تثير تطورات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أزمة لأسواق الطاقة عالميًا مع إمكانية اتساع النزاع إلى صبغة إقليمية من شأنها تعطل الإنتاج في الشرق الأوسط، والذي يمثل أكثر من ثلث تجارة النفط العالمية المنقولة بحراً.

كما تضيف تداعيات الحرب على أسواق الطاقة  مخاوف جديدة لدى دول أوروبا التي تستعد لاستقبال الشتاء، في ظل توقف الإمدادات الروسية من الغاز الطبيعي.

وقالت وكالة الطاقة الدولية إن أسواق النفط على حافة الهاوية مع استمرار الحرب، بعدما كسرت مستوى 92 دولاراً للبرميل( كان 84 دولارا للبرميل) خاصة أن الصراع  في الشرق الأوسط محفوف بعدم اليقين والأحداث تتطور بسرعة.

وذلك رغم استبعاد قيام المملكة العربية السعودية، أكبر منتجي النفط في منظمة أوبك، أو منتجي النفط الآخرين باستخدام صادرات النفط كسلاح.

وقال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، خلال المؤتمر الصحفي المشترك للاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية دول المجلس بــمسقط حول تطورات الأوضاع في قطاع غزة، إن الخليج يعمل بكل شفافية ووضوح ويحافظ على أمن الطاقة كونها شريكًا للمجتمع الدولي، ولا يمكن استخدام النفط كسلاح.

وضربت الحرب بالفعل إمدادات الغاز خاصة في إسرائيل بعدما طالبت وزارة الطاقة شركة شيفرون، مشغل حقل تمار الواقع على بعد 25 كيلومترا شمال غرب غزة، والذي يلبي معظم الاحتياجات المحلية، بوقف الإنتاج مؤقتا.

وفي 10 أكتوبر تم إصدار تعليمات لشركة شيفرون بوقف التدفقات مؤقتًا عبر خط أنابيب غاز شرق البحر الأبيض المتوسط، والذي ينطلق من عسقلان (المدينة التي تستهدفها صواريخ المقاومة حاليًا).

الغاز في إسرائيل.. أزمة جديدة لأوروبا

 

الغاز في إسرائيل.. أزمة جديدة لأوروبا
الغاز في إسرائيل.. أزمة جديدة لأوروبا

كان اكتشاف مكامن الغاز البحرية، وأبرزها حقل تمار عام 2009 وحقل ليفياثان عام 2010، بمثابة الأساس للتحول  الكبير في نظام الطاقة في إسرائيل.

وبموجب هذه الاكتشافات، تحولت اسرائيل  إلى مصدر للغاز، وبلغ انتاجها خلال 2022  نحو  21.9 مليار متر مكعب من الغاز.

يأتى  11.4 مليار متر مكعب من حقل  ليفياثان و10.2 مليار متر مكعب من حقل  تمار، بينما يبلغ  حجم الاستهلالك المحلى  12.7 مليار متر مكعب ، في حين تم تصدير 5.8 مليار متر مكعب إلى مصر و3.4 مليار متر مكعب إلى الأردن.

هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إغلاق حقل تمار بسبب تهديد أمني، إذ تم استهدافه بالصواريخ عام 2021 وتم إغلاقه مؤقتًا حينها ما أثر على صادرات الغاز الإسرائيلية.

وإذا طال أمد إغلاق شركتي تمار وشركة غاز شرق المتوسط، فإنه من شأنه أن يقلل على المدى الطويل ليس فقط الإمدادات إلى إسرائيل ولكن أيضًا الصادرات إلى مصر التي تعيد تسييله وتصديره إلى دول أوروبا.

بلغ إجمالي صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال حوالي 7 ملايين طن عام 2022، ذهب منها 5 ملايين طن إلى الاتحاد الأوروبي، ومع إغلاق الحقل الإسرائيلي، تعرضت الأسعار لضغوط تصاعدية على أسعار الغاز في جميع أنحاء أوروبا وآسيا وسط مشكلات أخرى من بينها التخريب لخط البلطيق بين فنلندا وإستونيا، والإضرابات في منشآت  الغاز الطبيعي المسال الأسترالية.

انتصار جديد لروسيا في معركة الطاقة

تفرض الحرب قيودًا أكثر استدامة على قدرات التصدير في شرق البحر الأبيض المتوسط ما يشكل انتكاسة لدول الاتحاد الأوروبي مثل إيطاليا، التي تعتمد على الإمدادات من المنطقة في استراتيجيتها للابتعاد عن واردات الغاز الروسي، كما  تستثمر شركاتها في البنية التحتية للإنتاج والتصدير .

وامتلأت منشآت تخزين الغاز في الاتحاد الأوروبي بنسبة 90% قبل شهرين ونصف شهر من المهلة المحددة التي وضعتها المفوضية الأوروبية المحددة في أول نوفمبر، للاستعداد للشتاء في أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا وخفض وارداته من الغاز الروسي.

لكن هذا الرقم يمثل  ثلث الطلب  الأوربي على الغاز في فصل الشتاء، وإذا تصاعد الصراع، فستتجه كل الأنظار إلى التدخل الإيراني المحتمل، وقد يكون لذلك آثار عديدة على تدفقات الغاز الدولية، مثل زيادة المخاطر الأمنية على سفن الغاز الطبيعي المسال.

ويتدفق عبر مضيق هرمز ما  يقرب من 20% من الإمدادات العالمية  من الغاز يومياً، وكذلك  ستؤثر الحرب على خطوط أنابيب الغاز الدولية بالمنطقة.

وربما ذلك كان الوازع للصين لإرسال 7 سفن بحرية حربية للمنطقة ظهر الاثنين.

إيران ستكون كلمة السر في سوق الطاقة

 

إيران ستكون كلمة السر في سوق الطاقة
إيران ستكون كلمة السر في سوق الطاقة

يخشى الغرب تعليق محادثات التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل أو تغير مواقف الأولى من استخدام النفط كسلاح، أو إمكانية جر إيران للحرب.

وتجنب المسئولون الأمريكيون والإسرائيليون إلقاء اللوم على طهران، نظرًا لأن الارتفاع الكبير بصادرات النفط الإيرانية منذ شهر مايو عوض التخفيضات الكبيرة في الإنتاج من قبل السعودية والمنتجين الآخرين.

وحال وجود أي دليل على الدعم الإيراني في التخطيط أو تمويل هجمات حماس من شأنه أن يزيد الضغوط الرامية إلى تشديد العقوبات القائمة على صادرات الطاقة الإيرانية.

وربما  يفرض عقوبات جديدة على طهران، وقد يكون التنفيذ الأكثر صرامة أمرًا صعبًا، أما إذا شنت إسرائيل ضربات على أهداف إيرانية، فتسميل طهران إلى الهجوم من خلال الهجمات، وتخريب ناقلات النفط في الخليج.

تشهد سوق النفط العالمي حالة عدم اليقين، بحسب صحبة كربوز، خبير الطاقة في مرصد البحر الأبيض المتوسط للطاقة، الذي يقول إن “إسرائيل لاعب إقليمياً وحتى عالمياً” في قطاع الغاز الطبيعي، وإذا تصاعدت  الحرب فستكون أيضًا مشكلة لسوق النفط والغاز العالمية ولن تبقى إقليمية”.

ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، يتم استخدام الطاقة ذاتها كسلاح، فقد دمرت روسيا  كل أنواع منشآت الطاقة الأوكرانية.

في حين ردت إسرائيل على هجوم حماس بقطع إمدادات المياه والكهرباء والوقود عن غزة، وهو  الأمر الذي أثار المخاوف من تفاقم الأزمة الإنسانية، ودعت طهران بالفعل إلى فرض حظر على تصدير النفط إلى إسرائيل بعد الانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي المعمداني في مدينة غزة.

حجم الصراع ومدى انتشاره سيظل هو عنصر الفصل وطريقة تعامل منظمة الدول المصدرة للنفط معها. إذ تختلف عن الحرب في قطاع غزة عن أزمات سابقة كحرب أوكرانيا، حيث ظلت أوبك تهدف إلى استراتيجيات نفطية غير سياسية إلى جانب التعاون مع روسيا، فى حين  لا يشهد  الصراع بين إسرائيل وحماس مشاركة دول النفط الكبرى أو يؤثر على الطرق الرئيسية على عكس الحرب الروسية الأوكرانية.

قال الخبير الاقتصادي مهناد ديساي، إنه يمكن أن يتصور صراعًا إقليميًا أوسع يتورط فيه لبنان وسوريا ودول عربية أخرى. وفي هذه الظروف، فإن سعر النفط قد يقترب من 150 دولاراً للبرميل، مما يعيد التضخم إلى رقم مزدوج في الولايات المتحدة وأوروبا.

ويضيف، هذا من شأنه رفع  خطر الركود العالمي، ودفع  البنوك المركزية إلى خفض أسعار الفائدة واستئناف برامج التيسير الكمي.

الهند تبحث عن بدائل.. وانتعاش الأسطول الخفي

في مقدمة الأزمة تقع الهند التي تحصل على 60% من احتياجاتها النفطية من منطقة الشرق الأوسط لكنها حولت تركيزها استراتيجيا نحو تنويع وارداتها النفطية، والبحث عن بدائل من مناطق مثل إفريقيا وأمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية.

كما اغتنمت الهند  فرصة الحصول على تخفيضات كبيرة على واردات النفط من روسيا وارتفعت وارداتها بنسبة 80% في شهر سبتمبر.

من شأن طول الحرب أن يزيد من قوة سوق النفط الخفية التي تزايد حجمها منذ وضع سقف للغاز الروسي فالتقارير الغربية تشير إلى وجود أسطول خفي مكون من ناقلات غير مؤمنة ومجهولة المصدر كان من بينه حوالي 300 سفينة تم تتبعها تقوم بتحميل النفط من 8 مواني تصدير روسية.

حسب بعض الإحصائيات، تشكل تلك الناقلات حاليا حوالي 15% من حركة الشحن العالمي.

تمتلك روسيا أسطولاً لشحن “نفط الظل” يصل إلى نحو 500 سفينة معظمها ناقلات قديمة ذات ملكية غامضة وشركات تأمين خفية يقوم بنقل الخام الروسي إلى الصين ومواني عديدة أخرى في آسيا.

تسجل معظم تلك الناقلات بجزر مارشال التي تم فيها تسجيل 40% من حوالي 535 ناقلة من الأسطول الخفي عبر شركات شبه وهمية مسجلة.

بحسب “الجارديان” البريطانية، فإن سيناريوهات صراع غزة يمكن أن تتسبب في سيناريو يوم القيامة ــ الذي رسمه المؤرخ نيال فيرجسون إذا ما حاولت الصين استغلال الأزمة لفرض حصار على تايوان، وبالتالي تصعيد الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط إلى حرب عالمية ثالثة.