في إطار التوجه العام والمهيمن ذو المسحة العنصرية الفاقعة للإعلام الغربي المؤيد للجرائم الإسرائيلية ضد العرب الفلسطينيين في غزة نشرت مجلة الإيكونوميست الشهيرة افتتاحية تحليلية عبرت فيها عن رؤيتها لنتائج الحرب البرية المنتظر أن تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة. وقد حصرت توقعاتها لنهاية هذه الحرب بين سيناريوهين الأول هو “الفوضى” أما الثاني فهو “الاستقرار الإقليمي” بحسب تصورها والذي هو في جوهره استقرار جوهره وأساسه الخضوع لإسرائيل. وإلى ترجمة الافتتاحية ذات الطابع التحليلي.
يتساءل التحليل هل تحقق الحرب الإسرائلية أهدافها،وتصنع الاستقرار.
يقول التحليل: في ظل صراع جامح دام لعقود من الزمن، بما في ذلك السنوات العشرين الماضية، قد يكون من الصعب تصديق إمكانية حدوث تغيير حقيقي للوضع القائم بين إسرائيل والفلسطينيين.
لكن الأسابيع المقبلة ستحدد، ما إذا كانت الحرب في غزة ستؤدي إلى إغراق الشرق الأوسط في حالة من الفوضى، أو ما إذا كانت إسرائيل قادرة على البدء في إرساء أسس الاستقرار الإقليمي.
فى هجوم حماس، قُتل أكثر من 1200 إسرائيلي، معظمهم من المدنيين، قتلوا في منازلهم والشوارع، والكيبوتسات “المستوطنات”، ومهرجان موسيقى. والعديد منهم من النساء والأطفال، وربما احتجز 150 آخرين في غزة.
وانهار أيضا اعتقاد إسرائيل بقدرتها على إدارة العداء الفلسطيني، إلى أجل غير مسمى بالمال والضربات الجوية، ولا مجال هنا؛ لتراجع حماس، منذ أن اخترقت أول جرافة تابعة لها السياج الأمني.
حاليا، تنتظر غزة هجوماً برياً إسرائيلياً ضخماً، وسيحدد مدى الهجوم، ونجاحه الإرث الذي خلفه هجوم حماس، فهل سيواجه الساسة الإسرائيليون، إذن الاختيار الأساسي الذي يواجهه، بعد أسوأ كارثة في تاريخ بلاده؟
هل يتحدون أم يستمرون في استغلال الانقسامات؛ لتحقيق مصالحهم الخاصة؟ أما العامل الثالث، هو اختيارات جيران إسرائيل في الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران.
الهجوم البري وضبط النفس
وفي الأسابيع والأشهر المقبلة، يتحمل قادة إسرائيل مسئولية ثقيلة؛ لتخفيف رغبتهم فى الانتقام، وسيضعون في الاعتبار، حسابات متشددة حول مصالح بلادهم على المدى الطويل واحترام قواعد الحرب.
يجب ألا يضاعفوا أخطائهم، لقد تركوا شعبهم عرضة للخطر؛ بسبب فشلهم في توقع هجوم حماس، ولا ينبغي الفشل في رؤية المستقبل بوضوح للمرة الثانية.
سوف تقوم القوات الإسرائيلية بضرب حماس بقوة وبعمق، ولكن ما مدى العمق وما مدى الصعوبة؟ سوف تميل إسرائيل إلى إطلاق العنان؛ لنوبة من العنف المرضي لفترة وجيزة، وقد وصف وزير دفاعها مقاتلي حماس، بأنهم “حيوانات بشرية”، وأعلن فرض حصار على الغذاء والمياه والطاقة.
كما لجأ المسئولون الإسرائيليون – والرئيس الأمريكي جو بايدن – إلى مقارنة حماس بتنظيم الدولة الإسلامية،داعش، وهي الجماعة الإسلامية التي تعهدت أمريكا بالقضاء عليها.
وتشكل هذه المقارنة خطورة، لأنه على الرغم، من أن حماس تستحق الاستئصال، إلا أن تحقيق هذا الهدف في جيب يضم مليوني شخص من الفقراء الذين لا يجدون مكاناً للفرار إليه، سوف يكون مستحيلاً.
والمقارنة الأفضل من تنظيم الدولة الإسلامية، هي هجمات 11 سبتمبر 2001، ليس فقط؛ بسبب معاناة إسرائيل، بل وأيضاً، لأن الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، يظهر مدى تصاعد تكاليف الغزو ــ وهي على وجه التحديد حسابات أيضا لحماس.
يصبح ضبط النفس بالنسبة لاسرائيل أكثر أهمية من أي وقت مضى. وهو يصب في مصلحتها، لأن القتال في الشوارع أمر محفوف بالمخاطر، كما يجعل ضبط النفس، العملية مستدامة عسكريا، ويحافظ على الدعم الدولي، خاصة وأن إسرائيل يجب أن تتشبث بهويتها كدولة، تقدر حياة الإنسان، وهو ما يجعلها أقوى.
إن ضبط النفس في الهجوم البري يعتمد على اختيارات الساسة الإسرائيليين، والذين كانوا قبل الحرب يمزقون البلاد؛ بسبب قانون جديد، يقيد المحكمة العليا، أما في الوقت الحالي، أعاد الحزن والرعب الناس إلى بعضهم البعض.
تحديات توسع الحرب
من جانبه، يلوم اليسار حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، ويتهمها، بسبب قانون القضاء، بتسميم العلاقات مع الجيش وأجهزة الأمن، إضافة إلى إهمال الأمن في غزة، ومساعدة المستوطنين في الضفة الغربية على ثبيت وضعهم.
وكانت دعوة المعارضين لنتنياهو بالعصيان المدني في إسرائيل بمثابة ضوء أخضر لحماس.
اليوم، يجب على نتنياهو، الذي يتحمل مسئولية ضربة حماس، أن يستخدم حكومة الحرب التى أعلن عنها هذا الأسبوع، لتوحيد إسرائيل، بالإضافة إلى إنهاء مسيرته السياسية، بعد أن أمضى حياته سعياً إلى السلطة بأي ثمن، وبذلك يضع رئيس الوزراء بلاده أولا قبل مصالحه الشخصية.
وجود حكومة وسطية موحدة، سوف تكون في وضع أفضل؛ للتعامل مع التحديات، حيث ستتعرض إسرائيل لخطر داهم، إذا امتدت الحرب في غزة إلى حدودها الشمالية مع لبنان، حيث التوترات مع حزب الله، والتي تتصاعد بالفعل، بشكل ينذر بالسوء، وكلما طال أمد القتال، شعر حزب الله، بأنه من الواجب دعم إخوانه فى غزة.
وأيضاً احتمال نشوب حرب مع إيران التي حلت محل الحكومات العربية، باعتبارها راعية (العنف الفلسطيني)، ومن شأن حرب أوسع نطاقا، أن تدمر الانفراج الذي بني على اتفاقات إبراهيم بين إسرائيل وجيرانها العرب، بما في ذلك البحرين والمغرب والإمارات، وربما المملكة العربية السعودية.
ويرمز هذا التجمع إلى شرق أوسط جديد، يتسم بالواقعية، ويركز على التنمية الاقتصادية، بدلاً من الأيديولوجية. وهو لا يزال غير مكتمل، ولكنه يتمتع بالقدرة على التحول إلى قوة للاعتدال ــ وربما حتى الأمن.
ببساطة، يمكن لاتفاقيات إبراهيم، أن تخرج من هذه الأزمة أقوى، لكن حماس أظهرت، أن إهمال المطبعين للفلسطينيين خطأ، وتحتاج إسرائيل وشركاؤها العرب إلى رؤية جديدة متفائلة؛ لغزة والضفة الغربية، كبديل لتقديس العنف والقتل التي تتبناها إيران.
وهذا يقودنا مرة أخرى إلى القتال في غزة كيف سينتهي؟
ليس لدى إسرائيل خيارات جيدة: فالاحتلال غير قابل للاستمرار، وحكومة حماس غير مقبولة؛ أما حكم منافستها فتح، فهو أمر لا يمكن الدفاع عنه؛ ووجود قوة حفظ سلام عربية، أمر بعيد المنال؛ ولا يمكن تصور حكومة عميلة.
وإذا دمرت إسرائيل حماس في غزة، وانسحبت، فمن يدري ما هي القوى المدمرة التي قد تملأ الفراغ الذي ستتركه؟
لذا، يتعين على الاستراتيجيين الإسرائيليين، أن يبدأوا بالتفكير في كيفية خلق الظروف الملائمة للحياة إلى جانب الفلسطينيين، مهما بدا ذلك بعيد المنال اليوم.
يمكن، تطبيق فترة قصيرة من الأحكام العرفية في غزة، والبحث عن زعماء فلسطينيين مقبولين لدى الجانبين، بمساعدة وسطاء عرب، بالنهاية إن السبيل الوحيد للقضاء على حماس، يتلخص في قيام إسرائيل، وحلفائها العرب بخلق الاستقرار ـ ثم السلام ذات يوم.