مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة التي ستجرى في ديسمبر 2023، يتنازع الساحة السياسية اتجاهان رئيسيان حول مدى إمكانية، أن تصبح هذه الانتخابات فرصة من عدمه لـ “استرداد السياسة” التي تعرضت للتمويت على مدار عقد كامل بذرائع بعضها حقيقي، والآخر متوهم أو مفتعل. يعني هنا، استرداد السياسة استعادة حق المجتمع في التعبير السلمي عن رأيه، دون قمع أو قيود، وإفساح المجال لتنظيماته؛ للتعبير عن مطالبها، ومحاسبة السلطة ومؤسساتها، والسماح بالتداول السلمي للسلطة، عبر انتخابات، تتوفر لها ضمانات النزاهة والحياد. باختصار، فإن استرداد السياسة يشير إلى “عودة المواطنة” للمصريين في إطار عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمجتمع.
للاطلاع على الملف كاملا :
الاتجاه الأول يرى، أن ثمة فرصا؛ لاسترداد السياسة، لا تزال قائمة، حتى مع سياقات هندسة الانتخابات الرئاسية، والعصف بمبدأ حيادية الدولة إزاء المرشحين، على نحو برز في التضييق على توكيلات أحمد الطنطاوي الذي لم يستطيع إكمالها. مرد هذا الاتجاه، إلى أن تصاعد الطلب على السياسة في السنوات الأخيرة، ارتبط بتفاقم الأزمات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحالة عجز السلطة عن طرح حلول فعالة. بالتالي كلما استمرت تلك الأزمات سيظل الانفتاح قائما، حتى لو كان محدودا أو محسوبا، وهو ما قد يمثل فرصة للمعارضة؛ للدفع لتوسيعه أكثر.
وكشف العامان الماضيان عن العلاقة وثيقة الصلة بين تصاعد أزمات النظام، وإبدائه قدر من الانفتاح السياسي، كما برز في الحوار الوطني والإفراج عن بعض المحبوسين احتياطيا، والسماح ببعض الانتقادات هنا وهناك. صحيح أن هذا الانفتاح لم يؤت أوكله للمعارضة، بل إن النظام ربما استفاد أكثر منه في تبرير سياساته التي قادت إلى التأزم الاقتصادي، وتبريد الشارع وتحسين صورته في الخارج.
مع ذلك، يظل ذلك الانفتاح المحدود- من وجهة نظر البعض- ضوءا في نفق مظلم، لا يمكن إطفائه، لأن السلطة ذاتها قد تحرص على إبقائه مشتعلا، كمتنفس سياسي يوازن أزماتها الداخلية والخارجية. قد يزداد هذا المتنفس مع تزايد الضغوط الخارجية إثر حرب غزة الأخيرة، والتي تسامح فيها النظام مع خروج تظاهرات، ووقفات احتجاجية؛ للتنديد بالعدوان الإسرائيلي، ودعم موقف السلطة الرافض لسياسة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وتصفية القضية الفلسطينية، في المقابل يتم قمع أي وقفة احتجاجية بشأن قضايا داخلية.
أما الاتجاه الثاني، فيرى أن شروط استرداد السياسة لم تنضج بعد في السياق المصري المأزوم، وأن النظام سيظل – حتى ما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية محسومة النتائج- يدور في فلك الحديث عن الإصلاح، أو فتح المجال العام، دون جدية أو قدرة على عمل ذلك، لاعتبارات هيكلية ترتبط ببنية النظام، وتركيبته التي تستند على تحالفات أمنية أكثر منها اجتماعية. إذ تخشى السلطة فتح ثقب إصلاحي، قد يتحول لفجوة واسعة في الجدار، لا يمكنها التعامل معها، بما يفتح الطريق أمام سيناريو “النهايات الدرامية” للأنظمة، والتي عاشتها مصر إبان ثورة 25 يناير.
الأهم أن نمط الشبكات الزبائنية التي تقاطعت فيها مصالح السياسة، والأمن والاقتصاد مع قوى إقليمية على مدار عقد كامل، قد تقاوم الإصلاح السياسي، لأنه ببساطة يعني محاسبتها. من جهة أخرى، فإن قوى المعارضة تبدو هشة وغير منسجمة، ولا تملك أرضية في الشارع، تتيح لها امتلاك أوراق أو مصادر قوة، تساوم بها النظام سياسيا، حتى أنها لم تستطع أصلا التوافق على مرشح واحد للانتخابات، بل إن بعضها يستدمج العمل السياسي بـمنطق ” الراكب المجاني”، أي الحصول على موطئ قدم سياسي، دون كلفة أو نضال.
ما بين هذين الاتجاهين، يناقش هذا الملف فرص استرداد السياسة، والإصلاح السياسي بشكل عام، من خلال الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة، عبر 13 مقالا، تم نشرهم على موقع مصر 360 على فترات متقطعة في الآونة الأخيرة.
إذ يحدد الملف العوامل التي قادت إلى تمويت السياسة، ثم مداخل إحيائها، وماهية شروط وأصول المراجعة الوطنية الكفيلة بالخروج من المأزق الراهن. وفي جانب آخر من المقالات، يتم تشخيص جذور معضلة الإصلاح السياسي الممتدة، منذ نشأة دولة يوليو 52، وحتى اليوم، كذلك يلفت الملف النظر إلى مخاطر الشروخ الممتدة التي تواجه الشرعية السياسية في مصر، خاصة أنها قد تتحول إلى فوالق يصعب ترميمها.
تحلل مقالات أخرى ظاهرة أحمد الطنطاوي الذي شكل نمطا جديدا من ممارسة السياسة غير التقليدية، يستند على عدم الاستقطاب الأيديولوجي والتشبيك، وتمثيل جيل جديد من شباب ما بعد ثورة 25 يناير، والتأكيد على الخطاب الدولاتي ومنظور الدستور والقانون، وهو ما يتوقع، أن يأخذ زخما مستقبليا في المجال السياسي بشرط تأسيس بنية تنظيمية، يطور من خلالها مشروعه، وخبراته ويجتذب شرائح الشباب التي ساندته في حملته الانتخابية.
ينتقل الملف أيضا إلى فهم مداخل تمويت السياسة في مصر، سواء عبر شيوع النزوع الديني لدى السلطة، ومحاولتها توظيف ادعاءات التفويض الإلهي؛ لتكريس الاستبداد وسلب حقوق المصريين، أو الإسكات السياسي للفقراء عبر توزيع الكراتين عليهم، أو إعاقة الإجراءات الكفيلة بوجود انتخابات حقيقية، أو الترويج لأساطير سياسية من قبيل “من البديل؟”، وأنه يجب، أن يكون الرئيس من دولاب الدولة. ويُختتم الملف برؤيتين: أحدهما، لخبراء من الخارج عن مستقبل النظام السياسي بعد الانتخابات الرئاسية، وما إذا كان سيتجه إلى الانغلاق أم الانفتاح، والأخرى، تحدد المخرج من أزمات مصر الوجودية عبر إلزام السلطة بالقانون والدستور، ومنح المصريين حقوقهم، دون قيد أو شرط.