أصبحت عملية استيفاء شروط الترشح للانتخابات الرئاسية عامة، وعملية جمع التوكيلات أو تزكية نواب البرلمان، خاصة تشكل مشكلة عند كل انتخابات رئاسية تعددية، وذلك لعدة أسباب: –
أولا: أن تلك العملية أصبحت عنق الزجاجة لعديد المترشحين في الانتخابات، فهي بمثابة عتبة انتخابية. والعتبة الانتخابية، كما هو معروف، تعني في انتخابات البرلمان، مدى تخطى القوى السياسية قدر معين من التصويت على مستوى الجمهورية. وهي تعني هنا (انتخابات الرئاسية)، مدى تجاوز المرشح الرئاسي، أحد أهم الشروط؛ كي يتحول من مرشح مفترض إلى مرشح فعلي، وهي بذلك تتصل بالمرحلة التي تسبق الاقتراع على عكس الانتخابات البرلمانية.
ثانيا: ترتبط عملية جمع التوكيلات الشعبية، أو تأييد نواب البرلمان في الانتخابات الرئاسية باسم، وطبيعة القوى السياسية المرشحة، ومدى تواجدها في الشارع، ومن ثم فهي تتصل بالشعبية، وحجم العضوية في هذا الحزب أو ذاك، كما ترتبط بمدى خروج الحزب من المركز وعمله بالمحليات، وكذلك هوية الحزب وأيديولوجيته، سواء كانت يسارية أو ليبرالية أو دينية.
ثالثاً: تعتبر عملية جمع التوكيلات أو تزكية، وتأييد نواب البرلمان ذات علاقة مباشرة بالمرشح المحتمل. فإذا كان المرشح هو الرئيس الحالي للبلاد، فالأمر يختلف، عما إذا كان المرشح من المعارضة، وكل ذلك يختلف، إذا كان الجميع مترشحين جدد. وعامة، فإن كل تلك الخطوات هي على صلة مباشرة بطبيعة، وخصائص المجتمع محل الانتخاب. ففي مصر، حيث يسود مناخ الفرعونية السياسية، تكون الأسبقية لصانع القرار/ المرشح الذي بيده زمام السلطة، وبالعكس يكون التوجس الشعبي- خاصة بعد التحريض الإعلامي الرسمي- دائما من المعارضة ومرشحيها في ظل بيئة أمية ثقافية، تنظر للمعارضة على، أنها كيان أو نتوء غريب يجب عدم تواجده بداية.
في انتخابات الرئاسة 23 /2024، وعقب إعلان الهيئة الوطنية للانتخاب عن دعوة الناخبين للانتخاب، وفتح باب الترشح للانتخاب، وإعلان الجدول الزمني يوم 25 سبتمبر الماضي، أصبحت القوى السياسية التي تبغي التقدم بمرشحين، تجري على قدم وساق؛ لاستيفاء شرط تزكية نواب البرلمان، وجمع التوكيلات من المواطنين. وعلى الرغم، من أن فتح باب الترشح، وتلقي طلبات الترشح للانتخاب حدد ب 10 أيام، بالإشارة إلى أنه سيكون، خلال الفترة من 5- 14أكتوبر 2023، وعلى الرغم من أن البعض يعتبر تلك الفترة طويلة، أو على الأقل أنها ليست مفاجأة للأحزاب، والقوى السياسية المعارضة، ومن ثم، فإنها يجب أن تكون استعدت إليها. إلا أن الواقع يشير إلى تلك الفترة هي بالفعل قصيرة، بالنظر إلى طبيعة البيئة المصرية، وواقع النظام الحزبي الهش، والمهترأ في الشارع السياسي المصري، والذي تسببت فيه الدولة، والأحزاب على السواء، منذ عقود، ما يجعل فترة تقديم طلبات الترشيح قصيرة إلى الحد الذي يعتبر هذا الشرط لدى البعض شرطًا مانعا للمشاركة في عملية الترشيح.
ولكون المعارضة المناوئة لحكم الرئيس السيسي، وهي المنتمية إلى الحركة المدنية، قد تشرذمت بالفعل بعد اجتماع القوى المدنية في 21 سبتمبر 2023، وأصبحت لا تراهن على مرشح سترشحه، بل على المرشح أو المرشحين الذين سيتخطون شروط الترشيح وفقًا، لما ستعلنه الهيئة الوطنية للانتخاب بعد غلق باب الترشيح، وأنها ستدعم من يتخطى تلك المرحلة، فإنها كما شاهدنا، لم تكن على قلب رجل واحد في مرحلة جمع التوكيلات وتأييد النواب.
بداية من المهم الإشارة، إلى أن المعارضة المناوئة لحكم السيسي لا تملك العدد الكافي من نواب البرلمان، وهو 20 نائبا؛ لكي يوقع هؤلاء لواحد منهم فقط. إذ أن عدد نواب هؤلاء في البرلمان 18 نائبا، وهم الإصلاح والتنمية 9، المصري الديمقراطي 7، العدل 2. وبالطبع، هناك حزبان معارضان، لكن أحدهما أقرب إلى دعم الرئيس السيسي، وهو حزب النور السلفي، وله 7 مقاعد. أما الحزب الثاني، فهو أقرب إلى الحياد، وهو حزب التجمع اليساري، ويملك 6 مقاعد. على هذا الأساس قام المرشح فريد زهران بجلب 20 تأييدًا من نواب البرلمان، ويبدو أنه في هذا الشأن قد حصل على توقيع اثنين من النواب المستقلين الـ 93. أما المرشحة جميلة إسماعيل، فهي تقوم بجمع التوكيلات من الشهر العقاري، ولا يعرف إلى الآن، هل لجأت أو ستلجأ إلى جمع توقيعات نواب البرلمان من القوى السياسية المعارضة للرئيس، أو من المستقلين أم لا. بالمقابل، فإن المرشح أحمد الطنطاوي قد راهن على جمع التوكيلات من الشهر العقاري منذ البداية، وهو هنا كغيره تعرض لمضايقات كثيرة للغاية بسبب؛ أعمال البلطجة، والتي شهد عليها من هم مشهود لهم بالنزاهة من أمثال، كمال زايد عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، وعبد الخالق فاروق الباحث الاقتصادي المعروف. وعلى أية حال، فإن ما زاد من مصاعب جمع التوكيلات تشرذم المعارضة بعدم اختيارها لمرشح واحد، وهو ما أفقدها ثقة الكثيرين فيها.
بالمقابل لم تجد الأحزاب الأخرى التي لها مرشحين محتملين أي صعوبة في الوفاء بشرط الترشيح. فحزب الوفد ومرشحه عبد السند يمامة يمتلك 25 مقعدًا في البرلمان، ومن ثم تجاوز عقبة التأييد من نواب البرلمان، بتوقيع 20 نائبا له، ولا يعرف تحديدًا هل كل هؤلاء من الوفد، أم أنه بسبب؛ خلافه مع القيادي الوفدي فؤاد بدراوي- وله شعبية بين نواب الوفد في البرلمان- جعلته يحصل، وبموافقة جهات غير حزبية على دعم نواب من أحزاب الموالاة في مجلس النواب. الحزب الثاني، الذي سيتقدم للترشيح هو حزب الشعب، ومرشحه حازم عمر، ويملك 50 مقعدًا، وهذا أيضا لم يجد صعوبة في جمع التأييد اللازم. وعامة، فإن الحزبين المذكورين (الوفد، الشعب) هما من أحزاب الموالاة، والتي تشارك في الانتخابات؛ لاستكمال شكلها التعددي، حال خروج كافة القوى السياسية المعارضة من المشهد مجتمعة، كما حدث في انتخابات الرئاسة 2018، وخرج الجميع بسبب؛ التوكيلات والتأييدات، ولم يتبق منهم، سوى موسى مصطفى.
على الجانب الآخر، هناك الرئيس السيسي، وهو مرشح مؤكد الآن في الانتخابات، وليس محتملا، ليس فقط بسبب؛ بدء جمع التوكيلات له بشكل مبكر، بل لكونه أعلن لاحقا (2أكتوبر) هذا الترشيح. هذا المرشح بالتأكيد هو الحصان الأسود في السباق الرئاسي، ومن باب أولى سيتخطى شرط التوكيلات أو التأييدات. وكان قد سبق له وجمع في 200 ألف توكيل كمرشح رئاسي مدعوم من المؤسسة العسكرية في انتخابات 2014، وفق ما صرح به وقتئذ المستشار القانوني لحملته محمد أبو شقة، وجمع 161707 توكيل في انتخابات 2018 و 549 تزكية نواب برلمان وفقا، لما أعلنته الهيئة الوطنية للانتخاب في 30 يناير 2018.
اليوم بدأ المرشح الرئاسي بمرحلة جمع التأييدات من المواطنين، وهو نفس ما فعله في انتخابات 2018 و2014. وقد أظهرت الصور والحملات الدعائية، والأخبار التي حملتها المواقع الإلكترونية، ومحطات التليفزيون والصحافة، أن هناك تعبئة كبيرة؛ لجمع تأييدات المواطنين. المهم هنا القول، إن الرغبة في جمع أكبر عدد من التوكيلات كان مفاده، أن تكون الحملة الانتخابية للرئيس معبرة عن سقوط فرضية، أن شعبية الرئيس تناقصت بفعل الظروف، والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها مصر، خلال فترة حكمة، وتعرضت فيها البلاد لانتكاسات كبيرة في مجالات شتى، كما شهدت نجاحات في بعض المجالات. بعبارة أخرى، تسعى حملة جمع التوكيلات، والتأييدات من تلك العملية الضخمة إلى دحض كل ما يقال، إن شعبية الرئيس قلت بسبب؛ الأزمات المتصلة بارتفاع الأسعار، وترك الأسواق تنهش نهشا في دماء الطبقتين الوسطى والدنيا، وزيادة معدلات التضخم، وأزمة المياه النابعة من الموافقة على بناء سد النهضة، وأزمات التعليم والصحة والعلاج التي لا تنتهي، وتدهور معدلات الاستثمار والتصنيع، وارتفاع حجم المديونية الخارجية بشكل غير مسبوق، وعجز الميزانين التجاري والمدفوعات، وعجز الموازنة الهيكلي…إلخ.
الناظر إلى المشهد الراهن، وحشود التأييد والدعم للرئيس، والذي يذكر الجميع بأيام الحزب الوطني الديمقراطي، يشي بأن هناك رغبة؛ لتأكيد حسم المعركة الانتخابية قبل بدايتها، ويجعل مرحلة جمع التأييدات والتوكيلات بمثابة انتخابات قبلية، أو استفتاء مصغر على شعبية الرئيس. وقد ارتبط هذا كله بتعبئة جماعية من قبل موظفي الدولة في المؤسسات التعليمية، والعلاجية والأوقاف والبترول والطاقة، وغيرهم من مؤسسات الدولة وقطاع الأعمال العام، للاحتشاد بالانتقال في وسائل النقل الجماعي إلى الشهر العقاري، لجمع أكبر عدد من التوكيلات في مدة قصيرة، وبعض هؤلاء لم يوقع بنفسه على التوكيل!! وكل ذلك لم يكن فقط للتدليل على شعبية الرئيس، بل على عجز الآخرين عن الوفاء بالشرط الدستوري، عندما منع البلطجية مؤيدي المعارضة في العديد من الأماكن؛ لعمل التوكيلات. وقد كان هؤلاء المعارضون المناوئون لحكم السيسي على قدر كبير من العجز أصلا، فزاد العجز على العجز القائم بالتشرذم الذي حدث في اجتماع الحركة المدنية 21 سبتمبر 2023.
هكذا يبدو المشهد اليوم قبل غلق باب الترشيح، والأرجح أنه سيفضي إلى وجود مرشح معارض حقيقي واحد على الأقل، حتى يتغير مظهر الانتخابات عما سبقتها، بعدئذ ستبدأ الدعاية الانتخابية رسميًا، وقد بدأت فعليا في الشارع، وفي مؤتمرات رئيس الدولة المتكررة، وذلك كله تحت سمع، ونظر الهيئة الوطنية (المستقلة)، ودون أن تحرك ساكنا كالعادة.