الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر هي هيئة مستقلة بحكم المادة 208 من الدستور المصري، رغم أنها تتألف من عشرة قضاة، أربعة منهم بنسبة 40 %، تابعون للسلطة التنفيذية، ويعملون تحت إمرة وزارة العدل، وهم قادمون من النيابة الإدراية، وهيئة قضايا الدولة، وهؤلاء اعتبرهم دستور 2012 المعدل عام 2014 ضمن القضاة.

واحد من الأمور المهمة في وجود هيئة وطنية للانتخابات، والتي تأسست وفق القانون 198 لسنة 2017، هو أن تلك الهيئة نشأت على اعتبار، أنها ستدير وتشرف على الانتخابات والاستفتاءات. فهي ستنفذ ما جاء به الدستور، وكلفها به قبلها اللجنة العليا للانتخابات التي كانت تدير الانتخابات البرلمانية، ولجنة انتخابات الرئاسة التي تدير الانتخابات الرئاسية، وذلك كله قبل العام 2017.

الآن، وتحديدًا منذ العام 2017، حلت الهيئة محل كل ذلك، لتنفذ ما قاله الدستور، من أن تلك الهيئة المؤلفة من عشرة قضاة منتدبون ندبا كليا، ستتولى إدارة الانتخابات والاستفتاءات العامة برمتها. ولها أن تستعين في عمليتي التصويت، والفرز بأعضاء من الهيئات القضائية. ويتم الاقتراع والفرز في العشر سنوات التالية لتاريخ العمل بالدستور، تحت إشراف كامل من أعضاء الجهات والهيئات القضائية.

ولا يخفى على ذهن الباحثين الدستوريين وفقهاء القانون ما لذلك النص، من أن الأصل هو إجراء الانتخابات والاستفتاءات وفق إشراف الهيئة، سيتم عبر الاستعانة بموظفي الدولة كمشرفين على صناديق الاقتراع وعملية الفرز، وأن للهيئة إمكانية الاستعانة بالقضاة للوقوف على لجان التصويت، والفرز لمدة 10 سنوات، كانت قد بدأت منذ الموافقة على الاستفتاء على الدستور في 18يناير 2014. أي أن مهمة تكليف القضاة بالإشراف على الاقتراع بمعادلة قاض على كل صندوق، الجوازية أو الممكنة، ستنتهي بنهاية يوم 17يناير 2024.

ولعل القارئ لمحاضر إعداد الدستور، ولتلك المادة تحديدًا، لا تخفى عيناه، عن أن منطوق المادة وضِع بعد إشارة من سنها من لجنة الـ 50، من أنه خلال مدة العشرة سنوات ستكون الجهة المشرفة على الانتخابات (الهيئة الوطنية)، قد دربت آخرين غير القضاة على الإشراف على الانتخابات (رئاسية ونيابية ومحلية)، والاستفتاءات، ومن ثم ستكون عندئذ ملزمة بحكم الدستور على إجراء أي استحقاق تصويتي بعد 17 يناير 2024، (انتخابات/استفتاءات) بإشراف موظفي الدولة.

لذلك لايوجد غرابة، في أن الهيئة الوطنية للانتخابات بدافع من السلطة المصرية عمدت إلى تبكير موعد الانتخابات الرئاسية الحالية نحو ثلاثة أشهر حتى تجرى الانتخابات –وفق معادلة قاضي على كل صندوق اقتراع- بشكل لا يحمل أي شبهة لعدم الدستورية، وهي الشبهه التي ستحدث إذا ما كان الاقتراع والفرز سيتجاوز تاريخ 17 يناير 2024.

السؤال الآن: ماذا ستفعل الهيئة الوطنية للانتخابات في استحقاقات الاقتراع اللاحقة عن تاريخ 17يناير 2024؟ سيما وقد أهملت الهيئة تماما ما أشارت له لجنة إعداد الدستور، بتدريب الموظفين من غير القضاة على الإشراف على الصناديق. بعبارة أخرى، كيف ستستعد الهيئة لمثل هذا اليوم القادم لا محالة؟

هناك احتمالان لا ثالث لهما: –

الاحتمال الأول، أن يجرى تعديل دستوري يتناول مد الاستحقاق الإشرافي على الانتخابات والاستفتاءات بمعادلة قاض على كل صندوق، لمدة أخرى، قد تكون عشر سنوات جديدة. وهذا الإجراء له سمات ومثالب. بشأن السمات، فإن الاستفتاء على تعديل الدستور في هذا الشأن سيكون بإشراف موظفي الدولة، لأنه سيكون خاضع للأوضاع التي ستبدأ بعد مرور السنوات العشر من تاريخ 18يناير 2014. أما بشأن المثالب، فإن التخوف الدائم من تعديل الدستور المصري لغرض من الأغراض، يأتي لكونه عادة ما يفتح شهية البعض من الموالاة؛ لإجراء تعديلات دستورية إضافية، ثبت أنها تزيد من مكانة السلطة التنفيذية في مواجهة سلطات الدولة الأخرى، والمجتمع في آن.

الاحتمال الثاني، أن تقوم الهيئة الوطنية للانتخابات؛ بإجراء الاستحقاقات التصويتية اللاحقة لتاريخ 17يناير 2024 بالاستعانة مؤقتا بموظفي الدولة للوقوف على عمليتي الاقتراع  والفرز. هنا يجب أن نشير، إلى أن هؤلاء- وفقًا لتجربة قاض على كل صندوق- سيكون عددهم على الأقل 20 ألف موظف، وهو ذات عدد القضاة المشرفين على آخر انتخابات.

لذلك فإن الهيئة الوطنية عليها، أن تقوم من اليوم ببعض الخطوات المهمة في هذا الصدد.

– الاختيار الدقيق لموظفي الدولة القائمين مؤقتا على الرقابة على عمليتي التصويت والفرز، مع الاهتمام بعنصر الوقت حتى يكون الوقت ملائما للتعامل مع هذا الأمر، وبحيث يكون هؤلاء من الموظفين من الدرجة الأولى والثانية والثالثة الوظيفية على أقصى تقدير، حتى يكونوا على دارية بفهم طبيعة العمل وحجمه ودقته.

– الاستعانة بالخبرات الدولية، بمعنى الاطلاع على التجارب الدولية في اختيار الموظفين المؤقتين لأعمال الاقتراع والفرز، بحيث يستفاد من تلك التجارب في نزاهة الاقتراع وشفافيته.

– اهتمام الهيئة الوطنية بالبحث والتحري مع الجهات الأخرى إبان اختيار الموظفين المؤقتين، بحيث يكون سجل هؤلاء يتسم بالنزاهة والسيرة الذاتية النظيفة وحسن السير والسلوك، وألا يكون لأي من هؤلاء سابقة، تتصل بجرم أو عقوبة باتة ونهائية ولو رُد لهؤلاء اعتبارهم في وقت لاحق.

– حسن توزيع الموظفين المؤقتين المختارين، بحيث لا يتسلم أي من هؤلاء عملهم الخاص بالاقتراع، والفرز في الأماكن التي ينتمون إليها بالمولد أو السكن أو العمل الأصلي للموظف، وذلك لتلافي أية محاباة خلال العمل، وتلك المحاباة أمر شائع في عديد البلدان النامية التي يكثر فيها التعامل البشري على أساس قبلي، أو عائلي أو جهوي. ومما لا شك فيه أن ذلك يرتبط بحتمية إقرار الموظف بعدم وجود قريب من ذات العائلة، أو القبيلة،  ضمن المترشحين للانتخاب في ذات الدائرة المختارة، عند تسكين الموظفين في العمل الانتخابي المؤقت.

– يتصل بما سبق، أن يكون اختيار الهيئة الوطنية للانتخاب لموظفين مؤقتين لإدارة عمليتي الاقتراع والفرز، من غير المنتمين للأحزاب السياسية، وذلك لضمان نزاهة الانتخابات وحيدتها.

– التدريب المستمر والدؤوب، لمن يتم اختيارهم حتى يصبح هؤلاء على دراية وخبرة بعملية استقبال الناخب، وتوقيعه، وتسليمه ورقة الاقتراع، وغمس يده بالحبر الفسفوري، والتعامل السوي مع منظمات المجتمع المدني المُتابعة للاقتراع، والترجُل خارج اللجنة وحول المقر، للنظر في أية تجاوزات، واستدعاء الأمن إن لزم الأمر، أو الاتصال الفوري بالهيئة الوطنية للانتخاب حال الضرورة، وتوعيتهم بأفضل الطرق لتأمين الصناديق، وفرز أوراق الاقتراع، وتسجيل نتائج التصويت، وإرسالها للهيئة، وحفظ الأوراق والمستندات….إلخ.

كل هذه الأمور على الهيئة أن تسرع بالعمل بها، ولا يمنع ذلك أن تبدأ بخوض تلك التجربة ببعض الموظفين؛ للوقوف على الصناديق وأعمال الفرز في انتخابات الرئاسة الحالية، هنا يمكن أن نلحق، بما فات ومر من وقت، دون تدريب الهيئة لموظفي الدولة.

ما ينبغي قوله، هو أن هذا البلد مملوء بالشرفاء، ولا يعني تسليم القضاة هذا الملف، منذ أكثر من عقدين واعتياد الكثيرين على ذلك، أنه لا يوجد من غيرهم، من هو نزيه أو شريف أو موضوعي، فقط الأمر يحتاج لبعض الجهد؛ لانتقاء العنصر البشري الجيد والقادر على تحمل تلك المسئولية.