حذر البنك الدولي من تداعيات تمدد الصراع بين إسرائيل وحماس، بما يخلق صراعا أوسع في الشرق الأوسط، وقال البنك خلال تقرير جديد، إن توسع الصراع قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل حاد، ولكنه لاحظ، أنه حتى الآن تظل التأثيرات محدودة.

فقد شهدت الأسواق، ارتفاع أسعار النفط بنحو 6 %، ما أثر على أسعار المواد الغذائية، والمعادن بشكل طفيف.

يقول البنك، إن الاقتصاد العالمي في وضع أفضل بكثير للتعامل مع تحركات كبيرة في أسعار النفط، عما كان عليه في السبعينيات، “حينما نشبت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973″، لكنه يحذر، من أن تصعيد الصراع- إلى جانب الاضطرابات الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، قد يسبب صدمة مزدوجة.

وقدم التقرير تقييمًا أوليًا للتداعيات المحتملة لهذا الصراع في الأجل القريب على أسواق السلع الأولية. ويخلُص إلى وجوب احتواء آثار هذا الصراع؛ لتكون في أضيق الحدود، وعدم اتساع دائرته.

ووفقًا لتوقعات البنك الدولي، سيبلغ متوسط أسعار النفط 90 دولارًا للبرميل في الربع الحالي من العام، قبل أن يتراجع إلى 81 دولارًا للبرميل في المتوسط في السنة القادمة مع تباطؤ، وتيرة النمو الاقتصادي العالمي.

أيضا ستنخفض أسعار السلع الأولية بوجه عام بنسبة 4.1 % في السنة القادمة. ومن المتوقع أيضا، أن تنخفض أسعار السلع الزراعية في السنة القادمة مع زيادة الإمدادات، هذا بجانب توقعات؛ لانخفاض أسعار المعادن الأساسية بنسبة 5 % في 2024، واستقرار أسعار السلع الأولية في 2025.

ثلاثة سيناريوهات

في تقدير أولى، طرح البنك ثلاثة سيناريوهات محتملة لأسعار النفط، اعتماداً على درجة انقطاع إمدادات النفط، ووفقا إلى التجارب التاريخية التي شهدها العالم، منذ سبعينيات القرن الماضي. وقال البنك، إن كل سيناريو يتعلق بدرجة التعطيل، ونقص الإمدادات.

وأعطى البنك مثالا: إذا انخفضت إمدادات النفط العالمية بمقدار 500 ألف برميل إلى مليوني برميل يوميًا، وهو ما يعادل تقريبًا الانخفاض الذي شهدته إبان الحرب الأهلية الليبية عام 2011، سيرتفع سعر النفط مبدئيًا بين 3 % و 13 % مقارنة بمتوسط الفترة ربع سنوية الحالية بواقع 93 و102 دولار للبرميل.

وفي “سيناريو التعطيل المتوسط”، والذي سيكون معادلاً لحرب العراق في عام 2003، قد تزيد الأسعار إلى 35 %؛ لتصل إلى 121 دولاراً للبرميل.

ومن شأن “سيناريو التعطيل الكبير” الذي يمكن مقارنته بالحظر النفطي العربي في عام 1973، أن ترتفع الأسعار بنسبة 75 %؛ لتصل إلى 157 دولارًا للبرميل.

وتعليقًا على ذلك، قال إندرميت جيل، رئيس الخبراء الاقتصاديين والنائب الأول لرئيس البنك الدولي: “يأتي هذا الصراع الأخير في منطقة الشرق الأوسط في أعقاب أكبر صدمة شهدتها أسواق السلع الأولية، منذ سبعينيات القرن الماضي، وهي حرب روسيا على أوكرانيا، ولهذه الصدمة آثار مدمرة على الاقتصاد العالمي، لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، لذا سيتعين على واضعي السياسات توخي اليقظة والحذر.

مشيرا إلى أنه إذا حدث تصعيد في هذا الصراع، فسيواجه الاقتصاد العالمي صدمةً مزدوجةً في مجال الطاقة للمرة الأولى، منذ عقود، ليس فقط من الحرب في أوكرانيا، ولكن أيضًا من الشرق الأوسط “.

 ارتفاع أسعار الغذاء

بينما قال أيهان كوسي نائب رئيس الخبراء الاقتصاديين، ومدير مجموعة آفاق التنمية بالبنك الدولي: “إن استمرار الارتفاع في أسعار النفط يعني حتمًا ارتفاع أسعار الغذاء، وإذا حدثت صدمة شديدة في أسعار النفط، فستؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم في أسعار المواد الغذائية”.

مشيرا إلى أنها فعليا مرتفعة في العديد من البلدان النامية، وفي نهاية عام 2022، كان أكثر من 700 مليون شخص- أي ما يقرب من 10 % من سكان العالم- يعانون نقص التغذية، وتصعيد هذا الصراع، سيزيد انعدام الأمن الغذائي، ليس في المنطقة فحسب، ولكن أيضًا في جميع أنحاء العالم”.

يؤكد البنك، أن الآثار الطفيفة لهذا الصراع حتى الآن على أسعار السلع الأولية، قد تعكس التحسن في قدرة الاقتصاد العالمي على استيعاب صدمات أسعار النفط.

ويشير التقرير، إلى أن الدول في جميع أنحاء العالم، قامت بتعزيز استعداداتها؛ لمواجهة مثل هذه الصدمات، منذ أزمة الطاقة التي حدثت في سبعينيات القرن الماضي.

مشيرا إلى إجراءات، اتخذتها الدول منها، تقليل اعتمادها على النفط، حيث انخفضت كمية النفط اللازمة؛ لتوليد دولار واحد من إجمالي ناتجها المحلي لأكثر من النصف منذ عام 1970.

إضافة إلى ذلك، أصبح لدى بعض الدول قاعدة أكثر تنوعًا من مُصَدّري النفط، فضلا عن زيادة موارد الطاقة، لا سيما مصادر الطاقة المتجددة.

كما لجأت بعض البلدان إلى إنشاء احتياطيات نفطية استراتيجية، ووضع ترتيبات لتنسيق الإمدادات، فضلاً عن تطوير أسواق العقود الآجلة للتخفيف من أثر نقص النفط على الأسعار. وتشير هذه التحسينات، إلى أن تأثيرات تصاعد الصراع قد تكون أقل حدة من ذي قبل.

على صانعي السياسات توخي الحذر

ورغم التأثيرات المحدودة حتى الآن، ينصح التقرير واضعي السياسات، أن يظلوا في حالة ترقب وحذر، فبعض السلع، وخاصة الذهب، تشير إلى توخي الحذر بشأن التوقعات، حيث ارتفعت أسعاره بنسبة 8 %، منذ بداية الصراع. وأسعار الذهب لها علاقة ملحوظة بالمخاوف الجيو سياسية، حيث ترتفع في فترات الصراع وعدم اليقين، مما يشير في كثير من الأحيان إلى تراجع ثقة المستثمرين.

وإذا تصاعد الصراع، فعلى واضعي السياسات في البلدان النامية اتخاذ الاحتياطات، أو الخطوات اللازمة للتعامل مع الزيادة المحتملة في التضخم العام.

وأضاف: على الحكومات أن تتجنب القيود التجارية مثل، فرض الحظر على تصدير المواد الغذائية والأسمدة. وغالبًا ما تقود هذه التدابير إلى تفاقم تقلبات الأسعار، وزيادة انعدام الأمن الغذائي.

كما يجب عليها أيضًا عند التصدي لارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية، أن تمتنع عن فرض ضوابط على الأسعار أو دعمها. وهناك خيار أفضل، يتمثل في قيام الحكومات بالارتقاء بمستوى شبكات الأمان الاجتماعي، وتنويع مصادر الغذاء، ورفع درجة الكفاءة في إنتاج المواد الغذائية وتجارتها.

ويُمكن لجميع البلدان تعزيز أمن الطاقة على المدى الطويل بتسريع وتيرة التحول إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة؛ للتخفيف من الآثار المترتبة على صدمات أسعار النفط.