الحرب في الأنفاق مرعبة وخانقة وبطيئة

نشرت مجلة ذي إيكونوميست البريطانية تقريرا حول حرب الأنفاق في غزة، كيف بدأت؟ وما الصعوبات التي ستواجه الجيش الإسرائيلي في الغزو البري الوشيك على قطاع غزة؟.

يدرس طلاب الأكاديميات العسكرية ساحات الحرب، والتي تقسم أربعة مستويات: إحداهما السماء، التحليق فوق المدن، وهي تمتلئ بالطائرات، دون طيار بشكل متزايد. تليها الحرب بين المباني، والتي توفر نقاط مراقبة، وأماكن للاختباء. والمستوى الثالث، هو مشهد الحرب في الشوارع، بما تتضمنه من شبكة من الطرق والمسارات التي تشكل شرايين المدينة في زمن السلم.
ورابعا، يأتي القتال في الأنفاق، وهي نمط من الحرب، ستشكل التحدي الأكبر لقوات الدفاع الإسرائيلية، عندما تبدأ غزوها لقطاع غزة في الأيام المقبلة.

تاريخ الأنفاق

مع ترسيم الحدود بين مصر وإسرائيل في العام 1981، بنت عشائر بدوية أنفاق التهريب على جانبي الحدود بين مصر وغزة، بينما وقع أول هجوم معروف عبر الأنفاق في عام1989.
ولكن في عام 2007 بدأت حماس، بعد استيلائها على غزة في بناء شبكة أنفاق قوية تحت الأرض، وكان هدفها الأساسي تهريب الأسلحة من مصر، لكن الأنفاق استخدمت؛ لأغراض متعددة.

على سبيل المثال، يمكن للقادة العسكريين في غزة، أن يختبئوا فيها، ويستخدمونها للتواصل، دون الاعتماد على شبكة الهاتف، التي تتنصت عليها إسرائيل. وتشكل الإنفاق أيضا مخابئ للأسلحة والذخيرة.

كما يمكن استخدامها في نصب الكمائن، خلال الحروب البرية، وفعليا سمحت الأنفاق بشن غارات عبر الحدود، وتنفيذ عمليات اختطاف- مثل اختطاف، العريف جلعاد شاليط في عام 2006، وهي الغارة التي ساعدت حماس على إطلاق سراح أكثر من 1000 سجين فلسطيني، مقابل الإفراج عن شاليط.

لم تكن الأنفاق أداة حماس وحسب، حيث بنى حزب الله أنفاق مماثلة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، على الرغم من تدمير معظمها في 2018-2019، لكن في نهاية المطاف، كان الأساس العسكري لمثل هذه الأنفاق تقويض أسلوب، وقوة إسرائيل في الحرب.

نقل المعركة إلى تحت الأرض

قال أحد قادة حماس: “في عام 2008، فاجأتنا الضربة الجوية الإسرائيلية، لذا وضعنا خططًا استراتيجية؛ لنقل المعركة من السطح إلى تحت الأرض”.

تكشف دراسة، أجرتها مؤسسة راند، وهي مؤسسة فكرية، أن هناك مجموعة من 900 موظف وعاملا، عملوا على مدار ثلاثة شهور في حفر الأنفاق في غزة، وتقول المؤسسة، أن تكلفت العملية بلغت 100 ألف دولار.

حسب الدراسة، جمعت حماس التكلفة من خلال المساجد في غزة، حيث روجت، ودعت للمشاركة في مخططات استثمارية تجارية، يتشارك فيها المواطنون بموجب عقود صاغها محامون.

بجانب ذلك، يُعتقد أن إيران وكوريا الشمالية ساعدتا حماس في أعمال البناء، حيث زودت الدولتان حماس بالمال والمهندسين.

في عام 2014، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية الجرف الصامد، والتي تضمنت هجمات جوية وبرية، استهدفت الأنفاق، ودمرت منها حوالي 32 نفقا، كانت تمتد لمسافة 100 كيلومتر، منها 14 نفقا اخترق الأراضي الإسرائيلية.

ما تم تدميره، كان جزءًا صغيرًا من الشبكة شبكة الأنفاق التي شيدتها حماس، والتي يُعتقد أنها تبلغ 1300 نفق، تمتد مسافتها لحوالي 500 كيلومتر، أي أكثر من عشرة أضعاف طول غزة نفسها.
وفقا لتحقيقات الجيش الإسرائيلي، لم يكن هناك استعداد كافي للخطر الذي تمثله الأنفاق، على الرغم من التحذير، أنها أحد أخطر خمسة تهديدات لإسرائيل وخلال الحرب، تفاخر وزير الدفاع الإسرائيلي قائلا، إن الأمر سيستغرق بضعة أيام فقط؛ لتدمير الأنفاق، لكن المهمة استغرقت أسابيع.

عمليا، ثبت أن تحديد موقع الأنفاق أمر صعب للغاية.

قال الجنرال نداف بادان: “كنا على دراية بالأنفاق من الناحية النظرية، لكن لم تكن لدينا خبرة عملية”.

التعامل مع الأنفاق

استخدم جيش الدفاع الإسرائيلي عدة وسائل في هدم الأنفاق، منها “جيوفونات”، ورادار مخترق للأرض، يحول الاهتزازات الأرضية إلى جهد كهربائي، ويكشف الأصداء الصادرة عن أجهزة، يتم التحكم فيها، هذا بجانب استخدام أسلوب التفجير.

لكن العديد من الأنفاق اكتشفها الجيش بفضل الاستخبارات البشرية– مصادر داخل غزة– أو دوريات المشاة التي عثرت على مداخل الأنفاق.

إضافة إلى ذلك، تتبعت وحدة الاستخبارات إشارات الهاتف التي تظهر فجأة.

وخلال أسلوب الحفر الحركي، كانت القوات الجوية تحاول إسقاط قنابل دقيقة التوجيه على مسار الأنفاق، لكن بعضها كان يفشل في إحداث انفجار في عمق النفق.

كما استخدم الجيش الإسرائيلي مادة متفجرة تشبه الهلام، تسمى “إيمولسا” نقلها بعربات من القرى الحدودية الإسرائيلية إلى غزة، لكن عملية تفجير كل نفق، يتطلب ما بين تسعة إلى 11 طنًا في المتوسط، من هذه المادة، كما تشير مؤسسة راند.

بجانب ذلك، تتطلب عمليات التفجير، بقاء القوات البرية بجانب الأنفاق؛ بغرض تأمين المداخل لفترات طويلة.

في الماضي، سعى أفراد الجيش الإسرائيلي إلى تجنب القتال في الأنفاق، والتي كان الكثير منها مفخخًا، ومنعت القيادة العليا الجيش دخولها، ما لم يتم تفجير أحد طرفيها أو تأمينه على الأقل، تم تجاهل هذا التحذير مرة واحدة فقط، عندما تم اختطاف جثة ضابط إسرائيلي في نفق في رفح، المعبر الجنوبي لغزة مع مصر.

تتميز المدن بخطوط رؤية محدودة، ومعارك قريبة واتصالات ضعيفة، حيث تنتقل إشارات الراديو بشكل سيئ بين المباني الشاهقة، لكن الأنفاق تؤدي إلى تفاقم كل هذه الصعوبات، حتى أن الطائرات، دون طيار الأكثر تطوراً لا تستطيع الرؤية تحت الأرض.

وبجانب ذلك، يعد التنقل عبر نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أمر مستحيل، حيث لا تخترق إشارات الراديو للاتصالات مسافات بعيدة.

سلطت تجربة الجنود البريطانيين المشاركين في تدريبات الأنفاق (أجريت في ليدز شمال إنجلترا) الضوء على التحديات التي من المحتمل، أن يواجهها جنود جيش الدفاع الإسرائيلي في حرب مشابهة.

ومع الظلام الدامس داخل النفق، تكون نظارات الرؤية الليلية عديمة الفائدة، لأن هذه الأجهزة تعتمد على تضخيم الضوء فوق سطح الأرض حتى في الليل.

كما في الأنفاق، مهددات الغازات السامة؛ نتيجة المياه الراكدة، ويكون الهواء أبرد من سطح الأرض، بما يصل إلى عشر درجات مئوية.

يقول أحد الجنود المتدربين للعمل في الأنفاق “أنت تدرك، أنه ما لم يتم تدريبك بشكل صحيح، وقضيت وقتا طويلا في النفق فلن تتحرك بسرعة”.

بجانب مخاطر الهواء السام وخفوت الضوء، يلاحظ جو فيجا، كبير خبراء الحرب السرية في الجيش الأمريكي، أن صوت نيران الأسلحة يتضخم في الأماكن المغلقة، ولذلك هناك الحاجة إلى فرق أكبر لإزالة الأنفاق، فالجنود يتعرضون للضغط الزائد، وإثارة الغبار والأوساخ من نيران الأسلحة، مما يقلل من الرؤية، ويجب إبدالهم بجنود آخرين.

استخدمت أمريكا تقنيات عدة في تطهير الأنفاق، حيث استخدمت في فيتنام الغاز المسيل للدموع، كما استخدم السوفيت ذلك مع الأفغان، حسب ما يقول دافني ريتشموند باراك في كتاب بعنوان “Underground Warfare.

ويعتمد الجيش الإسرائيلي بشكل متزايد على التكنولوجيا، على سبيل المثال، تستخدم روبوتات أرضية يتم التحكم فيها عن بعد، والتي يمكنها البحث عن الأفخاخ المتفجرة.

يقول جندي من وحدة حفر الأنفاق المسماة “سامور” “، إن الدخول إلى نفق بعد أن قام الروبوت بتمشيطه… يجعل الوضع أقل إرهاقًا بكثير” ويقلل من التوتر.

لكن التكنولوجيا لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كلي، اشتكى ضابط قائلا: “أكثر من مرة كان جندي يدير روبوتا عالقا داخل نفق على بعد 400 متر، محاولا استعادته، لكن كان الأمر أشبه بعبور الصحراء لمدة شهر.

في السنوات التسع التي تلت عملية الجرف الصامد، استثمر الجيش الإسرائيلي بكثافة في عمليات الأنفاق؛ حيث أدخلت تقنيات ووحدات متخصصة جديدة للجيش.

وشيدت أنفاق شبيها لأنفاق حماس؛ لأغراض التدريب، بجانب إعادة تنظيم كتيبة ياهالوم، وهي وحدة هندسة قتالية، تضم وحدة “سامور”، وتضاعفت حجم الكتيبة من 400 إلى 900 فرد، بجانب وحدات استطلاع أنفاق جديدة وفرقة غزة.

خلال 16 أكتوبر، وعد رئيس أركان الإسرائيلي، الفريق هرتسي هاليفي، بالدخول إلى غزة، واقتحام مواقع حماس العسكرية، بما في ذلك أماكن الصواريخ، ومراكز التخطيط، معلنا أن الجيش سيهاجم حماس في كل مكان.

وسيدمر كل قادة حماس وبنيتها التحتية.

لكن عمليا، فإن تحديد وإزالة الأنفاق لمسافة مئات الكيلومترات تحت الأرض، سوف يستغرق سنوات، وليس أسابيع أو أشهرا.