بعد اتفاق وزارة المالية مع صندوق النقد الدولي على دمج المراجعتين الأولى والثانية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، حملت الوزارة تحرير سعر صرف الجنيه أمام  الدولار  الأمريكي، مسئولية ارتفاع نسبة الدين العام.

التصريحات التى أطلقها وزير المالية مؤخرا، فى مؤتمر “حكاية وطن”  تشير إلى رفض أي تحرك مستقبلي نحو “تعويم الجنيه”. بينما متخذو السياسات المالية “البنك المركزي “، فى خط مقابل، يؤيدون التعويم.

لكن هذا المشهد، ترتب اساسا على أزمة  اقتصادية محتدمة، تشهدها مصر،  عنوانها الرئيسي أزمة التمويل والديون، وارتفاع غير مسبوق فى معدلات التضخم بما يؤثر على تكاليف المعيشة اليومية لأغلب  قطاعات المجتمع.

تم تأجيل المراجعة الأولى لصندوق النقد الدولي من مارس الماضي أكثر من مرة دون إبداء أسباب من قبل الطرفين اللذين أكدا أكثر من مرة أن المفاوضات بينهما قائمة، لكن  فى خلفية التفاوض، اختلافات حول سعر صرف الجنيه المصري الذي استقر  خلال الشهور الست الأخيرة.

خلال مؤتمر “حكاية وطن” الذى عقد بالعاصمة الإدارية وانتهي  الاثنين، قال محمد معيط وزير المالية إن الدين العام ارتفع في 30 يونيو 2023 ليشكل نحو 95.7% من الناتج المحلي، وجاء الارتفاع  بسبب تغير سعر الصرف لأن جزءا من الدين بالجنيه وجزءا بالدولار.

وأضاف معيط، في جلسة حضرها الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الحكومة مصطفى مدبولي وحسن عبد الله محافظ البنك المركزي، إن تغير  سعر الصرف، رفع الدين العام بقيمة  1.8 تريليون جنيه لوجود جزء من الدين العام مقوم بالدولار بقيمة  110 مليارات دولار.

وقال  معيط أن الدين العام بلغ في 2015/2016 نحو  102.8% من الناتج المحلي، وهبط مع الإصلاح الاقتصادي إلى 80.9% في 30 يونيو 2020 ولولا الفترة التي شهدت كورونا، لكانت المستويات أفضل تحت 80%.

مضيفًا أن الدين ارتفع مجددًا ليس لاضطراب المالية العامة لكن لتغير الصرف فكل هبوط بقيمة 100 قرش لسعر صرف الجنيه يرفع الدين 110 مليارات جنيه.

فى موقف يبدو معارضا لمطالب  صندوق النقد الدولى، أعلن  السيسي في كلمة أمام مؤتمر الشباب في برج العرب يونيو  الماضي، رفض تخفيض قيمة العملة أكثر  على المدى القريب، بينما تدور التكهنات بتطبيق التخفيض بعد الانتخابات الرئاسية، حيث يفتتح السيسى ولاية ثالثة له بقرارات اقتصادية تتعلق بمعالجة  الأزمة الاقتصادية، بينها السير بسرعة نحو بيع الأصول المصرية.

تقليل الملكية الحكومية.. هل يغني عن سعر الصرف؟

تراهن وزارة المالية على الاستجابة لبقايا برنامج الإصلاح الاقتصادي باستثناء قيمة العملة، فعلى مدار الفترة الأخيرة تم تنفيذ العديد من صفقات البيع لأصول حكومية منها حصص في شركة الشرقية للدخان، وحصلت عليها شركة إماراتية، والعز الدخيلة وحصل عليها رجل الأعمال أحمد عز، و7 فنادق حكومية حصلت عليها مجموعة طلعت مصطفى.

في أكتوبر الحالي، من المقرر حسم صفقات حكومية من العيار الثقيل في مقدمتها المصرف المتحد المملوك بنسبة 99.9% للبنك المركزي المصري، وكذلك حصة وزارة المالية في بنك الإسكندرية.

كما سيطرح بنك القاهرة ثالث أكبر البنوك الحكومية في البورصة المصرية، في خطوات تستهدف بها الحكومة اثبات  جديتها في فتح الباب أمام القطاع الخاص، وتقليص الوجود الحكومي وملكية الدولة .

ماذا تنتظر الحكومة من المراجعة؟

من شأن المراجعة الأولى والثانية، أن تسمح بدخول موارد دولارية تساعد على حل مشكلة العملة الصعبة، يبدأ ذلك بالإفراج عن 700 مليون دولار مع إمكانية الوصول إلى تمويلات أخرى من خارج الصندوق بقيمة  1.3 مليار دولار.

علاوة على استثمارات خليجية تعهدت بدخول مصر بشرط موافقة الصندوق، وهي النسبة الأكبر التى تراهن عليها الحكومة فى حل أزمتها المستعصية.

لكن الصندوق طالب  دول الخليج تنفيذ  تعهداتها  والتى كانت حسب الاتفاق تقدر ب14 مليار دولار.

خلال عام، فقد الجنيه المصري نصف قيمته أمام الدولار ، ما سبب مشكلة في السوق المصرية ورفع معه مستوى التضخم ليبلغ خلال شهر أغسطس الماضي، 39.7%، مقابل 38.2% في شهر يوليو الماضي، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

وكان الارتفاع  الأساسي  فى مجموعة الطعام التي قفزت بنسبة تتجاوز 70% ما عمق أزمة قطاعات واسعة من المجتمع.

جدل حول إمكانية خفض الجنيه

قال الخبير الاقتصادي نادي عزام إن ثمة مؤشرات إيجابية للاقتصاد المصري خلال الشهور الأخيرة من بينها استقرار سعر الصرف الذي لم يتغير منذ 6 أشهر، علاوة على انخفاض صافي عجز الأصول الأجنبية بمقدار 360 مليون دولار في أغسطس،  وهو ثاني تحسن له خلال شهرين.

يضيف عزام: ان الموارد الدولارية شهدت زيادة  خلال الشهور الأخيرة خاصة السياحة، فانخفاض سعر الصرف جعل السفر والإقامة والسياحة بمصر غير مكلفة، وهو ما جذب فئات متعددة من السائحين وزاد الطلب على البرامج الأطوال التي تقارب الأسبوع بمصر.

واستبعد زياد داود، كبير الاقتصاديين المختصين بالأسواق الناشئة في “بلومبرج إيكونوميكس”، خفض قيمة الجنيه خلال الشهرين القادمين في ظل مستويات التضخم الحالية، لكن رجح في الوقت ذاته إمكانية حدوث إرجاء جديد لمراجعة صندوق النقد الأولى والثانية لتضم معهما الثالثة وأن تكون قبل مارس المقبل.

بحسب داوود فإن معدلات العائد على ادوات الدين الحكومية رغم ارتفاعها لا تزال سلبية بالمقارنة مع معدل التضخم، وبالتالي هناك حاجة إلى المزيد من رفع أسعار الفائدة وإضعاف العملة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية وإيقاف الدولرة، على حد قوله.

الفائدة ترفع الديون وتزيد الأزمة

لكن وزير المالية  قال في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر حكاية وطن السبت، إن رفع معدلات الفائدة أضر بكل الدول النامية التي خرجت منهكة من الوباء، وقبلها اشتكى في الجلسة العامة لمجلس النواب  وخلال مناقشة التقرير العام للجنة الخطة والموازنة من أعباء الاقتراض.

واشتكت وزارة المالية مرارًا  من رفع الفائدة التي تطالب بها المؤسسات الدولية، فرغم أنها تجذب المال الساخن لحل أزمة الدولار، لكنها فى الوقت نفسه ترفع الأعباء على الموازنة العامة للدولة.

يسبب  رفع  الفائدة بواقع 1% لمدة عام زيادة فوائد الدين العام في الموازنة العامة بنحو  28 مليار جنيه.

جوردون باورز، المحلل بشركة كولومبيا ثريدنيدل للاستثمارات، يقول إنه من غير المرجح أن تتخلف مصر عن السداد خلال الأشهر الـ 12 المقبلة ما لم تتعرض لصدمة خارجية دراماتيكية أخرى”.