طوفان الأقصى.. هذا هو اسم العملية التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية، وفي المقدمة منها حركة حماس، ضد الاحتلال الإسرائيلي، صباح السبت السابع من أكتوبر، بيد أنه كان اسم على مسمى، حيث أغرقت المقاومة العمق الإسرائيلي في مستوطنات غلاف قطاع غزة بالمقاتلين، وسياسيا وأمنيا، أغرقت المقاومة إسرائيل في الفوضى، والارتباك جراء الهجوم الضخم والمباغت، الذي تجاوز أي توقعات وسط جدل واسع في الأوساط العسكرية والسياسية بشأن؛ الأهداف من وراء هذا الهجوم، ونتائجه المتوقعة على الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط برمتها.

ففيما يدفع فريق يتبنى نظرية المؤامرة، بأن هناك هدفا خفيا وراء تلك العملية التي بدا خلالها جيش الاحتلال المصنف ضمن العشرة جيوش الأقوى عالميا، منهارا أمام مقاتلي المقاومة الفلسطينية، يرى فريق آخر، أن ترتيبات وتخطيطا فصائليا إيرانيا، جرى منذ فترة بشأن ذلك الهجوم، فيما تعلن حركة حماس، وشريكتها الجهاد الإسلامي، أن العملية التي شنتها تهدف بالأساس؛ لوضع حد للانتهاكات، والعربدة الإسرائيلية تجاه المقدسات في أعقاب الاقتحامات المتتالية للمسجد الأقصى من جانب جنود الاحتلال، خلال الأيام الأخيرة، وكذلك الانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال في إطار إقرار معادلة ردع جديدة في الصراع بين المقاومة والاحتلال، وفرض القضية الفلسطينية على موائد التفاوض، بعدما وصلت مرحلة الموت السريري في ظل إهمال الكثير من الدول والقوى العربية لهذه القضية المركزية.

ربما يكون للطرح الخاص بتعاون إيراني فصائلي، وجاهته ومبرراته بحكم المصالح المشتركة في الوقت الذي ترغب فيه إيران، بمعاقبة إسرائيل على كافة العمليات التي نفذتها في العمق الإيراني تجاه المسئولين عن الملف النووي، كما تسعى طهران والمقاومة أيضا إلى عرقلة مسار التطبيع  العربي الإسرائيلي، والذي حتما يؤثر سلبا على القضية الفلسطينية، إلا أن ارتكان البعض إلى نظرية المؤامرة بوجود هدف خفي مثل، فتح المجال لمخطط “الوطن البديل في سيناء لسكان غزة ” ربما تشترك فيه إسرائيل أيضا، يمثل إجحافا لحق المقاومة التي خططت، ونفذت العملية العسكرية بمهارة، وحرفية شديدة، أقر بها كبار الخبراء العسكريين، رغم فروق القوة بينها وبين جيش الاحتلال، وسط خطة خداع استراتيجي، وضعت سمعة منظومة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية على المحك.

أهداف حماس المعلنة

أكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، أنّ السبب المركزي، والأساس لهذه العملية هو ما وصفه، بـ “العدوان الصهيوني الإجرامي الذي تم على المسجد الأقصى المبارك، وبلغ ذروته، خلال الأيام الماضية”.

وأشار إلى قيام “آلاف المستوطنين المجرمين الفاشيين بتدنيس مسرى الرسول، وأدائهم صلواتهم فيه تمهيداً؛ لفرض السيادة الصهيونية عليه”، مؤكداً أنّ حماس كانت على علم بأنّ الاحتلال ذاهب نحو هذه الخطوة.

وهو ما أكده أيضا القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري للحركة، محمد الضيف، موضحا أن العملية تأتي “رداً على عربدة الاحتلال في المسجد الأقصى، وسحل النساء في باحاته”.

من جانبه قال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، إن “هناك معلومات وصلت للمقاومة عن نية الاحتلال تنفيذ هجوم كبير على المقاومة الفلسطينية بعد الأعياد، وكان القرار استباق الحدث وضرب العدو الصهيوني بشدة”.

حديث المؤامرة

من جانبه، ذهب الدكتور حسام بدراوي السياسي المعروف، إلى منحى بعيد عبر تساؤل بشأن؛ ما إذا كانت مصر ستتحمل أعباء جراء المعركة في نهايتها أم لا.

وقال بدراوي في رؤية تم تداولها بشكل واسع على جروبات للسوشيال ميديا، “ينتابني الشك في أهداف هجوم حماس الواسع، وعدد القتلى الإسرائيليين، فلن أثق في قيادة حماس، ولا في نياتهم واحتمالات اتفاقاتهم التحتية غير البريئة تجاه مصر”.

ووفقا لرؤية بداروي، فإنه من تبعات العملية الجارية سيكون ردا إسرائيليا واسعا، “مما قد يخلق ضغطا للهروب خارج الحدود إلى مصر، ونواجه موقفا مرعبا بمليون أو أكثر من الفلسطينيين علي حدودنا، لا نملك عدم استقبالهم، ولا نملك أسلوب؛ لمنعهم إلا بالقوة، وهو ما سيضع مصر  في موقف حرج وصعب جدا.

ويعتقد بدراوي، أن امتلاء سيناء بمليون أو أكثر من الهاربين من قصف اسرائيل؛ لغزة قد يكون أحد الأهداف الرئيسية لهذه الحرب المفاجئة، لوضع مصر في هذا الوقف بحد تعبيره، وذلك كخطوة نحو تنفيذ أحد أهداف إسرائيل، والغرب بأن تصبح شمال سيناء وطنا بديلا للفلسطينيين.

من جانبه، لايتفق الخبير العسكري والاستراتيجي، لواء دكتور سيد غنيم، زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا، والأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل، مع الطرح الخاص بنظرية المؤامرة، أو بدور إسرائيلي وراء العملية بأي شكل من الأشكال.

في السياق ذاته، أكد قيادي بارز في حركة حماس، أن الحديث عن قبول حماس بفكرة الوطن البديل، أو أن عملية طوفان الأقصى هي إحدى الأدوات المستخدمة من أجل ذلك، أمر خيالي، وليس حقيقيا تماما.

وشدد القيادي الذي تحدث لـ ” مصر360″ رافضا ذكر اسمه كونه غير مخول له التصريح لوسائل الإعلام، إن من يجيد قراءة وتحليل الأحداث جيدا، سيدرك أن ما قامت به حماس لا يهدف للحصول على وطن بديل من أراضي مصرية، لكنه في المقابل يعمل على استعادة، وتحرير أراضي فلسطينية، وتوسيع رقعة الأراضي المحررة، لافتا إلى أن ذلك الهدف سيتضح، خلال الأيام والشهور المقبلة .

وتابع: خلال كافة المناسبات، تم التأكيد على أن أية حلول من شأنها فرض الأمر الواقع، وهو ما يعلمه كبار المسئولين في مصر، الذين يعرفون جيدا نوايا المقاومة الفلسطينية، مشددا على أن المدقق في عملية طوفان الأقصى سيعلم، أنها في صالح مصر وليس العكس، مؤكدا في الوقت ذاته، على أن حماس لا تحمل سوى الخير لمصر وأهلها.

دور إيراني؟

من بين الأطروحات الخاصة بأهداف عملية طوفان الأقصى، هو ذلك الطرح الذي يشير إلى ثمة تنسيق، وتعاون بين حماس والجهاد من جهة، وإيران من جهة أخرى.

في هذا الصدد، زعمت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية الأحد، أن مسؤولين أمنيين في إيران ساعدوا حماس في التخطيط للهجوم المفاجئ، ضد إسرائيل، و أعطوا “الضوء الأخضر”؛ للهجوم خلال سلسلة اجتماعات، عقدت في بيروت، كان آخرها الاثنين الماضي.

ووفقاً للصحيفة الأمريكية، فإن ضباطاً في الحرس الثوري الإيراني يتعاونون مع حماس، منذ أغسطس/ آب؛ للتخطيط للهجوم المشترك ضد إسرائيل.

في المقابل، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مقابلة مع شبكة CNN، إنه “لا يوجد دليل على، أن إيران وجهت هذا الهجوم، أو تقف وراءه”.

قبل أن يعود ليشير، إلى أنه ” من الممكن، أن يكون جزء من دوافع حماس، هو  عرقلة محادثات التطبيع مع السعودية” قائلا،  “إن محادثات التطبيع بين السعوديين والإسرائيليين، بوساطة واشنطن، يمكن أن تكون جزءًا من سبب مهاجمة حماس لإسرائيل، خلال عطلة نهاية الأسبوع”.

 تلاقي مصالح وليست إملاءات

من جانبه يشير اللواء دكتور سيد غنيم إلى دلالة الوقت، والمناخ السياسي والدولي الذي جاء فيه ” الهجوم الاستراتيجي”  كما يسميه.

ويرى غنيم، أن حماس شنت هجومها الاستراتيچي على إسرائيل في وقت، تتصالح فيه مع العالم العربي في إطار الاتفاق الإبراهيمي، خاصة وأن السعودية تتحدث حالياً عن تطبيع العلاقات معها أيضاً، موضحا ” كجزء من هذه الصفقة المحتملة، تضغط واشنطن على السلطة الفلسطينية في الضفة – عدو حماس”.

ويتابع الأستاذ الزائر بالناتو، أنه” لذلك كانت هذه فرصة لحماس بدعم إيراني لعرقلة العملية برمتها، والتي أعتقد أنها كانت تشكل تهديدًا عميقًا لكليهما”.

واستدرك غنيم، “هذا لا يعني أن هذا هو الهدف الوحيد، أو الرئيسي من الهجوم لحماس، ولكنه يرتبط بتوقيت الهجوم، والمناخ السياسي والأمني المحيطين به”.

ويفرق زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا بين الإملاءات، والمصالح المشتركة في العلاقة بين حماس وإيران قائلا: “هناك فرق بين أن حماس تتصرف بإملاءات من إيران، وبين أنهم يتصرفون بالتنسيق معها مقابل، الاستفادة من دعم طهران؛ لتحقيق أهداف مشتركة مرتبطة بالمناخ والتوقيت”.

ويضيف “لكليهما مصلحة مشتركة في تعطيل التقارب العربي الإسرائيلي، وخاصة مع السعودية، بهدف إحراج موقفهم، وإثبات أن حماس وإيران هما القادرتان على إلحاق الهزيمة العسكرية بإسرائيل، أو مواجهتها على الأقل، ومن ثم فالتطبيع مع إيران والتعاون مع حماس أفضل من التطبيع مع إسرائيل، والتقارب مع السلطة الفلسطينية في الضفة، وهذا من منطلق، أن إيران وحماس يرون، أن العالم، وخاصة دول الخليج تتحرك من مبدأ القوة، والأهم، أن يعود العالم لاعتناق فكرة، أن السبب في عدم استقرار الشرق الأوسط، والأقاليم المحيطة هو عدم العدالة، أو الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وليس إيران،  كما تعتبرها إسرائيل والولايات المتحدة”.

في الخلاصة، يمكن القول، إنه ربما يكون هناك تفاوت، وتباين في الرؤى بشأن؛ أهداف عملية طوفان الأقصى، لكن ما لا يمكن الاختلاف عليه، أنها باتت علامة فارقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وليس الفلسطيني الإسرائيلي فقط، حيث أن تداعياتها المرتقبة من شأنها، أن تعيد رسم خريطة اهتمامات الشرق الأوسط، وربما إعادة صياغة التحالفات الإقليمية في المنطقة.