الحق في الانتخاب هو ذلك الحق الذي يُمَكن المواطنين الذين تتوافر فيهم الشروط القانونية، من المساهمة في اختيار الحكام، وفقا لما يرونه صالحا لهم، أو وفق ما تمليه عليهم ميولهم أو انتمائتهم السياسية وقناعاتهم الفكرية، وذلك الحق هو حق شخصي للمواطنين؛ لتمكينهم من المساهمة في الشؤون العامة للبلاد، وإدارتها، وهو حق ذات صلة بالوظائف الاجتماعية للأفراد، تؤكد على دورهم الاجتماعي.

وتختلف النظم الاجتماعية، ما بين نظام سياسي وآخر، ولكن جميعها تصب في ضمان حق الانتخاب أو الاقتراع، سواء كان مباشرا أو غير مباشر، وسواء كان علنيا أو سريا، أو مقيدا أو عاماً، كما تختلف أساليب الانتخاب، ما بين كل واقعة تقتضي توظيف ذلك الحق، وأهم تلك الأحداث، أو المناسبات السياسية التي يُمارس فيها حق الانتخاب، تكون في انتخابات المجالس النيابية، أو انتخابات رئاسة الجمهورية، وهذا أيضا  يعني تمكين المواطنين الذين تتوفر فيهم الشروط القانونية من المساهمة في اختيار الحكام وفقا لما يحقق مصالحهم من كافة النواحي.

وقد أكد على ذلك الحق الاتفاقيات الحقوقية بداية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ثم تأكيد ذلك من خلال العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعديد من الاتفاقيات الإقليمية، ثم أكدته الدساتير كحق مطلق، يدور ما بين الحق العام والخاص لكونه مرتبط بالعديد من الحقوق الأخرى، بداية من المشاركة في الشأن العام، وإدارة شؤون البلاد، وحرية الرأي والتعبير، وهو بشكل أعم يعد نهاية المطاف في الحقوق السياسية جميعها، لكونه يختصر مدى سريانها واحترامها، ومدى تمتع المواطنين بها بشكل طبيعي.

وتحدد الدساتير والقوانين الانتخابية، بجانب وضعها بدقة للشروط المتعلقة بحق الانتخاب، الموانع التي تحول بين المواطنين، وممارسة حقهم في الانتخاب، وذلك لأسباب، تتصل بسلامتهم العقلية أو من أجل؛ ارتكابهم جرائم، أو أنهم لم يستردوا حقوقهم بعد الحكم بتفليسهم، أو بحكم المهن التي يمارسونها. فبالنسبة للموانع التي تتعلق بالحالة العقلية للمواطن. فالقوانين الانتخابية، تنص على أن تقف ممارسة الحق الانتخابي بالنسبة للمحجور عليهم مدة الحجر، والمصابين بأمراض عقلية المحجورين مدة حجزهم.

والحق في الانتخاب بشكل حقيقي، ومعبر عن إرادة المواطنين، يقتضي أو يتطلب العديد من الضمانات الواقعة على عاتق السلطة، بما يضمن عدم التأثير على إرادة المواطنين، أو توجيه تصويتهم بشكل أو بآخر، ويجب أن تكون هناك رقابة محايدة على مجريات عمليات الانتخاب، وترمي الرقابة التي تمارس على العملية الانتخابية على مستوى كل مراحلها بصفة عامة إلى ضمان حق الانتخاب، سواء على مستوى إعداد القوائم الانتخابية” في حالة الانتخاب بالقائمة”، أو ضمان التعامل على قدر من المساواة، والإنصاف بين المرشحين الفرديين، وذلك من خلال احترام مبدأ المساواة، وفتح باب الطعن تجنباً؛ لأبعاد المواطنين من المشاركة في الحياة السياسية التي ضمنها الدستور، أو على مستوى حق الترشح الذي يجب، أن يكون حراً ويمارس في نطاق احترام مبدأ المساواة، وبصفة مماثلة بين كل المواطنين، وفتح المجال أمام المرشحين للمطالبة بإلغاء القرارات الباطلة التي يمكن أن تحرمهم بصفة غير قانونية من المشاركة في المنافسات الانتخابية، أو على مستوى الإعلان عن النتائج، من خلال التثبت من صحتها وسلامتها من قبل هيئات، تفصل في المنازعات الانتخابية، وتسهر على فرض احترام الضمانات الضرورية؛ لممارسة حق الانتخاب بكامل الحرية، وفي نطاق احترام المقتضيات الدستورية.

غير أن هذا الحق لا يمكن، أن يتجسم ويمارس بصفة سليمة بالرغم عن بعض الثغرات، والنقائص التي تعرفها عملية الرقابة على الانتخابات، إلا إذا توفرت عدة شروط نخص بالذكر منها التزام الدولة باحترام القانون، وبحماية الإنسان وحرياته.

ولما كان الواقع المصري يفرض تلك الحالة، بحسب أننا على أعتاب الانتخابات الرئاسية، تلك التي تمثل أرفع منصب في السلطة التنفيذية، فإنه يجب، وبشكل قاطع، أن تسعى الهيئة الوطنية للانتخابات إلى فرض سلطتها بشكل كامل على مجريات العملية الانتخابية، منذ بدايتها بشكل عادل ومتساوٍ، ما بين جميع المرشحين، وبما يضمن، أن الناخبين سيجدون المناخ المناسب؛ لممارسة حقهم الدستوري، وهذا الحق ينطلق وفق المنظومة القانونية للانتخابات، منذ لحظة فتح باب التوكيلات، وتنتهي بفرز أصوات الناخبين وإعلان النتيجة.

ووفقا للخطوات العملية للانتخابات، فإن حيادية السلطة تجاه المرشحين والناخبين تُعد هي القاسم الحقيقي الفاصل، والمعبر عن مدى قناعة السلطة بكونها حارسة للديمقراطية، وبكون من سيفوز في السباق الانتخابي، ما هو إلا ممثل للسلطة التنفيذية، وقائم على رأس الحكومة منفذا لقوانينها، ومسيراً لأمورها، ذلك ما يفرض عليها في حالة الانتخابات، إجراءات بعينها حيال الناخبين والمرشحين، تلك الخطوات لا تخرج عن صحيح القانون، بما يعني تمكين الناخبين والمرشحين من هدفهم.

ولما كنا نتكلم عن الناخبين، فإن الأمر، وإن كان يخرج عن إطار الحكومة بعض الشيء، ويمتد بأثره إلى الأحزاب والنقابات وكافة القوى الفاعلة في المجتمع، إلا أن الأصل يخص السلطة الحاكمة بحزبها الحاكم، والمسيطر على الأغلبية النيابية، وبالتالي فهو المسيطر على مقدرات السلطة التنفيذية، فإنه لا بد عليه أن يقف على مسافة واحدة من كافة المرشحين، بما يضمن ألا يستميل الناخبين بشكل من الأشكال جبراً، كان أم ترغيباً، بما يضمن أن يدلي الناخبون بأصواتهم بكامل إرادتهم وحريتهم، وهو الأمر الذي يعني، أن تأتي نتيجة الانتخاب، بما يعبر عن حقيقة التصويت، ويبدأ حق الناخبين في تصويتهم بداية من الإعلان عن فتح باب الترشيح، وحصول المرشحين لانتخاب الرئاسة على التوكيلات اللازمة؛ لضمان خوضهم المعترك الانتخابي، ويمتد إلى مرحلة التصويت، وهي المرحلة الحقيقية التي يبدو فيها أهمية الصوت الانتخابي، وهي المرحلة الشائكة التي تبدو فيها المؤثرات بشكل أكثر وضوحاً، وتأتي تلك المؤثرا من خلال استمالة الناخبين، سواء كان ذلك وعيداً أو تهديداً، وإن كانت المغريات تكثر في هذه المناسبات.

وقد مر على الواقع السياسي المصري العديد من الانتخابات التي تم استخدام المال السياسي فيها بشكل فاضح، وكان ذلك أكثر من مرة في الانتخابات النيابية، وقد شهد بذلك العديد من المراقبين، والتقارير التي أصدرتها المنظمات الحقوقية، وهو ما عبر خلال تلك الانتخابات، بأنها لم تكن نزيهة بشكل أو بآخر، كما أن الأمر يمتد إلى مرحلة الفرز حتى إعلان النتيجة.

وهنا أهيب بكل من له علاقة من قريب أو بعيد بالانتخابات الرئاسية القادمة، أن يسعى إلى إعلاء القيمة الحقيقة لمفهوم الانتخابات، وتفعيل مدلول العدالة الديمقراطية، بما يضمن حقيقة أن يحكم الشعب نفسه بإرادته.