إذ أن سيادة القانون من الأصول الدستورية المتوافق عليها في كافة النظم القانونية، وهي تعني بوجه من الوجوه، أن تمارس الدولة سلطاتها وفق أحكام القانون، وهو بالأمر بالبديهي، ما يؤكد على أن تكون السلطة ذاتها، قد تأسست وفق أحكام القانون، حتى تستطيع أن تمارس مهامها الوظيفية وفقا لمبدأ سيادة القانون، أو خضوع الدولة للقانون، حيث لا يمكن أن تكون هناك دولة، أو مؤسسة سلطوية، لا تخضع في أعمالها أو في تسيير أعمال وظائفها لمبادئ القانون وسيادته، وتطالب أن تطبقه على مواطنيها، أو أن تخضعهم لأحكامه، فكيف ذلك في حال كونها، قد فقدت أهم مواصفات المشروعية في تصرفاتها.

ولما كانت الديمقراطية هي النسق الذي ارتضاه غالبية المجتمع الدولي؛ ليعبر عن أهم مواصفات الحكم السياسي الرشيد، وارتضته معظم أو غالبية النظم السياسية، وهو الذي يؤكد على أن يحكم الشعب نفسه بنفسه لنفسه، كمبدأ عام، وهذا المنطق هو ما يدعو، لأن تكون هناك علاقة قوية ووطيدة ما بين الحكم الديمقراطي، وسيادة القانون، حيث لا تعيش الديمقراطية الصحيحة ولا تنمو، إلا بسيادة قانون عادل، يطول جميع المنتمين إلى البلد الديمقراطي، يحدد لكل مواطن مسئول، وغير مسئول، سلم الحقوق والواجبات، ويمنع جميع المخالفات على وفق مبادئ واحدة، تسري على الجميع، كما أنه يحدد واجبات السلطات الحاكمة، وحدودها، ويبين مدى احترامها لنفاذ حقوق المواطنين.

وإذ أن المجتمع المصري بصدد إجراء انتخابات لموقع الرئاسة المصرية، خلال الفترة الزمنية المقبلة، وذلك بحسب أن الانتخابات هي الوسيلة المشروعة، والمعبرة عن الديمقراطية في تداول موقع الرئاسة، وهذا النظام الانتخابي، لم يكن معروفا في المجتمع المصري حتى فترة قريبة، حيث كان يسود منطق الاستفتاء على الموقع الرئاسي، حتى تم تعديل ذلك الأمر في عهد مبارك عام 2005، ومنذ ذلك التاريخ بات، ولو من الناحية النظرية، أن هناك تداولا ديمقراطيا لوظيفة رئاسة الجمهورية، أو على أقل تقدير، أن الانتخابات تختلف من حيث الشكل، عما كان عليه الأمر فيما سبق بخصوص الاستفتاء، والذي لم يكن يوحي بأي معلم من معالم الديمقراطية حتى، ولو من الناحية الشكلية، ولا يعبر سوى عن سيطرة السلطة التنفيذية على كل مجريات الأمور، حتى من حيث الشكل الخارجي، لما تعنيه الديمقراطية، أو سيادة القانون أو كلاهما معا، من زاوية الارتباط والتشابك.

وبغض النظر عن أي تعبير نقدي، لما عليه حال القوانين أو الصياغات التشريعية أو صناعة القانون بشكل عام، ولكن هنا لا بد من التأكيد على احترام النصوص الموجودة حاليا، والتي تنظم كيفية الترشح، وممارسة كافة حقوق المرشح؛ لانتخابات الرئاسة المصرية، حتى خوض معترك الانتخابات، وإعلان النتيجة بشكل قانوني، لا أن يتم هدر القانون بشكل أو بآخر، أو حتى الالتفاف حول نصوصه بطريقة قد توحي، بأن هناك ممارسات جدية وفق مبادئ سيادة القانون للحق في الترشح أو الانتخاب، فإن تلك الممارسات لا تصب، سوى في خانة عدم احترام القانون، بما يهوي بكافة مبادئ ونسق الديمقراطية، تلك المبادئ والقيم التي أسس لها الدستور المصري، منذ زمن بعيد حتى كان الدستور الأخير لسنة 2014، والذي أكد على نفس المبادئ، وهو الأمر كذلك الذي يتفق مع الاتفاقيات الحقوقية، وهي تلك المعاهدات التي انضمت إليها مصر، ونشرتها في جريدتها الرسمية، ووفقاً لأحكام نصوص دستور 2014، فقد بات لها قوة القوانين الداخلية المصرية.

ولما كنا في أولى خطوات الانتخابات الرئاسية، وهي مرحلة جمع التوكيلات بعيداً عن المرشحين الذين قد تحصلوا على موافقات برلمانية، بما يحقق لهم النصاب القانوني اللازم للترشح، فإن ما يحدث في مكاتب الشهر العقاري والتوثيق من تضييقات، أو ازدحامات مصطنعة ومغرضة؛ لحجب البعض عن الحصول على التوكيلات اللازمة؛ لخوض انتخابات الرئاسة، وذلك كله بالمخالفة لقوانين الانتخابات ذاتها، فهو أمر يصيب كافة المبادئ والقيم الدستورية، والحقوقية المتعلقة بممارسة سيادة القانون، أو خضوع الدولة للقانون، أو ما يتعلق بالديمقراطية اللازمة؛ لانفتاح المجال العام في مصر في صميم مقصدها وهدفها النبيل، ويضعنا أمام حالة لا يمكن وصفها في ظل الألفية الثالثة للعالم، إلا بكل ما يخالف، ما ندعو إليه من قيم نبيلة ومبادئ فاضلة، تجعلنا في مصاف الدول الديمقراطية، لأننا بتلك الممارسات تٌغيب المعنى الحقيقي للديمقراطية من ناحية، وتؤكد على عدم الاحترام؛لمبادئ المشروعية وسيادة القانون.

وإن كان ذلك يحدث في أولى الخطوات، فماذا ننتظر في الخطوات التالية من هذه الانتخابات؟ وهو ما يدعونا فعليا إلى مراجعة ما يحدث الآن بشكل جدي، والوقوف عند تلك الأحداث، والنظر إليها، والاعتبار منها، بما يجب أن يكون عليه الاعتبار، أو بمعنى أقل وطأة، يجب أن نتلافى ما يحدث، أو أن تكون هناك إتاحة كاملة لكافة مكاتب الشهر العقاري، ومكاتب التوثيق على مستوى الجمهورية، بل يجب أيضا، أن نمد ساعات العمل حسب تواجد الأفراد الراغبون في تحرير توكيلات، وأن يكون الأمر في حماية كافية للمواطنين في ممارسة حقهم الدستوري، بغض النظر عن شخصية المرشح الذي يرغبونه، لكن هذا الأمر هو أجدر بالحماية من السلطة القائمة، حتى تعبر عن كونها سلطة قانونية، تحترم معنى القانون، وتدرك أهمية سيادته، وتسير أمورها وفق ما ترتضية أحكامه ونصوصه.

إن أهمية المشاركة الانتخابية تكمن في أهمية شعور الناخب بمدى تأثير صوته الانتخابي في العملية الانتخابية، وكلما كان لصوت الناخب في العملية الانتخابية تأثيراً قوياً، كلما أكد هذا التأثير، أن المسيرة الديمقراطية تسير على نهج سليم في البلد الذي يعقد فيه الانتخابات، وكما أن للمشاركة الانتخابية أهمية كبرى في تعزيز الديمقراطية، والنهوض بالأوطان، فإن وجود نهج ديمقراطي، وسعي والتزام بالنهوض بالأوطان في كافة الميادين، يعمل أيضا على رفع نسبة المشاركة الانتخابية؛ لإدراك الناخب بأهمية صوته في تغيير مصير الشعب، ووضع الوطن في الاتجاه الصحيح، كما أن المشاركة السياسية لا تنبع من مجرد رغبة الناخب في ممارسة حقه الانتخابي، وإنما تنبع من الممارسات السليمة لفعاليات الانتخابات، حتى يتأكد كل مواطن من كونه، يمارس حقه في إدارة شؤون البلاد، دونما أية مؤثرات أو تدخلات تعوق أمر المشاركة أو تقوضه، أو تفرغه من مضمونه الحقيقي اللازم، هذا بخلاف حقوق المرشحين أنفسهم في ضمان نفاذ كامل للقانون، واحترام اختلافاتهم وتوجهاتهم السياسية أو انتمائهم الحزبي.