تتأثر بشكل غير متناسب بإغلاقات الحكومة الفيدرالية أكثر من واشنطن العاصمة، التي تتغذى جاذبيتها السياحية على العشرات من المتاحف، والمعالم الأثرية التي تديرها الحكومة.
خلال إغلاق 2028، خسرت متاحف سميثسونيان التسعة عشر ما يقدر بنحو 3.4 ملايين دولار من إجمالي الإيرادات فقط من متاجر الهدايا، والامتيازات وعروض أفلام “أي ماكس”، وخسر المعرض الوطني للفنون ما يقدر بنحو 1.2 مليون دولار من إجمالي إيراداته من متاجره ومطاعمه.
بحساب الخسائر التي تكبدتها الشركات المرتبطة بالسفر مثل، الفنادق والمطاعم، قدر أحد الاقتصاديين خسائر واشنطن العاصمة وحدها بحوالي 1.6 مليار دولار في النشاط الاقتصادي، خلال إغلاق 2018-2019.
فيما يقول جيف فريمان، رئيس جمعية السفر الأمريكية، ومديرها التنفيذي، إن كل يوم يمر في الإغلاق الحكومي سيكلف اقتصاد السفر 140 مليون دولار.
يضيف فريمان أن إغلاق الحكومة يفاقم متاعب السفر، ويؤثر على العديد من الوظائف ذات الصلة بالحكومة، مثل مقابلات تأشيرة الزائر، وتجديد جوازات السفر، ما يقلل رغبة المسافرين في مغادرة المنزل، والتفكير في إنفاق أموالهم.
كيف يتأثر العالم؟
كثيرا ما تتفاعل الأسواق العالمية، خاصة أسواق الأوراق المالية وأسواق العملات، مع الأحداث التي تجري في الولايات المتحدة التي تعتبر عملتها الاحتياطية الرئيسية في جميع الدول، وإغلاق الحكومة من شأنه إضعاف الدولار، وبحث المستثمرين عن أصول أكثر أمانًا ،ما يصب لصالح الذهب والمعادن.
يحمل إغلاق الحكومة الأمريكية أيضًا تأثيرا، على التجارة العالمية، فأي تأثير في نشاط واشنطن الاقتصادي، يمكن أن يكون له عواقب بعيدة المدى في تأخير، وتعطيل سلاسل التوريد العالمية، وتخوف الشركات بشأن مستقبل اتفاقياتها التجارية.
يمتد التأثير إلى أسواق الطاقة أيضًا، فالولايات المتحدة منتج ومستهلك رئيسي لها.
سيوثر الإغلاق الحكومي على أسعار النفط عالميًا، وكذلك التأثير على معنويات المستثمرين بباقي الدول، الذين يراقبون الأحداث في واشنطن عن كثب، ويُعَدِلون محافظهم الاستثمارية بناء على تلك المراقبة.