ثمة مؤشرات على حلحلة قريبة؛ لأزمة تعطل إحياء الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية، وإيران، وسط تسابق الوسطاء الدوليين والإقليميين من أجل؛ العودة لطاولة المفاوضات مجددا، خاصة في ظل نجاح سياسة تجزئة ملفات الاتفاق النووي الكبير، بعد إتمام صفقة تبادل السجناء مؤخرا بين واشنطن وطهران.
وبشكل مفاجئ، عادت مؤخرا قضية النووي الإيراني إلى التداول في ظل تلميحات، وتصريحات لكبار المسئولين الإيرانيين في هذا الاتجاه.
فيما وصف مراقبون اللهجة الإيرانية الجديدة على لسان كبار المسئولين هناك، بمثابة انفتاح على المفاوضات بعد مغادرتها قبل عدة أشهر، وهي التصريحات التي قابلتها الولايات المتحدة بردود، بدت أقرب للتناغم مع الإشارات الإيرانية، حيث أكدت على تمسكها بالحلول الدبلوماسية، ما يمكن معه التنبؤ بعودة محتملة، ومرغوبة من الجانبين في هذا التوقيت إلى الطاولة.
وبعد صفقة تبادل الأسرى الأخيرة بين واشنطن وطهران، بوساطة قطرية، تحدثت إيران عن رسائل إيجابية أمريكية بشأن؛ المفاوضات النووية.
وأبرمت إيران والولايات المتحدة اتفاقا؛ لتبادل الأسرى بين الجانبين، وبموجب الاتفاق، تم الإفراج عن 5 سجناء من الجانبين، كما سمحت واشنطن بالإفراج عن 6 مليارات دولار، من عائدات النفط الإيرانية، كانت مجمدة في كوريا الجنوبية.
رسائل متبادلة
قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إن التوصل إلى اتفاق؛ لعودة الأطراف إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) ليس بعيد المنال “لو تخلت أمريكا عن ازدواجيتها، وأظهرت نية وإرادة حقيقية”.
وأوضح الوزير الإيراني في تصريحات لوكالة، “ارنا” الإيرانية لدى عودته من نيويورك، عقب حضوره اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، إنّ بلاده تتلقى “رسائل إيجابية” من واشنطن بشأن؛ المفاوضات النووية داعياً إلى التريث؛ لمعرفة “ماذا سيحدث خلال الأسابيع المقبلة”.
وقال عبد اللهيان، إن المفاوضات النووية الرامية إلى رفع العقوبات، كانت على جدول أعماله في نيويورك، وأنه بحث مع دبلوماسيين أمريكيين سابقين آخر تطورات هذه المفاوضات.
من جانبها، قالت وزارة الخارجية الأمريكية، الثلاثاء الماضي، إنه يتعين على إيران اتخاذ خطوات؛ “لخفض التصعيد” بشأن برنامجها النووي، إذا أرادت إفساح المجال للدبلوماسية مع الولايات المتحدة، وإن أولى هذه الخطوات التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر في مؤتمر صحفي، إن الخطوات التي كان يتحدث عنها كتمهيد محتمل؛ لاستئناف المحادثات الأمريكية الإيرانية، سواء المباشرة أو غير المباشرة، تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.
وساطات خليجية وإقليمية
وتأتي الرسائل المبطنة المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران في وقت، تُعد فيه المبادرات من جانب العواصم المهتمة، أو المكلّفة بانضاج الترتيبات المؤدية إلى تحقيق إحياء الاتفاق النووي .
وتأتي في مقدمة تلك المساعي مبادرة، تقدمت بها اليابان مؤخرا في محاولة منها إلى تقريب وجهات النظر بين طهران من جهة، وواشنطن وحلفائها الأوروبيين من جهة أخرى .
وكشف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إن بلاده تدعم الدور البناء لليابان في إحياء الاتفاق النووي.
وأعلن عبد اللهيان في تصريحات نقلتها وكالة تسنيم الإيرانية، أن اليابان اقترحت مبادرة؛ لإحياء الاتفاق النووي بين إيران، والقوى الست الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة ، قائلا إن ” أي مبادرة يابانية تتوافق مع مصالح إيران ستفسر بشكل إيجابي من قبل طهران”، مشيرا في الوقت ذاته، إلى أنه تلقى هذا العرض من الحكومة اليابانية، عندما زار طوكيو في أغسطس الماضي، والتقى رئيس الوزراء فوميو كيشيدا، ثم وزير الخارجية يوشيماسا هاياشي”.
وبموازاة المبادرة اليابانية، تلعب سلطنة عمان دورا هاما؛ لإعادة الأطراف إلى طاولة مفاوضات الاتفاق النووي مجددا ، حيث كشف وزير الخارجية الإيراني مؤخرا، عن خطة عمل مقدمة من السلطنة؛ لإحياء الاتفاق النووي، قائلا في تصريحات صحفية، إن ” الخطة التي اقترحتها سلطنة عمان قيد المناقشة”، مضيفا أنه” إذا كانت الأطراف المعنية الأخرى مستعدة، فإن إيران ستفكر بجدية في العودة إلى الاتفاق النووي، وهو ما يستلزم، أن تعيد جميع الأطراف المعنية بالاتفاق النووي الإيراني تنفيذ التزاماتها في إطار مبادرة سلطنة عمان”.
وأوضح عبد اللهيان، أن المبادرة المقدمة من سلطان عمان هيثم بن طارق، تعتمد على “أسلوب للإسراع والمساعدة في عودة جميع الأطراف إلى الاتفاق النووي”، قائلا إن المبادرة “لا تعني، أن سلطان عمان قد طرح نصا جديدا”.
إضافة إلى ذلك، تلعب قطر دورًا في دفع الطرفين مجددًا نحو طاولة المفاوضات، وقد أعلن رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن صفقة تبادل السجناء ستخلق بيئة أفضل؛ لاستئناف المفاوضات حول النووي والتوصل لاتفاق.
فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، في تصريح رسمي صادر عن الوزارة، إنه بعد الاتفاق على تبادل الأسرى بين إيران والولايات المتحدة؛ زاد احتمال التوصل إلى تفاهمات جديدة بين الجانبين في العديد من الملفات الأخرى.
وأشار إلى، أن وقوع قطر كوسيط إنساني؛ يسهل أمر التفاوض والتوصل إلى اتفاق بين طهران وواشنطن، لافتا إلى أن هناك تطورات إيجابية جديدة ستحدث خلال الفترة المقبلة.
وكانت العاصمة النمساوية فيينا قد شهدت ست جولات من المفاوضات الرامية؛ لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، بين طهران وقوى عالمية، بعد انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 2018، معتبرا أن الاتفاق الذي أبرم في عهد سلفه باراك أوباما، كان غير كافٍ، ولا يتطرق الى قضايا أخرى مثيرة للجدل مع إيران، بينها نفوذها الإقليمي، ودعمها لمجموعات مسلحة؛ تشكل تهديدا لحلفاء واشنطن مثل، تل أبيب والرياض.
وانتهت آخر جولات المفاوضات التي جرت في فيينا إلى إعداد مسودة، عرفت باسم “وثيقة سبتمبر”، وكانت بمثابة آخر خلاصة للمفاوضات النووية، خلال سبتمبر/أيلول 2022.
وتشدد طهران على ضرورة رفع كل العقوبات التي فرضت، أو أعيد فرضها في عهد ترامب، بينما تصرّ إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن على استعدادها؛ لرفع العقوبات المتعلقة بالملف النووي حصرا.
ثلاثة أشهر حاسمة
تشهد الفترة الراهنة اصطفافات إقليمية متسارعة، وهو الأمر الذي ربما عجّل بتهيئة اللحظة الراهنة؛ لاستئناف المفاوضات، خاصة في ظل ممانعة إسرائيل التي أعلنت، أنها غير مُلزمة بأى اتفاق قد يُوقع بين طهران والغرب، وأنها ستفعل كل ما في وسعها من أجل الدفاع عن نفسها.
تلك التهيئة، يعززها ضرورة اللحاق بالنافذة المفتوحة لمدة ثلاثة أشهر، حتى نهاية العام الحالي، إذ أنه بعد تلك الفترة سيكون من الصعب على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، المرور نحو اتفاق نووي قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، خشية توظيفه ضده في الانتخابات التي يعاني فيها بالأساس من وضع مترنح، حتى الآن على أقل تقدير .
كذلك أيضا، فتح باب تجزئة الاتفاق النووي بعد إتمام صفقة تبادل السجناء، وفك التجميد عن 6 مليارات دولار لصالح إيران، الطريق أمام التوصل لاتفاق بشأن النووي الإيراني، فتحت وطأة العوامل الضاغطة على الجانبين، قد يتم التوصل لاتفاق مؤقت، تضمن واشنطن بموجبه وضع حد؛ لتصعيد إيران النووي على ضوء المعلومات الاستخبارية، وتلك الواردة في تقارير هيئة الطاقة الذرية بشأن؛ معدلات تخصيب اليورانيوم في المفاعلات الإيرانية، كما تضمن طهران بموجب هذا الاتفاق إنعاش اقتصادها المأزوم.
وكشف التقرير الأخير لوكالة الطاقة الذرية، الصادر فى يونيو الماضي، أن مخزون إيران من اليورانيوم المُخصب ارتفع بمقدار 23 مرة عن المنصوص عليه في اتفاق 2015، حيث وصل إلى 4774.5 كيلوجرام، كما زاد مخزونها من اليورانيوم المُخصب بنسبة 60% إلى 114 كيلوجراما، وهى الكمية التى يمكنها صناعة ثلاث قنابل نووية، إذا ما تم رفع تخصيبها إلى 90%، وهذا الأمر لا يحتاج إلا إلى أسابيع، وفق تقديرات أمريكية. فى حين أن الاتفاق قد حظر على إيران إنتاج يورانيوم مُخصب بنسبة أكثر من 3.67%.
الحديث عن نافذة الثلاثة أشهر المتاحة، حتى نهاية العام الحالي أمام إدارة بايدن ، وطهران، تكمن أهميته مع تجزئة ملفات الاتفاق النووي، حيث أنه بموجب سياسة التجزئة التي تم اتباعها مؤخرا في صفقة تبادل السجناء، والتي كانت جزءا أصيلا من مفاوضات الاتفاق النووي الكبير في فيينا، استطاع البيت الأبيض تجنب مراجعة الكونجرس للاتفاق.
في هذا الإطار، يقول ريتشارد جولدبيرج، مدير برنامج إيران في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، المحسوبة على الجمهوريين، إن اتفاق تبادل السجناء، هو ببساطة وسيلة؛ للتهرب من مراجعة الكونجرس للاتفاق النووي الأكبر، مضيفا بحسب تصريحات أدلى بها لصحيفة الشرق الأوسط، أنه من خلال ربط تخفيف العقوبات بصفقة الرهائن بدلاً من الصفقة النووية، تحاول إدارة بايدن، عبر تجنبها إخطار الكونجرس، صدور قرار محتمل من الحزبين برفضه.