هذه السطور تستبق وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلي المنطقة بأربع عشرين ساعة، وكما نشرت صحيفة نيو يورك تايمز صباح الثلاثاء، فإن بايدن قرر الذهاب إلى الشرق الأوسط؛ لإظهار الدعم الأمريكي غير المحدود؛ لإسرائيل في الحرب الحالية ، بينها وبين حركة  حماس الفلسطينية، ثم يتجه من إسرائيل إلى الأردن؛ ليبحث الأزمة الإنسانية للفلسطينيين، جراء هذه الحرب مع كل من الملك عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله.

قبل الحديث بشيء من التفصيل عن دلالات مجئ الرئيس الأمريكي بنفسه، والنتائج المتوقعة من رحلته هذه، واحتمالات تقاطعها ، أو تكاملها مع الجهود و المبادرات الدبلوماسية والإنسانية الأخرى، حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فمن المهم الالتفات باهتمام كبير إلي الملاحظات التالية:

 أولا: هناك مقولة شائعة لدى الدبلوماسيين، والباحثين في واشنطن مفادها “إذا لم تذهب أمريكا إلى الشرق الأوسط، فإن الشرق الأسط هو الذي سيأتي إليها “وذلك بحكم، أن أوضاعه قابلة دوما للانفجار الذي يهدد مصالح، والتزامات أمريكية رئيسية، ولايمكن التغاضي عنها.

  ثانيا: فيما يتعلق بمجريات الأيام  القليلة السابقة على إعلان خطة هذه الزيارة، تكررت لهجة ومفردات توقع صعوبة، واستطالة أمد الحرب على حماس في لخطاب الإسرائيلي الرسمي، مع التأكيد على أهمية الصبر، واللافت أيضا، أن تقارير أمريكية تحدثت عن إرسال ٢٠٠٠ جندي أمريكي؛ لتقديم المعونة اللوجستية؛ للحملة البرية الإسرائيلية المنتظرة على غزة، وذلك بعد يومين فقط من إعلان بايدن نفسه، أنه لا توجد حاجة؛ لإرسال قوات أمريكية؛ لدعم إسرائيل، ”لأنها تملك واحدة من أكفاء القوات المسلحة في العالم “ على حد قوله.

 ثالثا: تصاعد الانتقادات الداخلية لبنيامين نيتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، ليس فقط من الإعلام والصحافة، وفي استطلاعات الرأي العام، ولكن أيضا من جانب سياسيين وعسكريين  بارزين،كان آخرهم إيهود باراك رئيس الوزراء السابق،الذي لم يتردد وسط المعارك في التأكيد، على أن نيتنياهو فقد ثقة الشعب والجيش معا.

بالعودة إلى الجانب السياسي لزيارة الرئيس الأمريكي، للمنطقة بعيدا عن إظهار الدعم لإسرائيل، ولنيتنياهو شخصيا، فإن أولى رسائله هي التحذير المباشر  من قلب الأحداث، من إقدام إيران تحديدا، وحلفائها الإقليميين على توسيع نطاق الحرب، أما التقارير التي تتحدث عن قصر مباحثات بايدن مع الزعماء العرب الثلاثة في عمان على الجانب الإنساني فقط، فإني لا أصدقها، لأنه على هذا المستوى من الاجتماعات، ووسط حرب شرسة حافلة بنذر التشاؤم، لا يمكن تجنب تناول السياق السياسي للأزمة،  أسبابا، وحلولا، ومخاوف، وضمانات…  إلخ.

يؤكد ذلك، أن المسئولين في مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، بل وقادة حماس في غزة، أعلنوا بوضوح قاطع رفضهم لأية مقترحات (إنسانية !)، تتجاوز إدخال الإمدادات المعيشية، والطبية إلى سكان غزة المحاصرين، إلى نزوح هؤلاء السكان إلى مصر من غزة، أو إلى الأردن من الضفة الغربية، فجاء الرفض المصري لهذا المقترح (الذي يتردد، أنه أمريكي) على لسان الرئيس السيسي، وفي بيان لمجلس الأمن القومي المصري، وكذلك في بيانات وزارة الخارجية، ومجلس النواب، فضلا عن منظمات أهلية وسياسية عديدة، وفي الأردن، جاء الرفض على هذا المستوى أيضا، في حين اعتبر رئيس السلطة الفلسطينية، أن علاج الأزمة  عن طريق النزوح الجماعي للسكان سيكون نكبة ثانية، أما جميع المتحدثين باسم حماس داخل  غزة وخارجها، فقد اعتبروا، أن النزوح ليس اختيار واردا، مهما اشتدت حدة الأزمة الإنسانية.

إذن كيف سيجري التناول السياسي؛ للانفجار الحالي في قمة عمان المنتظرة العربية الأمريكية؟ وهل ستدعى إلى هذه القمة أطرافا عربية أخرى، يمثل حضورها أهمية وتأثيرا كبيرين، كالسعودية بالذات، ثم الإمارات وقطر؟وماذا عن تركيا؟ مادمنا نتحدث عن الإقليمية؟ أما إيران، فإن قطر مفوضة أمريكيا؛ لنقل الرسائل المتبادلة بين واشنطن وطهران.

كانت القاهرة -كما نعلم – قد وجهت، منذ أيام دعوة؛ لعقد قمة إقليمية حول القضية الفلسطينية، ولم تتضمن الدعوة أية تفاصيل عن الأطراف المدعوة،ولا عن الموعد، وفي يوم الاثنين الماضي قال مصدر إسرائيلي، ومصادر خارجية، إن بايدن سيزور مصر يوم السبت القادم؛ ليشارك في قمة إقليمية حول القضية الفلسطينية، وذلك قبل نشر تقرير صحيفة نيويورك تايمز المشار إليه، والذي قال، إن هذه القمة ستعقد في عمان، مما يعني، أن كل هذه التحركات مترابطة، ومنسقة بين القاهرة وواشنطن وعمان ورام الله،  وعواصم أخرى في المنطقة وفي العالم، وبحكم الجوار المباشر لكل من غزة وإسرائيل، والتاريخ والخبرات المعترف بها دوليا وإقليميًا للدبلوماسية المصرية في القضية الفلسطينية عموما، وبين إسرائيل وحماس مرارا وتكرارا   … بحكم ذلك كله، نفهم أن الجهود المصرية تركز علي الفصل بين المسار الإنساني والمسار السياسي في الأزمة الراهنة، على أن يكون مفهوما، أن المسار الإنساني لا يتضمن قط، تهجيرا جماعيا أو تطهيرا عرقيا للفلسطينيين في غزة إلى الأراضي المصرية، كما سبق القول، وإن مصر تسعى؛ لبناء إجماع إقليمي على هذا الموقف، الذي يحفظ للقضية الفلسطينية مضمونها السياسي، بوصفها قضية تقرير مصير، وتحرر وطني، لشعب يرزح تحت احتلال شديد الوطأة، منذ ٧٠ عاما.

ومن المفهوم، أن المسار السياسي الذي لا مفر، من أن يطرح في قمة عمان، أو أية اتصالات أخرى، هو إحياء مشروع حل الدولتين، خاصة وأن بايدن نفسه، قال إن أي علاج للوضع الراهن لا بد، أن يسفر عن مسار  سياسي، وأنه لا يزال يعتقد، أن أفضل حل لهذا النزاع، هو حل الدولتين.

في انتظار تبلور تلك الجهود، وظهور نتائجها، كلها أو بعضها،  لا بد من نأخذ بأكبر قدر من الأهمية، أن الكثير أو لنقل كل شيء تقريبا، يتوقف على مدى نجاح، أو  فشل الغزو البري الإسرائيلي لقطاع غزة؛ للقضاء المبرم على حركة حماس، فكلا الاحتمالين، سوف تترتب عليه مضاعفات، يصعب رصدها وحصرها حاليا.