في افتتاحية جديدة لمجلة الإيكونوميست، تسير في خط التغطية الموصومة بالعنصرية الفجة التي درج عليها الإعلام الغربي، منذ اندلاع أحداث “طوفان الأقصى”، نشرت المجلة الشهيرة افتتاحية، اعتبرت فيها مذبحة مستشفى المعمداني، هي نتيجة “انفجار نتج عن فشل إطلاق صاروخ فلسطيني محمّل بالوقود”، واتهمت الدول العربية بالتواطؤ والتغطية على سبب التفجير الحقيقي.
وضمنت المجلة البريطانية في ثنايا افتتاحيتها العنصرية تحليلا، حول الحرب على غزة، موجهة رسائل إلى الإدارة الأمريكية، ورأت الافتتاحية، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن هو الوحيد القادر على وقف الكارثة في الشرق الأوسط، ومواجهة المقاومة الفلسطينية، والقضاء عليها عبر مساندة مخططات إفراغ غزة من سكانها، مشددة على ضرورة استمرار مساندة بايدن لإسرائيل.
وتتابع الإيكونوميست: خلف الانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي العربي المعمداني، مساء يوم 17 أكتوبر، ومقتل الذين كانوا يحتمون به، وعلى الرغم من وجود أدلة، على أن الانفجار نتج عن فشل إطلاق صاروخ فلسطيني محمّل بالوقود، لكن الدول العربية سارعت إلى إدانة إسرائيل، هذا في وقت يقترب حزب الله، من شن حرب صريحة ضد إسرائيل. وفي وقت، ما زالت الجسور التي بُنيت بصعوبة بين إسرائيل، وجيرانها العرب قائمة على أطلال.
يذكر أن الجريدة لم تستخدم كلمة “المعمداني” في تعريف المستشفى، حتى لا تدع القارئ الغربي، يعرف أن المستشفى تابع في الأساس لهيئة مسيحية.
وضع هش
تضيف الافتتاحية: وصل الرئيس جو بايدن إلى إسرائيل، بعد ساعات من الانفجار الذي لحق بالمستشفى، معلنا دعمه لإسرائيل، ومشيرا فى لحظة جيوسياسية دقيقة، أن الوضع الحالي يشكل أزمة للشرق الأوسط، وأنها محل اهتمام أمريكي.
ورغم الإخفاقات العديدة للسياسات الأمريكية، بما في ذلك ملفي العراق وسوريا، فإن الولايات المتحدة، خلال نصف قرن مضى، كانت الدولة الوحيدة الراغبة، والقادرة على تحقيق الاستقرار في المنطقة.
وحاليا، يتحمل بايدن مع ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، هذا العبء مرة أخرى، والذي يتزامن مع الموت الذي يخيم على غزة، وعدم قدرة الجميع في الوطن العربي على منح الأزمة اهتماما.
وتمضي الافتتاحية: أما في شمال إسرائيل، فهناك جبهة ثانية، حزب الله، وهو يمثل خطرا وشيكا، حيث سيحظى بدعم قوي في العالم العربي، إذا قام بالانتقام، وهاجم إسرائيل انتقاما؛ لأرواح الفلسطينيين الذين قتلوا في المستشفى، بينما إذا صمت سيخاطر مع رعاته الإيرانيين بصورتهم.
وإذا استنتجت إسرائيل، أن الحرب أمر لا مفر منه، فقد تبدأها أولا، وتعمل أمريكا على ردع حزب الله، وإيران عن فتح جبهة ثانية. وإذا تحدت إيران ، فعلى أمريكا استعراض القوة، واستخدام حاملتي طائرات أرسلتها للمنطقة.
بجانب التهديد الإيراني، وفي ظل القصف الإسرائيلى غير المسبوق، يكمن الخطر الثاني، وهو عودة العلاقات العربية الإسرائيلية لعقود من الزمن.
قتل جماعي للفلسطينيين على أيدي الفلسطينيين
يتذكر العرب الحروب السابقة التي ضربت فيها إسرائيل المدارس والمستشفيات. بينما اليوم فرضت إسرائيل حصاراً كاملاً على غزة؛ محملة كل سكان غزة المسؤولية.
رغم تجاوزات إسرائيل، كان بوسع الزعماء العرب الدعوة إلى الهدوء، وإجراء تحقيق مستقل في انفجار المستشفى، والذي بدا، وكأنه قتل جماعي للفلسطينيين على أيدي الفلسطينيين.
الحادث كان ينبغي، أن يضاعف جهود العرب؛ لحماية المدنيين في غزة، وأن يدفعهم إلى وضع خطة إقليمية لمستقبل فلسطيني أفضل، لكن بدلاً من ذلك، عمق الانفجار الكراهية والمظالم. وبكلمات لا يمكن التراجع عنها بسهولة، ألقى شركاء إسرائيل العرب اللوم على الدولة اليهودية.
ونتيجة للانفجار، ألغى الأردن القمة بين بايدن، والقادة العرب التي كانت أفضل أمل للدبلوماسية الإقليمية.
بينما مصر، أكثر تصميما من أي وقت مضى على إبقاء اللاجئين المؤقتين خارج سيناء، ويرجع ذلك جزئيا إلى الخوف، من أن ينظر إليها، على أنها تحرض إسرائيل، فيما يخشى الفلسطينيون من خطة؛ لإفراغ غزة بشكل دائم.
اقرأ أيضا: الإيكونوميست تبحث سيناريوهات الحرب البرية على غزة: الفوضى أم الاستقرار الإقليمي “الإسرائيلي”؟
اليوم أغلب الحكومات العربية، تكره حماس وداعمتها إيران، وتحتاج دول مثل، الإمارات والسعودية إلى الاستقرار والاستفادة من العلاقات مع إسرائيل. ومع ذلك، فهم حذرون للغاية من اختبار غضب مواطنيهم، إذا ما قالوا الحقيقة حول مصدر الصاروخ (تفجير المستشفى).
وبذلك اختاروا تخريب مصالح شعبهم على المدى الطويل.
اما بالنسبة لإيران، يبدو المشهد بمثابة نصر، حيث قامت استراتيجيتها على تمويل، وتسليح وتدريب وكلائها، مثل حماس وحزب الله.
تبني إيران الأسس لهيمنتها الإقليمية، عبر العنف والفوضى اللذين يضعفان إسرائيل، ويشوهان سمعة الحكومات العربية التي تتعاون مع أمريكا، وهي تقاتل بجانب إسرائيل.
وبجانب استفادة إيران، تفوز روسيا والصين في المشهد، فهناك تصور في الجنوب العالمي، بأن هذه القصة المعقدة، صراع بين الفلسطينيين المضطهدين، والمستعمرين الإسرائيليين.
ستستغل الصين وروسيا هذا التصور، زاعمة أن أمريكا تكشف عن ازدرائها الحقيقي للأشخاص ذوي البشرة السمراء في غزة، وتظهر بذلك نفاق أمريكا، حول حقوق الإنسان وجرائم الحرب تماماً كما فعلت الدولتان، خلال النقاش حول الحرب في أوكرانيا.
ماذا يمكن أن يفعل بايدن؟
يجب أن يبدأ جواب السؤال من الحاجة إلى السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والاعتراف بأنه لا يمكن، أن يكون هناك سلام، ما دامت حماس تحكم غزة – المليئة بالأنفاق، وبالتالي فإن تدمير قدرة حماس على شن الحرب يتطلب هجوماً برياً.
تؤكد حادثة مستشفى الأهلي العربي صحة الاعتقاد الساخر الذي يقول، إن الضحايا الفلسطينيين يساعدون حماس، من خلال تقويض الدعم الذي تحظى به إسرائيل.
ويتعين علينا، أن نرى أن الجيش الإسرائيلي يعمل على حماية المدنيين، لأسباب ليس أقلها، أنه يحتاج إلى الوقت، لتدمير أنفاق حماس، لكن غزة على حافة الهاوية، فسوء الصرف الصحي، يهدد بالأمراض الوبائية.
ما بعد مرحلة الغزو: ملاذات بصحراء النقب
مؤخرا، وافقت إسرائيل بالسماح بمرور بعض المساعدات إلى غزة، وستكون هناك حاجة إلى المزيد من المساعدات، وإذا استمرت مصر في منع اللاجئين من دخول أراضيها، فيتعين على إسرائيل إنشاء ملاذات على أراضيها، فى صحراء النقب، تحت إشراف وكالات الأمم المتحدة.
يذكر أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، قد أشار في خطاب أخير له، إلى أنه يمكن لإسرائيل، أن ترحل سكان غزة لصحراء النقب.
وتستطرد الافتتاحية في تحليلها العنصري: ومن المهم أيضًا، توضيح ما يأتي بعد مرحلة الغزو، حيث يتعين على إسرائيل، أن تثبت، أن معركتها هي مع الإرهابيين، وليس مع سكان غزة.
كما ينبغي، أن تتعهد ببداية جديدة بعد الحرب، من خلال برنامج؛ لإعادة الإعمار، والوعد بعدم خنق اقتصاد غزة، مع دعم دستور فلسطيني جديد، وزعماء منتخبين جدد. كل هذه الخطوات، ستكون أسهل في ظل حكومة إسرائيلية جديدة، يتم التصويت عليها عندما تنتهي الحرب.
كيف يمكن توفير الأمن في غزة بعد حماس
لكن إذا تمكن بايدن من إقناع إسرائيل باتخاذ هذه الخطوات، فإن السؤال الأصعب على الإطلاق، كيف يمكن توفير الأمن في غزة ما بعد حماس؟
خاصة، وأن إسرائيل لن تحتل غزة بشكل دائم، وتخلت عن ذلك عام 2005. وبالتالي فإن توفير الأمن يتطلب التزاماً، وتحالفا دوليا، ولأنه ليس من الواضح من سينضم إلى هذا التحالف، يجب على بايدن، أن يبدأ في بناء ائتلاف الآن.
وكلما أظهرت إسرائيل للعالم العربي، أنها جادة في حماية المدنيين، والتخطيط لليوم التالي، كلما زاد احتمال قيام الزعماء العرب بدورهم وتقديم المساعدة.
لكن البديل والتراجع الأمريكى، سيغذي دولا مثل، إيران وروسيا، بينما بايدن، هو الزعيم الوحيد الذي يمكنه إعادة الأمور إلى نصابها.
وإذا فشل، وانهار الأمن في الشرق الأوسط، فسوف يكون ذلك كارثة بالنسبة لأمريكا أيضاً.