ظهرت في المجتمع المصري عدد من الأساطير، وبشكل خاص في الحياة العامة، وتستخدم بهدف؛ خلق حالة سلبية تؤدي لإحساس المواطن بعدم قدرته على تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية.
من جهة أخرى، يستخدم التعليم ووسائل الإعلام في القيام بنفس الدور من خلال، تبني ثقافة التلقين بديلا عن الحوار والإقناع، وعدم خلق شخصيات مستقلة قادرة على التفكير العقلاني.
وتستخدم هذه الأساطير بشكل كبير، خلال مواسم سياسية معينة، من أهمها الموسم الانتخابي، وبشكل خاص الانتخابات البرلمانية، و الرئاسية التي يثار خلال حملاتها الانتخابية عشرات الشائعات حول المرشحين عمدا، وتصب هذه الشائعات و الأساطير، لتصبح عرف وقناعة شعبية، يتم تداولها بين الناس وتصديقها، كأنها حقيقة علمية لا شك فيها، ولا أمل في تبديدها أو الحد من انتشارها وسط جموع الحرافيش والمستضعفين .
ويناقش هذا المقال أهم هذه الاساطير:
ـ أول هذه الأساطير، تؤمن بالمثل الجاري “أصبر على جار السوء”، يا تغور يا تجيله مصيبه تاخده”، وتدعو هذه المقولة إلى عدم مواجهة المستبد، أو الظالم أو القيام بأي تحرك شعبي إيجابي، انتظارا للقدر الألهي المحتوم، ويستغل ترويج هذا المثل باعتبار، أنه يتماشى مع الطبيعة المصرية في الصبر الطويل على المكاره، وخاصة في حالة عدم القدرة تجاه ” الجار المؤذي والسيئ”، والقاء الأمور على ما تقوم به الأقدار، حتى ينتقل من المكان، أو يتعرض لخطر السجن أو الموت.
أيضا يساعد على ترويج هذا المعني المثل القائل، “تعمل إيه يا صعلوك وسط الملوك ” و”اللي له ظهر مينضربش على بطنه”، وهو يؤكد استضعاف الإنسان البسيط، والتأكيد على عدم قدرته على مواجهة من هم أكبر منه جاها وسلطانا ومالا، باعتبار أنه لا يقدر على القدرة إلا ربنا، و”هنعمل إيه، آدي الله وآدى حكمته”، وهي حكمة شعبية، تزيد من تدعيم هذا الاتجاه.
وتقترب من هذه الأسطورة مقولة “اللي تخاف منه ميجيش أحسن منه”، تلك التي تسعى إلى التخويف من التجديد، والتغيير سواء في أماكن العمل أو الإدارة أو السياسة، باعتباره مجهولا بالنسبة للناس، والتكيف مع الوضع الحالي، حتى لو كان مخيفا أو مثارا للقلق، والهدف منها؛ هو تشجيع المواطنين على اختيار وضع، أو شخص معروف، وموجود في ذلك الموقع، حتى لو كان هناك مخاوف منه، أو وجود إحساس نفسي بعدم الارتياح تجاهه، وتساعد على خلق هذا الانطباع أسطورة أخرى تحمل نفس المعني بـ أن ” المدير” أو القائد الموجود أفضل من الآخر الجديد، فالأول “سرق ورستأ نفسه”، ولن يسرق أكثر مما سرقه، عكس القائد الجديد الذي سيبدأ من جديد في منظومة الفساد؛ ليستمر المواطن في التكيف مع الوضع القديم.
ـوهناك أساطير، تم ابتكارها أثناء الحراك الشعبي المتصاعد في مصر في أجواء الربيع العربي الذي بدأ في تونس، حيث روج الإعلام المصري وقتها لنظرية “الحاكم الأب”، والتي سبق أن تبناها الرئيس السادات،عندما أسمى نفسه “كبير العائلة المصرية”.
في يناير 2011، شاهدنا الإعلام الرسمي، يروج لما قال، إنه ” اعتبره أبوك يا أخي”، وكأن مصر ليست دولة ينظمها عقد اجتماعي بين الحاكم والشعب، وأقرب للمفهوم العائلي، فعلى المواطن، أن يعتبر نفسه فردا في الأسرة التي يقودها الرئيس، فلا يعارض أو يشكو من أي شيء، حتى لو مات جوعا وقهرا أو تعذيبا.
ـ الأسطورة الثالثة: المعروفة بنظرية “من البديل” أو ” هل فيه بديل؟” وهي أحد النظريات السياسية المتداولة التي نجح الإعلام المصري، والعربي في ترويجها؛ تخويفا من الجديد المجهول في أي موسم انتخابي .
ودائما تسعى الأنظمة المستبدة؛ لترويج هذا السؤال باعتبار، أنه لا بديل عن الرئيس والزعيم القائد الذي يتولى المسئولية لسنوات طويلة، وهو يقتطع من وقته، ويستنزف من صحته ولا ينام، ويظل ساهرا على تلبية احتياجات الجماهير التي لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب.
والذي لا يتحدثون إلا عن الطعام والشراب، ولا يقومون إلا بزيادة النسل تلك المشكلة التي يعتبرها حكامنا، أهم شماعة؛ لعجزهم وفسادهم وفشلهم السياسي والإداري.
و تعتبر هذه النظرية أي مرشح بديل خطر محتمل، خاصة أنه لا يحمل نفس مواهب القائد الحالي، وليس له خلفيته السياسية أو العسكرية، وبالطبيعة فأنه سيلقي البلاد في مصير مجهول.
يساعد في ترويج تلك القيم السياسية التي تسعى اليها السلطة، ما يقال عن عدم قدرة الشباب على إدارة الأمور؛ لافتقادهم الخبرة اللازمة، ورغم أن هناك رؤساء دول، ووزارات تولوا إدارة دول، ولم يتجاوزوا سن الأربعين، ونجحوا فيها بشكل كبير، ومن أبرزهم أوباما، وتوني بلير، وبيير ترودو رئيس كندا وغيرهم.
ولا تتساءل هذه النظرية عن السبب في حرمان جيل من الشباب من هذه الخبرة السياسية، سواء أثناء دراستهم الجامعية، أو في حياتهم العملية بعدها.
ـ الأسطورة الثالثة: تأتي في أيضا نظرية أخرى تسمى بالحاجة لـ “رئيس من دولاب الدولة”، وسادت هذه النظرية بشكل كبير، واكتسبت مريدين كثيرين، وساعدت في حشد الأنصار، حيث أيدها الكثيرين، ولا يزالون من قيادات النخبة السياسية المحافظة، ومع ذلك لم تستخدم هذه النظرية لدعم أشخاص مثل، عمرو موسى.
وتعمل هذه النظرية على إبعاد الوعي الشعبي عن اختيارات بعينها بمبرر استحالة نجاح أي بديل من خارج أجهزة الدولة، باعتباره أنه لا يملك الخبرة في السياسة والإدارة، سواء كان عمل في السابق داخل دولاب الدولة مثل، الدكتور محمد البرادعي المستشار السابق في هيئة الطاقة الذرية، والحائز على جائزة نوبل، أو كان زعيما لتيار سياسي معارض، وله شعبية وسط بعض القطاعات الجماهيرية مثل، العمال والفلاحين مثل، حمدين صباحي.
ـ ولا ننسى أسطورة رابعة داعمة لهذا الاتجاه غير العقلاني المعروفة بنظرية “الرئيس الضرورة”، وهي دائما تصب في تأييد مرشحين معينين غالبا من دولاب الدولة، وتزيد من رواجها بشدة في أيام الأزمات السياسية، وحالات الفوضى التي تمر بها بعض البلدان، وقد روج لها الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل عام 2013، واعتبرها البعض تأييدا للرئيس السيسي المرشح وقتها.
ـ الأسطورة الخامسة: وهي ما تسمى بـ “العرس الانتخابي“، وتحمل نوعا من الدعاية والرغبة في ترويج نتائج الموسم الانتخابي، سواء كان برلمانيا أو رئاسيا، فلطالما كانت كل انتخابات في مختلف العصور السياسية “عرسا”، والعرس يحمل معاني الفرح والإيجابية والسعادة، والنوايا الحسنة التي يحملها كل المشاركين فيه، أو تعطي مشهد احتفاليا، وأدوارا لكل المشاركين فيها للخروج بأفضل صورة ممكنة أمام المشاهدين، فكل مواسمنا كذلك حتى لو استخدم فيها أشد أنواع التزوير، والتزييف لإرادة الناخبين، وحتى لو استخدمت أجهزة الدولة كل امكانياتها في منع المنافسين من الوصول لأصوات الناخبين، أو تزوير هذه الإرادة” فالورق ورقنا والدفاتر دفاترنا” المفارقة هنا، أن أجهزة الدولة العميقة تهيمن على الإعلام، وعلى الهيئات التي تدير الانتخابات بالتليفون، بل وتأتي بهيئات مصنوعة؛ لمتابعة العرس الانتخابي؛ لتقدم شهادة حسن سير وسلوك في ختام الموسم، بدلا من تطوير المنظومة القانونية الحاكمة للعملية الانتخابية، وكفالة الضمانات؛ لتأتي معبرة بشكل حقيقي عن رغبات الجمهور.
المهم أنه على خبراء علم السياسة، والاجتماع مناقشة، وفحص هذه المقولات والنظريات التي يلعب عليها وتر الإعلام الرسمي في عالمنا العربي المنكوب، وإظهار سلبية هذه المقولات التي تعتمد على تراث اجتماعي فيه من السلبيات، ما يوازيه من الإيجابيات بهدف؛ ترويج نموذج المستبد الجاهل، وغير العادل في مواجهة شعبه.