أيقظ سبت السابع من أكتوبر 2023، سبتاً من قرن مضى، وكأن نصف قرن لم يكن كافيا، حتى تتعلم إسرائيل الدرس الذي لقنه الجيش المصري في السادس من أكتوبر 1973.
أعادت عملية “طوفان الأقصى” التي اجتاحت الأراضي المحتلة برا وبحرا وجوا، مشاهد حرب أكتوبر في مثل هذه الأيام عام ١٩٧٣، وتحديدا في عطلة يوم السبت قبل خمسين عاما.
فرغم مرور نصف قرن على الحرب، إلا أن الجانب الإسرائيلي عبر وثائق الحرب، المفرج عنها طيلة تلك المدة، رفض الاعتراف القاطع بتعرضه للخداع، أو المفاجأة بشأن الحرب، مؤكدا أنه كان على علم مسبق بها عبر مصادره الاستخبارية، والتي يقول، إن من بينها مسئولين عرب.
هذه المرة ليس بإمكان منظومة الاستخبارات الإسرائيلية، أن تعلن، أنها كانت تعلم مسبقا بالهجوم المباغت الذي نفذه مقاتلو حركة المقاومة الفلسطينية حماس الذين اخترقوا السياج الحدودي بين قطاع غزة، ومستوطنات الغلاف قاطعين عشرات الكيلو مترات في العمق المحتل، مخلفين ورائهم أكثر من 300 قتيل، و1600 مصاب، بخلاف نحو 100 أسير، من جنود وضباط جيش الاحتلال، في عملية عملية طوفان الأقصى التي جاءت بمثابة زلزال، هز أركان دولة الاحتلال، وجيشها المصنف ضمن الأقوى في الشرق الأوسط.
إسقاط الأساطير الإسرائيلية
استطاعت المقاومة الفلسطينية، وفي صدارتها حركة حماس من فرض معادلة ردع جديدة، بعد المعركة التي حطمت خلالها مجموعة من الأساطير الإسرائيلية، في مقدمتها أسطورة الجدران العازلة والفولاذية.
فعلى مدار ثلاثة أعوام، بدءا من العام 2016، وحتى نهاية العام 2019، قامت إسرائيل ببناء جدار عازل بطول 65 كيلو مترا على امتداد الشريط الحدودي مع قطاع غزة، تحت الأرض ظنا منها، أن عناصر المقاومة سيلجأون إلى المرور عبر شبكة من الأنفاق تخترق العمق المحتل.
وكلف الجدار بحسب بيانات حكومية إسرائيلية حكومة الاحتلال 1.2 مليار دولار، وشارك به أكثر من 1200عامل، حيث تم إنشاء 6 مصانع للخرسانة على امتداد الشريط الحدودي مع القطاع، وتم استخدام 140 ألف طن من الحديد والصلب، وهو ما يعادل طول مقطع من الصلب، يمتد من إسرائيل إلى أستراليا.
وبلغت كمية الردم الناجم عن المشروع 330 ألف شاحنة، أي ما يزيد عن 3 ملايين متر مكعب، وتعادل كمية الخرسانة المستخدمة في تشييده حوالي 220 ألف شاحنة، أي ما يكفي لشق طريق من إسرائيل إلى بلغاريا.
ووضعت على طوله أجهزة استشعار، وكاميرات للكشف عن أي عمليات حفر، أو محاولات اختراق تحت الأرض.
وفوق الأرض يتجاوز ارتفاع الجدار الحديدي 6 أمتار، ويضم العشرات من أبراج المراقبة، والمئات من الكاميرات، وأجهزة الرصد والإنذار.
كما يمتد لعدة كيلومترات في البحر، ويدار عبر غرف مراقبة وعمليات، تحاكي مناورات هجومية وتسلل.
بعد هذا كله فوجئ جيش الاحتلال بعناصر المقاومة، تقتحم الحدود برا من فوق الأرض، وجوا من السماء عبر مجموعة من المظليين؛ لتنقل المعركة إلى العمق، والداخل المحتل في تطور نوعي، لم يحدث منذ نكبة 1948.
وحينما كان مقاتلو المقاومة الفلسطينية وحركة حماس يدوسون بأقدامهم أسطورة السياج الفولاذي، أسقطوا أسطورة منظومة الاستخبارات التي” تعلم دبة النملة ليس في الشرق الأوسط فقط، ولكن في مختلف أنحاء العالم” بحسب ما يتم الترويج له.
سبع ساعات كانت كفيلة بإنهاء اسطورة منظومة الاستخبارات الإسرائيلية، ومن خلفها حليفها الرئيسي الاستخبارات الأمريكية، حيث فشل الجهازان في معرفة، ما تخطط له حركة حماس المتواجدة في القطاع المكشوف، والمراقب على مدار 24 ساعة يوميا، وسط أعداد كبيرة من العملاء، ومنظومات التجسس، ومراقبة الاتصالات بكافة أشكالها.
مؤخرا ووفقا لمعلومات رسمية صادرة عن وزارة الدفاع الإسرائيلية، عُرضت خلال إحدى جلسات الكنيست، ارتفع بنسبة 25% عدد الدول التي تم السماح ببيعها أنظمة استخباراتية وسيبرانية، من 67 إلى 83 دولة في العام الماضي.
وفقا للواء دكتور أحمد الشحات خبير الأمن الإقليمي، ورئيس مركز شاف للدراسات المستقبلية، الذي تحدث لـ” مصر360″، فإن ما حدث كان بمثابة هزيمة استخباراتية كبيرة لجيش الاحتلال، وهو ما من شأنه، أن يؤثر على علاقات التعاون بين إسرائيل، وحلفائها من جهة، وعملائها الذين يقومون بالاعتماد عليها في تزويدهم بالأسلحة، وبرامج الاستخبارات من جهة أخرى.
الأمر نفسه، أكده اللواء دكتور سيد غنيم، الأستاذ الزائر بالناتو، قائلا ” إن هجوم حماس على التمركزات الإسرائيلية بالمستوطنات المحتلة في محيط غزة بأساليب، وتكتيكات غير نمطية مستغلة بمهارة شديدة عنصر المفاجأة في نفس يوم عيد الغفران اليهودي، كسر نفس، وشوكة إسرائيل مسبباً؛ جرحا مؤلما يوم 7 أكتوبر 2023، انطبقت ندبته مع ندبة جرح يوم 6 أكتوبر 1973، وزادت من عمقه وألمه”.
وأكد غنيم على فشل الاستخبارات الإسرائيلية، قائلا إن هناك خللا شديدا في نظام الاستخبارات العسكرية والعامة، وفي نظم التعبئة والقيادة والسيطرة، والقدرة على رد الفعل المنظم، ما أدى إلى إطلاق القوات الخاصة الإسرائيلية النار بالخطأ على بعضها البعض، بخلاف عدد القتلى والأسرى الإسرائيليين غير المسبوق.
ثمة تطور آخر مهم، يجب رصده في تلك الحرب، وهو قدرة حركة حماس على إسقاط قيادات عسكرية، وشرطية إسرائيلية بين قتيل وأسير، حيث أعلن جيش الاحتلال عن مقتل قائد لواء “نحال” الذي يعد أحد ألوية النخبة في جيش الاحتلال، في مواجهة مع أحد المقاتلين الفلسطينيين بالقرب من معبر (كرم أبو سالم) .
كما أعلنت وسائل إعلام عبرية، عن مقتل 3 من قادة الشرطة الإسرائيلية، خلال الهجوم على مستوطنات محيط غزّة.
وأفادت القناة 12 العبرية بمقتل قائد الشرطة الإسرائيلية في “رهط “جيار دافيدوف في هجوم لافتة إلى مقتل 3 من كبار ضباط الشرطة في الجنوب، سقطوا خلال الاشتباكات.
الضربة الأكثر قسوة في هذا الإطار، كانت تمكن «حماس»،من أسر قائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي نمرود آلوني.
أسطورة أخرى، أسقطها هجوم طوفان الأقصى، بعدما استباحت المسيرات الهجومية محلية الصنع سماء العمق الإسرائيلي، وهو ما أظهرته مقاطع بثها الإعلام العسكري التابع لكتائب القسام الذرع العسكرية لحركة حماس، وظهر خلالها مسيرتان، تقوم إحداهما بإسقاط قنبلة على تجمع لجنود الاحتلال، بينما ظهرت الأخرى تنفذ هجوما جويا ناجحا على إحدى الدبابات الإسرائيلية.
تلك الاستباحة، كشفت عن ثغرات عميقة في منظومة القبة الحديدية التي تتفاخر بها إسرائيل، وتتنافس كبريات الجيوش العالمية على اقتنائها.
ماذا بعد؟
ما حدث في سبت السابع من أكتوبر، حتما سيكون له ما بعده، فتلك المواجهة، ليست كسابقاتها من المواجهات بين إسرائيل ،والمقاومة الفلسطينية، إذ أن النتائج المترتبة عنها قد تتجاوز حدود مناطق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
فالمنطقة برمتها، ستكون أمام ترتيبات جديدة، مبنية على نتائج حرب طوفان الأقصى، وهو ما يؤكده خبير الأمن الإقليمي أحمد الشحات الذي يؤكد، أن التطبيع العربي الإسرائيلي سيكون في مرمى التداعيات التي ستخلفها الحرب، مؤكدا أن الأيام المقبلة ستشهد تباطئا في مسار التطبيع بين تل أبيب، وعدد من العواصم العربية التي انخرطت معها في مفاوضات من أجل؛ تطبيع العلاقات.
في الإطار ذاته، يرى الأستاذ الزائر بالناتو اللواء دكتور سيد غنيم، أن مفاوضات التطبيع بين إسرائيل، والمملكة العربية السعودية ستتأثر أيضا بما حدث، لافتا إلى استغلال إيران التي تلعب دورا في دعم الفصائل الفلسطينية، لنتائج العملية، قائلا: ” يبدو أن إيران تنجح في عرقلة مسارات التطبيع السعودي الاسرائيلي”.
وأشار غنيم إلى استفادة سعودية، مؤكدا أن ” ثقل السعودية سيزداد في مفاوضات التطبيع أمام إسرائيل”.
أما على صعيد الداخل الإسرائيلي، فإن الفشل الذريع للحكومة الإسرائيلية، والذي فضحه هجوم المقاومة، زاد من هشاشة الائتلاف الحكومي في إسرائيل، ربما يعجل خلال الأيام القادمة بإنهاء؛ المسيرة السياسية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وتشكيل حكومة جديدة.