حالة من التوتر يمكن قراءتها بشكل واضح في العلاقات بين مصر وإسرائيل، مؤخرا في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس في العمق المحتل المعروف بمستوطنات غلاف غزة، وذلك وسط مجموعة من الشواهد التي لا تخطئها عين على هذا التوتر، بدءا من قرار تعليق صادرات الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى مصر، وقصف القوات الإسرائيلية لمعبر رفح، والذي تكرر لنحو ثلاث مرات، فضلاً عن منع دخول قوافل طبية، ومساعدات إنسانية للمواطنين في غزة قادمة من الجانب المصري، وتهديد إسرائيل بقصف أي قوافل وقود، تتجه من مصر، وكذلك التهديد بقصف محطة كهرباء غزة حال تغذيتها بوقود مصري، وانتهاء برفض مقترح مصر بهدنة إنسانية لمدة ست ساعات لإدخال المساعدات.
التحول في مسار العلاقة بين الجانبين، بدا واضحا منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى، مقارنة باعتماد تل أبيب على وساطة القاهرة في مواجهات سابقة بينها، وبين المقاومة في قطاع غزة، فحكومة الاحتلال هذه المرة، وهي تخطط منذ الساعات الأولى بعد استفاقتها من صدمة العملية التي كانت بمثابة صفعة على وجه “الجيش الذي لايقهر”، وهي تعتزم الإقدام على خطوة، لطالما روجت لها وسط رفض من كافة الأطراف ذات الصلة، وهي الدفع نحو التخلص من قطاع غزة الذي يعد بمثابة صداع مزمن في رأس صانع القرار الإسرائيلي، عبر ترحيل أهالي القطاع نحو مصر، فيما يعرف بخطة الوطن البديل، بحيث يتم توطينهم بمحافظة شمال سيناء المصرية.
البداية كانت عند كبير المتحدثين باسم جيش الاحتلال ريتشارد هيشت، والذي دعا سكان القطاع الفارين من الضربات الجوية بالتوجه نحو مصر.
وتبع ذلك توضيح شبه رسمي من الجانب الإسرائيلي؛ للتخفيف من وطأة التصريح، لكن في المقابل تزايدت التصريحات الإسرائيلية لمواطني شمال قطاع غزة، بمغادرة محافظة الشمال، والتوجه لجنوب القطاع؛ لإنقاذ أنفسهم، وهو ما يعني تفريغ نحو 1.1 مليون نسمة، هم تقريبا نصف سكان القطاع، ونقلهم لنطاق جغرافي ضيق للغاية متاخم للحدود مع مصر.
مصر من جانبها، نقلت رسائل شديدة الوضوح؛بشأن هذا المخطط، حيث نقلت فضائية القاهرة الإخبارية شبه الرسمية تصريحات مصادر أمنية مصرية رفيعة المستوى، حول وجود “مخطط واضح؛ لخدمة أهداف الاحتلال القائمة على تصفية الأراضي الفلسطينية المحتلة من أصحاب الأرض وسكانها، وإجبارهم على تركها بتخييرهم بين الموت تحت القصف الإسرائيلي، أو النزوح خارج أراضيهم”.
وفي التصريحات شبه الرسمية، حذرت تلك المصادر من “أن هناك بعض الأطراف والقوى تخدم مخطط الاحتلال، وتمهد له مبررات الأمر الواقع؛ لتزكية أطروحات فاسدة تاريخياً وسياسياً، سعى الاحتلال إلى طرحها على مدار الصراع العربي- الإسرائيلي بتوطين أهالي غزة في سيناء، وهو ما تصدت له مصر، وستتصدى له، ورفضه الإجماع الشعبي الفلسطيني”.
بدا واضحا، أن الرسالة لم تصل، حتى خرج رأس الدولة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي حذر من مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، قائلا إن هذا الأمر يمثل تهديدا بتصفية القضية الفلسطينية من الأساس، ودعا مواطني قطاع غزة؛ للتمسك بأرضهم.
بمحاذاة ذلك، كشف مسئول سابق لـ”مصر 360″ ، أن هناك أطرافا دولية طرحت أكثر من مرة، وفي فترات مختلفة بضغط إسرائيلي، نقل جزء من سكان قطاع غزة إلى مصر، ودائما كان الرد المصري حاسما وقاطعا برفض مثل تلك الأطروحات، وهو ما تكرر مؤخرا، عبر تخفيف الكثافة السكانية لقطاع غزة، ونقل جزء من سكانها لدول الجوار، وكان الرد المصري أيضا حاسما، وشديد الوضوح، برفض مثل تلك الخطط التي من شأنها تصفية القضية الفلسطينية.
ويصل طول الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر إلى 12 كيلومترا، مع بوابة رئيسية واحدة، وهي معبر رفح البري، الذي يدخل منه آلاف الفلسطينيين شهريا؛ للعلاج أو الدراسة.
ماذا عن حماس؟
موقف حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007، لم يختلف عن الموقف المصري، وجاء متطابقا معه؛ بشأن التمسك بالأرض، ورفض التهجير بشكل نهائي، وهو ما عبر عنه رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية بقوله: “باقون ما بقي الزعتر والزيتون”، وهو ما أكد عليه أيضا متحدثون باسم جيش الاحتلال، بأن حماس ترفض هجرة الغزاويين من الشمال إلى الجنوب في ظل القصف الوحشي؛ لسلاح الجو الإسرائيلي الذي أسفر عن استشهاد أكثر من 2700 من سكان القطاع، حتى الآن، بينهم قرابة الألف طفل، بخلاف نحو 1000 شخص آخرين، لا يزالون تحت الأنقاض معظمهم شهداء.
مصدر في حركة حماس، أكد لـ” مصر360 ” على أن تمسك أبناء قطاع غزة، وفي القلب منهم حركة حماس بأرضهم، ليس مجرد قرار، بل إنه عقيدة راسخة، مشددا على أن المسئولين في مصر يعلمون ذلك جيدا.
وأكد القيادي بالحركة، أن حماس تؤمن، بأن التحرك من القطاع إما أن يكون نحو أراضي الـ 48، في إشارة لمستوطنات غلاف غزة التي تم تهجير الفلسطينيين منها في أعقاب النكبة، أو الرفيق الأعلى في إشارة إلى الموت في سبيل استرداد حقوقهم.
وخلال فترات مختلفة، أكدت قيادة حركة حماس على موقفها الرافض؛ لفكرة الوطن البديل.
ففي عام 2018، وعند الحديث عن صفقة القرن التي كان يروج لها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ كحل للصراع العربي الإسرائيلي، أكد خليل الحية عضو المكتب السياسي للحركة، ورئيس دائرة العلاقات العربية، على أنه لا تنازل من جانبهم عن الأرض قائلا في حوار مع صحيفة الشروق: ” نحن كفلسطينيين، لا نتنازل عن أرضنا، ولا نبادل أرضنا بأرضنا، أو أرض غيرنا، حتى لو كانت أرض مصر العزيزة”،”متابعا: وبالتالي فلسطين لا نقايضها، ولا يمكن أن نفكر، أن تتمدد فلسطين، أو غزة على حساب أى دولة أخرى، وهذا الموقف أيضا، سمعناه من الأشقاء في مصر، وأنه موقف متطابق، وبالتالي هذا يرد على الشائعات، ووسائل الإعلام التى تتحدث عن خطط؛ لتبادل الأراضي، فنحن لم يعرض علينا أحد هذا مطلقا، ولا نقبل أن يتم عرض أمر كهذا”.
وقبلها وبعد ثورة يناير، عندما أثيرت أنباء، بأن جماعة الإخوان التي كانت تسيطر على البرلمان وقتها، تعتزم توطين أهل غزة في سيناء في إطار تفاهمات دولية، قال موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي للحركة وقتها، والرئيس الحالي لدائرة العلاقات الخارجية بالحركة، إن” تغيير الخريطة، والحدود مسألة أكبر كثيرا من حركة حماس، ومن يتكلم عن مثل هذا التوطين، لا يعلم أبعاد القضية”، مشددا في حديث مع صحيفة الشروق وقتها، أن “الفلسطيني لا يفكر في بديل عن أرضه؛ فمشكلته الرئيسية حق العودة، مشكلة شعب طرد من أرضه، ووضع في مخيمات لجوء، وهو يريد الرجوع للأرض، قضية فلسطين هي قضية تحرير الأرض؛ من أجل عودة اللاجئين”.
وتابع أبو مرزوق” كانت هناك فرص عديدة، وبشكل قانوني وبإرادة مصرية؛ لنقل الكثير من مخيمات غزة إلى سيناء، في عام 1954، والفلسطينيون هم من رفضوا، وقامت مظاهرات عارمة في القطاع ضد هذا الطرح، لذلك اضطر الرئيس المصرى الراحل جمال عبد الناصر؛ للتخلي عن هذا الخيار، الذي كان سيتم بتمويل أمريكي، عبدالناصر كان صاحب الفكرة من الأساس، ومجلس الوزراء، الذي كان يرأسه، وافق على مشروع وزير الخارجية الأمريكي، ومنطق الرئيس عبدالناصر كان منطقا قوميا، ومن إيمانه، بأنه لا يوجد فرق بين المصرى والفلسطيني”، مشيرا إلى إنه بعد عام 1948 كانت الحدود مفتوحة بين غزة وسيناء، وكان مسموحا للفلسطينيين بالعيش في سيناء بحرية، ولم ينتقل أحد إلى هناك، وبعد الاحتلال في عام 1967، كان هناك حاكم واحد لسيناء وغزة، ورفض الفلسطينيون تسكينهم في شمال سيناء.
من أين جاءت الفكرة؟
يشير البعض، إلى أن فكرة الوطن البديل في سيناء تعود إلى عام 2010، عندما وضع الجنرال احتياط الإسرائيلي جيورا آيلاند الذي شغل منصب رئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي، ورئيس مجلس الأمن القومي خطة، نصت على أن تنقل مصر إلى قطاع غزة، مناطق من سيناء، مساحتها 720 كيلومترا مربعا، وهذه الأراضي عبارة عن مستطيل ضلعه الأول، يمتد على طول 24 كيلومترا على طول شاطئ البحر المتوسط من رفح غربا حتى العريش، وبعرض 20 كلم داخل سيناء. إضافة إلى شريط يقع غرب كرم أبو سالم جنوبا، ويمتد على طول الحدود بين إسرائيل ومصر. وتؤدي هذه الزيادة إلى مضاعفة حجم قطاع غزة البالغ حاليا 365 كيلومترا مربعا إلى نحو 3 مرات، وأن توازي مساحة 720 كيلومترا مربعا نحو 12 في المائة من أراضي الضفة الغربية.
لكن وثائق لوزارة الخارجية الأمريكية تم الكشف عنها عام 2011، ويعود مضمونها إلى العام 1972، تشير إلى أن الفكرة لم تكن من قريحة جيورا إيلاند، حيث أشارت إلى موقف هنري كيسنجر الذي كان يتقلد منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي في حكومة الرئيس آنذاك ريتشارد نيكسون، والتي أظهرت استعداد الإدارة الامريكية مع “الاتحاد السوفيتي”.
وتضمنت هذه الوثائق، ما كان يدور من مباحثات مع وزير خارجية الاتحاد السوفيتي أندري جروميكو قبل عام واحد على حرب أكتوبر عام 73 ، حيث قدم كيسنجر اقتراحا بتقسيم سيناء بين مصر واسرائيل، وإنهاء الصراع بينهم في مقدمة؛ للانتقال إلى المراحل الثانية.
وما بين كسنجر، وآيلاند، لم ييأس المسئولون في تل أبيب من تنفيذ خطتهم، وهو ما أظهره تسريب صوتي للرئيس السابق محمد حسني مبارك، والذي تداولته وسائل إعلام خلال الأيام الأخيرة.
تعني الحرب
وتحدث مبارك، عما دار بينه وبين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل: “التفكير في سيناء هيكون كالآتي.. إسرائيل عايزة، تزق قطاع غزة في سيناء.. قالي مرة نتنياهو.. قالي في خريطة كدا موجودة، آدي قطاع غزة وآدي حدودنا، ولو نسيب الناس بتوع غزة نشوفلهم حتة، وهو بيشاور على سينا”.
وقال مبارك: “أنا دوؤروم (ذكي) في الحاجات دي وأول، ماشوفته بيشاور على سينا، قولتله عايز تحطهم عندنا؟؟ انسى الموضوع.. نتنياهو كان عايز يحط إيده على سيناء، قولتله انسى أنت عايز، تبدأ حرب بينا وبينك تاني، الحدود لا أنا ولا أتخن مني يقدر يقدم لهم”.