على الرغم من أن كثيرين حتى من قوى المعارضة ليسوا من أتباع أحمد الطنطاوي المرشح المحتمل للرئاسة، إلا أن هؤلاء وغيرهم كثيرين– أيضًا- يتساءلون لماذا تخشى السلطة من أحمد الطنطاوي مرشحًا في الانتخابات؟. الحديث عما يسميه البعض في أروقة السلطة بخواء أحمد “النطعاوي” فكريا وسياسيًا، هو من ذات قبيل، ما يطلقه الإخوان المسلمين من عبارات سيئة تقليدية على المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي. وكل هذه العبارات لهذا وذاك مسيئة، ولا يمكن أن يقبلها أي باحث، أو متابع نزيه أو مؤسسة إعلامية محترمة.

وقبل أن نجيب على سؤال، لماذا ترفض السلطة أحمد الطنطاوي مرشحًا؟ من المفيد أن نشير إلى بعض ما تناولته وسائل إعلام السلطة قدحًا في المرشح المحتمل، والذي يعتقد كثيرون، أنه رغم نشاطه الكبير، فإنه– نتيجة هذا المناخ غير الديمقراطي- لن يستطع أن يجمع التوكيلات المطلوبة.

بداية سعت السلطة إلى تهديد المرشح في أكثر من مرة، أثناء وجوده في لبنان الأشهر الماضية، عبر عديد الرسائل التي حملت نوعًا من الزجر والردع، إذا ما أقدم على الترشح في الانتخابات، فقامت باعتقال أقارب المرشح لأسباب واهية، ولم يفرج عن هؤلاء إلا بعد أن قامت حملات كثيرة، بعضها كان من خارج مصر، تنتقد مسلك السلطة، وتعتبره نوعًا من التهديد غير المبرر، وانتوائها إدارة انتخابات غير نزيهة.

وعقب عودة المرشح المحتمل إلى مصر، وقيامه بعديد المقابلات مع المواطنين والنخبة وقادة الرأي والأحزاب، خاصة من داخل الحركة المدنية، كانت هناك متابعة دقيقة لكافة تصريحاته ومواقفه. المؤكد أن أكثر ما أثار منتقدي “الطنطاوي”، هو ما ذكره من إمكانية فتح المجال لعودة الإخوان إلى الساحة، إذا ما فاز في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وقد جاءت تصريحاته، رغم أن تلك الجماعة سبق أن لفظها النظام، وجزء معتبر من المجتمع، عقب الانتكاسات العديدة التي قاموا بها إبان حكم استمر عاما، والتي كان جزء منها يسأل عنه من هم خارج نخبة الحكم الإخوانية وقتئذ، والذين سعوا أيضا؛ لإفشالهم (قطع الكهرباء والوقود نموذجًا).

مقابل ذلك كله، ذكر المرشح المحتمل، أن هاتفه الجوال تعرض؛ لاختراق من قبل السلطة عبر برنامج إلكتروني. وذكرت التقارير الصحفية، أن مختبر “ستيزن لاب” الكندي المختص بمراقبة أمن الإنترنت، كشف أنه تم استهداف هاتف “الطنطاوي” ببرنامج تجسس إلكتروني. وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أن “محاولات التجسس” تمت عبر برنامج “بريداتور” باستخدام طريقة هجومية، تدعى “يوم الصفر”. وقالت الصحيفة، إن تلك الطريق خطيرة بشكل خاص، لأنها تستفيد من الثغرات الأمنية التي لم يتم اكتشافها بعد، مما يمنح المخترق الوقت اللازم؛ للوصول المستمر لهاتف الضحية قبل سد تلك الثغرة. وكان بائع برامج التجسس المتطورة  Cytrox، ذكر أنه يبيع منتجاته فقط للوكالات الحكومية. ونظرا لأن مصر أحد عملاء بريداتور المعروفين، ولأن إحدى محاولات الاختراق تمت بواسطة جهاز موجود فعليا داخل مصر، فقد قال سيتيزن لاب، إن لديه “ثقة عالية”، في أن الحكومة المصرية كانت مسئولة عن الهجوم.

علاوة على ما سبق، تناولت وسائل التواصل الاجتماعي من كل حدب وصوب، سواء المؤيدة للمرشح أو المحايدة، عديد التجاوزات في جمع التوكيلات الشعبية التي راهن عليها، بعد أن استشرف عدم قبول نواب البرلمان تأييده في هذا المسلك، لا سيما بعد أن سبقه إلى تلك الوسيلة المرشح المحتمل فريد زهران. وقد وصلت حدة التجاوزات في جمع التوكيلات إلى حد أزكم الأنوف، وعلى مسمع ومرأى من الهيئة الوطنية “المستقلة” للانتخابات التي لم تحرك ساكنا، سواء بتقرير مكاتب شهر عقاري معينة لمرشحى المعارضة الثلاث المناوئين للرئيس، أو حتى بتعديل الجدول الزمني للانتخابات، بحيث ينتقص من مدة الحملة الانتخابية للمرشحين في جولة الإعادة، والبالغة 19 يوما، والاكتفاء مثلا بعشرة أيام. جدير بالذكر أن الحملة الانتخابية في جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة الماضية عام 2012 و2014 و2018، كانت على التوالي 15، و12، و9 يومًا.

يبقى السؤال لماذا تخشى الدولة من أحمد الطنطاوي؟

بداية يرى الكثيرون، أن “الطنطاوي” مرشح ضعيف الخبرة بالعمل السياسي، وأنه فكريا ربما يكون غير مرتب ومرتبك، كما يبدو في حوارته مع وسائل الإعلام المختلفة، إلا أن هؤلاء أنفسهم يرون، أن مصدر قوة الطنطاوي، تبدو أنه المرشح المحتمل الوحيد المقنع للكثيرين الذين سيصوتون تصويتًا عقابيًا، ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي. فهو الشخص الذي عرفوه، منذ أن كان عضوًا مشاغبًا في برلمان خلت المعارضة منه إلى حد كبير، وهو الشخص الذي كان يجاهر، دون مواربة بعدائه لسياسات، وتوجهات نظام 30 يونيو 2013، كما أنه هو أول من أعلن عن ترشحه للانتخابات ضمن كافة المترشحين الحاليين.

إضافة إلى ذلك، يعتبر الكثيرون أن مغازلة “الطنطاوي” للإخوان في الأسابيع القليلة الماضية، ستعطي له الفرصة؛ للإيعاذ لمؤيديهم في المحافظات بمنح التوكيلات له، ومن ثم التصويت له بكثافة في الانتخابات القادمة، وهذا الأمر يشي مع سلبية العديد من المصريين في الذهاب إلى صناديق الاقتراع، إلى حصول “الطنطاوي” على رقم معتبر في الانتخابات القادمة بسبب؛ حشد الإخوان له، سواء كرد فعل لمغازلته لهم، أو كنكاية في عدوهم اللدود عبد الفتاح السيسي.

وأخيرًا وليس آخرا، إذ أضيف لما سبق، أن الخطاب الذي يحمله “الطنطاوي” يتميز بأمرين: الأول، أنه خطاب معبأ بالوعود على عكس خطاب السيسي الممتلىء بانجازات الماضي فقط. والثاني، أنه خطاب منتقد بشدة السياسات الحالية التي أفضت إلى ديون خارجية تجاوزت الحد المرتبط بالناتج القومي الإجمالي، وخفضت من قيمة العملة المحلية، ورفعت أسعار السلع والخدمات بعد زيادة نسبة التضخم لما فوق الـ 40%، ناهيك عن أنها سياسات ساهمت في زيادة معدلات الفقر بين المصريين، وأفضت إلى فاتورة 24 مليار دولار كخدمة الدين واجبة السداد عام 2024…إلخ.

كل ما سبق يجعل السلطة، تخاف أشد الخوف من المرشح “الطنطاوي”، رغم ما يعتبره الكثيرون، وبعضهم من غير المعارضين له، أنه شخص سطحي الفكر والأداء.

على أيه حال، وأيان كان الموقف، فإننا مطالبون، أن نقف مع النفس، وننظر إلى الوراء قليلا، لندرك أن أحد أبرز أسباب حركة 25يناير2011 ،هو تزوير إرادة الناخبين في انتخابات 2010 البرلمانية. بعبارة أخرى، أن الانتخابات كوسيلة معتبرة لتداول السلطة، لا زالت هي الوسيلة السلمية الوحيدة في النظم السياسية المتمدينة اليوم للتداول السلمي، وما دونها على الأرجح لن يدخل إلا ضمن باب الفوضى، والثورة على الأوضاع.