قرأت فيما قرأت، أنه يعتبر القانون الدولي الإنساني من أحد الفروع الهامة للقانون الدولي العام، والذي يهتم بحماية ومساعدة ضحايا الحروب، والنزاعات المسلحة وينظم عمليات سير وإدارة هذه الحروب والنزاعات، و إذا ما تم تطبيق قواعده يتم إنقاذ حياة الملايين من البشر، وأنه يقصد بالقانون الدولي الإنساني مجموعة قواعد، وضوابط هدفها الحد من تأثير النزاعات المسلحة، وحماية الأشخاص الذين لا يُشاركون في القتال كالمدنيين، أو الذين لم يعودوا طرفا في القتال مثل، الجنود المصابين، كما يرمي إلى الحد من الوسائل المستخدمة في الصراع؛ أملا في التخفيف من الخسائر البشرية والمادية المترتبة على النزاع المسلح، ويستند ذلك الفرع من فروع القانون الدولي إلى مجموعة من الاتفاقيات التي انضمت إليها الدول، والتي تمثل أهم قواعدها اتفاقيات جنيف الأربعة، إضافة إلى القواعد العرفية المكملة للقوانين والاتفاقيات المكتوبة، وهي ما توافقت عليه إرادات وتصرفات الدول حال النزاعات، وباتت بمثابة القواعد العرفية المكملة.

وأهم ما جاء باتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها من تحريم أفعال القتل العمد للأفراد المدنيين، أو غير المشاركين في العمليات الحربية، أو تعمد إحداث معاناة شديدة، أو إلحاق أضرار جسيمة بالجسد والصحة، أو إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات، والاستيلاء عليها بغير ضرورة، تبررها الأعمال العسكرية، كما أنها أيضا تجرم كافة أعمال العدوان على المستشفيات، ودور العبادة ومراكز الإيواء.

ووفقا للنظام الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، والتي عرفت جرائم الحرب بأنها: تلك الجرائم التي ترتكب بالمخالفة لقوانين، وأعراف الحروب والنزاعات المسلحة، فإن ما يتم بحق سكان قطاع غزة، لا يمكن إلا أن يُعد شكلا من أشكال جرائم الحرب التي يجب المحاسبة والمحاكمة عليها.

ولكن وبشكل وصفي سريع لما يحدث في غزة، خلال الأيام الماضية تجد الآتي:

قامت قوات إسرائيل بقصف متعمد لمستشفى المعمداني بتاريخ 17 أكتوبر، والذي أسفر عن استشهاد ما يقارب الألف إنسان، ممن يتلقون العلاج.

قصف مدرسة عبد العزيز التابعة لوكالة غوث، وتشغيل اللاجئين ” الأونروا ” بتاريخ 18 أكتوبر، مما أسفر عن المزيد من الشهداء والمصابين.

قصف كنيسة القديس بروفيريوس للروم الأرثوذكس بتاريخ 19 أكتوبر، وذلك بعد أن لجأ إليها مئات النازحين، الأمر الذي خلف شهداء ومصابين.

وتلك بعض الأمثلة على الانتهاكات التي تقوم بها القوات الإسرائيلية، بخلاف استخدام أسلحة محرمة، وهو ما سوف تخبر عنه الأيام القادمة، وتفضحه الإصابات المتخلفة عنه.

فإذا ما قابلنا ذلك بما يطلق عليه  “شرط مارتنز”،  والذي يعد أحد مصادر القانون الإنساني الدولي التي يتم الاستشهاد بها كثيرًا عند تحديد مبادئه الأساسية. وقد تم تقديم ذلك لأول مرة في ديباجة اتفاقية لاهاي الثانية لعام 1899، ومنذ ذلك الحين، اكتسبت وضع القانون الدولي العرفي. وينص “شرط مارتنز” على أنه حتى في المواقف التي لا تغطيها صكوك القانون الدولي الإنساني المدونة بشكل صريح، يتمتع كل من المقاتلين، والمدنيين بمستوى أدنى من الحماية، وهو أن جميع الأعمال العدائية يجب، أن تنظمها مبادئ قانون الأمم، عندما تنتج عن استخدامات القانون الدولي، ومن قوانين الإنسانية، ومن إملاءات الضمير العام. ويعكس هذا الهدف الشامل للقانون الدولي الإنساني، وهو وضع معايير ضبط النفس كحد أدنى، وغير القابلة للانتقاص، والتي تنطبق في جميع حالات النزاع المسلح.

وإذا ما أضفنا، إلى أن أهم قواعد القانون الدولي الإنساني في حالات الحروب هي مبدأ الضرورة، والتناسب في أعمال القتل، وحظر التسبب في معاناة غير ضرورية، وأنه يجب التمييز ما بين المدنيين والعسكريين، وحظر مهاجمة العاجزين عن القتال.

أعتقد أن ذلك ما يمثل معظم، ما اتفقت عليه بلدان العالم بزعمها، أنها من الأمم المتحضرة، فهل فيما يفعله الإسرائيليون برعاية، وعناية أمريكية وأوربية ودعم يمثل عن تلك الحضارة المدعية، أعتقد أنه لا تمثل، سوى أدنى درجات البربرية والوحشية، كما أنه يدلل بشكل منقطع النظير، على أن وجود النصوص الاتفاقية مرهون فقط بقوة الدول أو بتكتلاتها، حتى إذا ما أردفنا إلى ما سبق موقف الأمم المتحدة، فقد فشل مشروع قرار صاغته روسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يدعو إلى وقف إطلاق النار؛ لأسباب إنسانية في الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية في غزة، في الحصول على الحد الأدنى من تسعة أصوات مطلوبة في المجلس المؤلف من 15 عضوا. وكان نتاج الأمم المتحدة متمثل في أمينها العام من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده أمام معبر رفح من الجانب المصري

وأعرب الأمين العام أنطونيو جوتيريش فيه عن حزنة الشديد؛ بشأن الوضع الإنساني في غزة، وقال إن وراء المعبر الذي يفصل مصر عن القطاع، “يوجد مليونا شخص يعانون بشكل هائل، دون ماء أو غذاء أو دواء أو وقود.، وعلى هذا الجانب لدينا الكثير من الشاحنات محملة بالماء والغذاء والدواء. هي الفارق بين الحياة والموت بالنسبة لسكان غزة. نحتاج لتحريكها إلى الجانب الآخر بأسرع وقت ممكن وعلى نطاق واسع”. هذا كان الموقف الرسمي للمنظمة الأعلى في التنظيمات الدولية، وأعتقد أن الأمر يختلف على المستوى الأقليمي، نجد أن موقف جامعة الدول العربية، وهي المنظمة المعنية بالعرب، تجد في بيانها الصادر بتاريخ الحادي عشر من أكتوبر الحالي، أعلن فيه مجلس جامعة الدول العربية – الذي انعقد على مستوى وزراء الخارجية في دورته غير العادية – على ضرورة الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتصعيد في القطاع ومحيطه، داعيا الأطراف إلى ضبط النفس، والتحذير من التداعيات الإنسانية والأمنية الكارثية؛ لاستمرار التصعيد وتمدّده، كما دعا الوزراء في قرارهم بعنوان “العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني” في ختام أعمال الدورة غير العادية لمجلس الجامعة اليوم الأربعاء برئاسة المغرب، إلى العمل مع المجتمع الدولي على إطلاق تحرك عاجل، وفاعل لتحقيق ذلك، تنفيذا للقانون الدولي، وحماية لأمن المنطقة، واستقرارها من خطر توسع دوامات العنف التي سيدفع ثمنها الجميع.

ومن الجدير بالذكر أن كل هذه المحاولات، والسعي الأممي المزعوم، لم يسفر سوى عن دخول بعض الشاحنات التي تحمل بعض المواد الغذائية والأدوية والوقود، وكأنهم يتسولون من الطرف المعتدي، أو يدعمون موقفه تحت سُتر مغلفة.

ومن هنا، هل تبقى من الإطار الدولي القانوني أو الأممي شيء لم تحطمه الآلة العسكرية الإسرائيلية؟ أم أن الأمر فقط يقف عند حد من يتملك القوة، فهو يحقق، ما يربو إليه، وهو الواضح بشأن السياسات الأمريكية والغربية، أم أن العالم بحاجة إلى وجود نظام قانوني جديد يحكمه، دون استثناءات، ودون حقوق طبقية متمثلة، فيما يدعى بالفيتو.

أرى أنه على العالم العربي والشرق أوسطي، أن يشكل سياسته بيده، وأن ينقطع عن تلك التبعية الغربية، وأن يعيد صياغة المنطقة بشكل قانوني وسياسي مختلف وجديد.