احتضنت مصر عشرات المؤتمرات الدولية سياسية، وغير سياسية على مدار تاريخها المعاصر، وظلت القاهرة منارة للجدل الثقافي والسياسي والفكري في العالم العربي، إلى أن بدأت، منذ عهد الرئيس الراحل حسني مبارك بالاهتمام بالمؤتمرات الدولية، واعتبرتها أحد أدوات الحضور السياسي في المنقطة والعالم، خاصة أنها تنوعت في مضامينها، وأهدافها ما بين مؤتمرات سياسية واقتصادية ودينية وثقافية وأخرى، تتعلق بحقوق المرأة وغيرها.
وقد دخلت مصر دائرة الاهتمام بالمؤتمرات الدولية التي تدعم مسار السلام في عهد الرئيس مبارك، وخاصة عقب اتفاق أوسلو في ١٩٩٣ الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.
وقد شهدت مصر في ١٩٩٦، واحدا من أهم المؤتمرات التي عرفتها مصر والمنطقة؛ من أجل دفع عملية السلام، وعرف بمؤتمر “صناع السلام”، وشارك فيه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، والرئيس الروسي بوريس يلتسن، والفرنسي جاك شيراك، والملك فهد وغيرهم من قادة العالم.
والحقيقة أن قوة هذا المؤتمر تمثلت، في أنه أولا نجح، في أن يحضر قادة العالم من الشرق والغرب المعنيون بعملية السلام إلى مصر، ولذا كان من المفهوم أن يحمل اسم “صناع السلام”، ليس على سبيل الفخر بترديد اسم بلا مضمون، لنقول إننا نصنع السلام، إنما جاء عقب اتفاق أوسلو للسلام الذي واجه تحديات كبيرة، وعنفا متبادلا أدى في النهاية إلى إجهاض الاتفاق؛ بسبب سياسة الاستيطان الإسرائيلية.
كما إنه ثانيا اشتبك بوضوح مع القضيتين محل النزاع بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، وهما قضية الإرهاب، والتسوية السلمية، ولذا لم يكن غريبا أن يخرج المؤتمر ببيان ختامي، وهو أمر ليس سهلا في ظل حضور الرئيس الأمريكي، ومعه كثير من قادة العالم الغربيين، والعرب على السواء.
فقد وقع كل من الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، مع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، على البيان الختامي الذي عُقد برئاستهما في شرم الشيخ في ١٣ مارس ١٩٩٦.
وأشارا إلى أن لهذه القمة ثلاثة أهداف سياسية: تعزيز عملية السلام، تدعيم الأمن، ومحاربة الإرهاب.
ونص البيان الختامي، على أن “المشاركين يعربون عن دعمهم الكامل لعملية السلام في الشرق الأوسط، وعزمهم على أن تستمر هذه العملية؛ من أجل تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في المنطقة. ـ يؤكدون عزمهم على تعزيز الأمن والاستقرار ومنع أعداء السلام من تحقيق هدفهم الأول وهو تدمير الفرص الحقيقية للسلام في الشرق الأوسط.
وأضاف البيان: ولتحقيق هذه الأهداف قررنا: دعم الاتفاقات الإسرائيلية- الفلسطينية واستمرار عملية المفاوضات وتدعيمها سياسياً واقتصادياً وتعزيز الوضع الأمني للطرفين مع إيلاء الحاجات الاقتصادية القائمة والملحة للفلسطينيين، اهتماماً خاصاً، ودعم استمرار عملية المفاوضات؛ من أجل تحقيق تسوية شاملة، والعمل لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة بتطوير إجراءات فعالة وعملية للتعاون.
صحيح إن إسرائيل لم تلتزم بمسار السلام، وأجهضت نتائج هذا المؤتمر، مثلما فعلت مع اتفاق أوسلو، وانطلقت في بناء المستوطنات، حتى باتت تسيطر على ٤٠٪ من الضفة الغربية، وزادت أعداد المستوطنين إلى ٧ أضعاف، بجانب عمليات القتل والتهجير التي استهدفت الفلسطينيين.
وتكررت المحاولة الثانية؛ لإنقاذ عملية السلام بعد انتفاضة الأقصى، وعقب وفاة ياسر عرفات، وتولي محمود عباس قيادة السلطة الفلسطينية، فدعا الرئيس مبارك في ٢٠٠٥ لمؤتمر للسلام حضره رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون مع الملك عبد الله، ومحمود عباس، وتحسنت على أثره قليلا الأوضاع المعيشية للفلسطينيين، وتفاءل البعض بإمكانية العودة لمسار التسوية السلمية، لكنه تفاؤل سرعان ما انهار أمام استمرار نفس السياسات الإسرائيلية، ثم دخول حماس وإسرائيل في مواجهة مسلحة جديدة في ٢٠٠٨، والتي تكررت مرات كثيرة بعد ذلك، حتى انهار مسار السلام بالكامل؛ بسبب السياسات الإسرائيلية التي قضت على أي أفق للتسوية السلمية.
وجاءت المحاولة الثالثة هذا الأسبوع بعقد مؤتمر القاهرة للسلام، وهو عنوان غير موفق، لأن خيار السلام غير مطروح في ظل المواجهات الدموية الحالية، واستهداف المدنيين في غزة، وربما كان من الأفضل أن يحمل عنوان ” نحو هدنة إنسانية”، لأن هذا هو المسعى الحقيقي لمعظم دول العالم في الوقت الحالي، وكان يمكن أن يفتح التركيز على هذا العنوان مسارا جادا؛ لوقف إنساني لإطلاق النار.
وقد أدي اختيار هذا المؤتمر؛ لهدف شديد العمومية، وغير قابل للتحقيق (من أجل السلام) في عدم خروج بيان ختامي، ولم يسفر المؤتمر عن التقدم في المسار الإنساني (المأمول)، والسياسي (غير الوارد حدوثه).
من الموكد أن المؤتمرات الدولية صارت أحد أدوات القوة الناعمة، والتأثير الإقليمي والدولي لكثير من دول العالم، وأن مصر بصرف النظر عن نتائج هذه المؤتمرات أصبحت لديها خبرة في انعقادها، والمطلوب هو وضع أهداف قابلة للتحقيق، ومرتبطة بالسياق السياسي والاقتصادي والعسكري المحيط، حتى يمكن أن يشكل هذا المؤتمر مساهمة حقيقية في حل النزاع القائم.