تتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة يوما بعد يوم، ومع دخول الحرب أسبوعها الرابع، لا تظهر بوادر، تدل على اقتراب التوصل؛ لتهدئه في الوقت الراهن.

وفقا لبيانات وزارة الصحة في غزة، وصل عدد ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 8306 شهداء،  بينهم 3,457 طفلًا، وذلك بحسب المعلن حتى اليوم الاثنين.

وأعلنت تل أبيب، منذ بداية الحرب عن هدف واضح، وهو تصفية حماس بشكل نهائي، ولكن سعي إسرائيل للقضاء على حماس يطرح العديد من الأسئلة والإشكاليات.

هل ستنجح إسرائيل في تحقيق هدفها المنشود؟ وإن نجحت بالفعل، ماذا سيكون الوضع في غزة ما بعد حماس؟

وما هي الآثار المترتبة على هذا؟ بالإضافة إلى غموض مصير سكان غزة من المدنيين، وأزمة اللاجئين المتوقعة.

تلك الأسئلة تشغل جميع الأطراف الدولية، والإقليمية المتورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في الصراع، ولكن كما أن لكل طرف سيناريو مختلف حول مصير غزة، لكل طرف مصلحة مختلفة أيضا وراءها.

واشنطن واحتواء غضب تل أبيب

كان موقف واشنطن واضحا وسريعا في دعم إسرائيل عقب هجوم حماس،. تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأن يقدم الدعم الكامل لإسرائيل، وأكد أن من حق إسرائيل الرد.

كما وصف بايدن هجوم حماس بالشر المطلق، لقد أرسلت واشنطن بالفعل حاملات طائرات، وسفن بحرية لدعم إسرائيل.

وأيضا طلب بايدن من الكونجرس 106 مليارات دولار؛ لتقديم الدعم لإسرائيل وأوكرانيا، وتم تخصيص جزء من تلك الأموال؛ لتعزيز الدفاعات العسكرية لإسرائيل.

هذا بالإضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية لتل أبيب، وتخصيص جزء آخر للمساعدات الإنسانية لغزة.

ولكن على الرغم من دعم بايدن لإسرائيل، تحاول واشنطن أيضا، أن تحتوي غضب تل أبيب. لقد صرح بايدن، بأن احتلال إسرائيل لغزة سيكون خطأ كبيرا، ودعا الجانب الإسرائيلي للالتزام بقواعد الحرب.

وأضاف أن الكثيرين من الشعب الفلسطيني لا يتبنون وجهة نظر حزب الله وحماس.

يضغط المسئولون في الإدراة الأمريكية على تل أبيب؛ للسماح بمرور المساعدات لغزة، كما نصحت الإدارة الأمريكية إسرائيل، أن تؤجل العملية البرية في غزة؛ من أجل أن يكون هناك مزيد من الوقت؛ للمفاوضات حول الرهائن وإدخال المساعدات.

تحتاج واشنطن المزيد من الوقت؛ للاستعداد لمواجهة الهجمات المرجح، أن تبدأ من طرف وكلاء إيران عقب اجتياح إسرائيل البري لغزة.

وفي محاولة لتهدئة إسرائيل أيضا، حث بايدن المسئولين في تل أبيب بألا “يلتهمهم الغضب”، وأن يتجنبوا تكرار الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة عقب هجمات 11 سبتمبر نتيجة الغضب.

لم يكن اتجاه بايدن نحو موقف أكثر اتزانا نسبيا من السابق من فراغ، بل جاء نتيجة عدة ضغوط على الإدارة الأمريكية.

حيث تخضع الإدارة الأمريكية لضغوط خارجية؛ من أجل تبني موقف متزن، وتلك الضغوط تأتي من دول في المنطقة مثل، مصر والأردن والعراق من ناحية، والأوروبيين من الناحية الأخرى (الذين برغم دعمهم لتل ابيب، يحثون إسرائيل على الالتزام بقواعد القانون الدولي، والإنساني وانتقدوا الحصار على غزة).

وهناك داخليا أيضا، ضغوط أعضاء ونواب من الحزب الديمقراطي، وأفراد في الإدارة الأمريكية، انتقدوا انحياز بايدن لإسرائيل، ودعوه للضغط من أجل وقف التصعيد وإطلاق النار، الأمر الذي وصل إلى استقالة موظفين من الخارجية الأمريكية احتجاجا على موقف بايدن المتحيز.

الموقف في غزة أيضا له عواقب سلبية على استقرار المنطقة، مما يثير قلق واشنطن. كما يلاحظ آرون ديفيد ميلر، بأن بايدن في زيارته لإسرائيل سعى؛ لوقف التصعيد وعودة استقرار الأوضاع؛ منعا لدخول إيران أو حزب الله في الحرب الدائرة، مع طمأنة إسرائيل باستمرار دعم واشنطن.

يحاول بايدن كبح أهداف إسرائيل، والسيطرة على آثار عملياتها؛ لمعالجة الأزمة الإنسانية في غزة (وضع المدنيين ودخول المساعدات)، خاصة مع عزم تل أبيب على تنفيذ عملية برية قريبا.

بالفعل قالت مصادر لبلومبيرج، بأن الولايات المتحدة تحاول التأثير على مسار العملية البرية، من أجل تقليل الضحايا من المدنيين الفلسطينيين والسيطرة على الصراع.

من أولويات الولايات المتحدة أيضا، هو إخلاء الرهائن الأمريكيين الذين تحتجزهم حماس، قبل اجتياح إسرائيل البري لغزة. لقد وافقت حماس بالفعل على الإفراج عن أم وابنتها من الرهائن الأمريكيين بعد جهود دبلوماسية بمساعدة قطر، ولكن لا يزال هناك رهائن أمريكيون آخرون غير معروف عددهم.

كما تأمل الإدارة الأمريكية، بأن الوضع في غزة لن يوقف مسار اتفاقات إبراهام، فإتمام اتفاق السلام بين السعودية، يعد على رأس أولويات، وخطط واشنطن نحو تحقيق الاستقرار في المنطقة.

وسبق وصرح بايدن، بأن هجوم حماس سعى لعرقلة اتفاق السلام بين الرياض وتل أبيب، ولكنه أكد، بأن الاتفاق لم ينته، وأن مسار التطبيع بين إسرائيل والسعودية سيستمر.

تجارب بكين في غزة

استغلت الصين فرصة الصراع للدفع باستراتيجيتها الرامية، لإضعاف النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، وفي بدايات الأزمة أصدرت الصين بيانا محايدا، اختلف عن ردود الفعل الغربية، فلم يدن البيان حماس، ولم يبد تعاطفا نحو إسرائيل، بل دعا الطرفين للتهدئة، وأكد على حل الدولتين. لكن عدم إدانة بكين لحماس أثار انزعاج واشنطن وتل أبيب.

عبرت محادثات وزير الخارجية الصيني الهاتفية مع بعض القادة في العالمين  الإسلامي، والعربي عن تباين الموقف الصيني عن الموقف الغربي.

قال وزير الخارجية الصيني في اتصال مع نظيره الماليزي، بأن بكين ستدعم دائما “التطلعات الشرعية” للدول العربية والإسلامية، وفي اتصال آخر مع نظيره السعودي قال الوزير الصيني، بأن إسرائيل تعدت حدود الدفاع عن النفس، ووصف ممارسات إسرائيل بالعقاب الجماعي.

وفى اتصال ثالث، مع نظيره الإيراني، رأى أن ما يحدث جاء؛ نتيجة تجاهل حقوق الفلسطينيين، وأن الصين لطالما دعمت الدول العربية؛ للتوحد حول القضية الفلسطينية.

التصريحات الصينية نحو الحرب في غزة على الأرجح، لا تعكس أي اهتمام إنساني بالقضية، بل تعبر عن استراتيجية الصين السياسية، واستغلالها للأزمة في غزة.

ويعمل خطاب بكين على استمالة الدول المتعاطفة مع القضية الفلسطينية في الشرق الأوسط، وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، فتعامل الصين نحو الصراع في غزة، يعكس سياستها الأوسع التي تسعى لترسيخ الهيمنة الصينية في المنطقة، وتحدي واشنطن.

وتعتمد تلك الاستراتيجية على تصوير بكين نفسها كقوة عالمية جديدة داعمة للقضايا العربية، واستقلال دول المنطقة عن الهيمنة الأمريكية، ليدخل هذا في سياق تأطير دورها في النظام العالمي كداعم، وحام لدول الجنوب العالمي والدول النامية.

هذا لا يعني، بأن الصين تريد الانشغال بشكل دائم بالصراعات في الشرق الأوسط، ولكن موقفها في حرب غزة يتسق أيضا مع مساعيها؛ للحفاظ على مصالحها الاقتصادية مع دول المنطقة، ولعب دور الوسيط في الأزمات.

أكدت بكين خلال الحرب، بأنها صديقة لكل من إسرائيل وفلسطين، وتأمل لتحقيق السلام بين الجانبين. بكين لا تريد خسارة الدول العربية وإسرائيل، هناك علاقات اقتصادية وتجارية متزايدة بين الدول العربية والصين، خاصة مع تشييد مبادرة الحزام والطريق، بالإضافة إلى اعتماد الصين على نفط المنطقة.

بالتوازي مع هذا يجمع بكين مع إسرائيل تعاون تجاري واقتصادي متزايد في مجالات التكنولوجيا، ومبادرة الحزام والطريق.

تطمح الصين، أن تصبح وسيطا فعالا في المنطقة مما ظهر في الاتفاق الإيراني- السعودي، ولقد شملت مساعي الصين؛ لتعزيز دورها كوسيط في الشرق الأوسط محاولات للتدخل في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

في إبريل الماضي، عرضت الصين أن تتوسط في مفاوضات سلام بين إسرائيل وفلسطين لحل الصراع. ولذلك قد ترى بكين الصراع في غزة كفرصة؛ لتوسط مفاوضات؛ لحل الأزمة وتعزيز دورها في المنطقة، ولكن المراقبين يتشككون في قدرات الصين للتوسط في مثل هكذا مفاوضات، حيث إنها تفتقر الخبرات في هذا الصراع.

وربما قد تكون بكين قادرة على التأثير على طهران التي بدورها قادرة على التأثير على حماس، ولكن بكين لا تمتلك مثل هذا التأثير على إسرائيل، والبيانات الصينية حول الحرب، لم تساعد في التقرب لإسرائيل، بل أزعجت تل ابيب.

السيناريو الإسرائيلي: غزة بلا حماس

لقد شكل هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر صدمة لحكومة تل أبيب، والمجتمع الإسرائيلي بأكمله، مما جعل الجميع في إسرائيل متحفزا للحرب.

تلك الصدمة، جعلت الرأي العام الإسرائيلي يضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للرد بشكل قوي على هجوم حماس، بالإضافة إلى لومه على ما جرى. أظهرت استطلاعات أجريت مؤخرا، بأن الأغلبية من الإسرائيليين يؤيدون الاجتياح البري على غزة، ولكن تظهر الاستطلاعات أيضا تراجعا في شعبية نتنياهو.

في السابق كانت تتبع تل أبيب خطة تطلق عليها جز العشب. هذه الخطة تضمنت تحقيق أهداف محدودة، وهي إضعاف البنية التحتية لحماس، واحتواء خطر الحركة، خلال ضرب غزة على فترات متباعدة، وكلما أعادت حماس بناء قدراتها يعيد الجيش الإسرائيلي توجيه الضربة مجددا. ولكن عقب الهجوم الأخير، الأغلبية في إسرائيل، أصبحوا يرون، أن وجود الحركة خطر وجودي، وأن جز العشب لم يردع حماس، ولذلك يجب استئصال وجود الحركة بشكل كامل من غزة.

ولهذا عكست تصريحات المسئولين الاسرائيلين رغبة تل أبيب للقضاء على حماس بشكل نهائي. أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي بأنهم سيمحون حماس من على وجه الأرض. ولقد تعهد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بأن الجيش سيفكك حماس، وأضاف بأن غزة “لن تبدو كما كانت.”

يرى بلال صعب، بأن الجيش الإسرائيلي يمتلك بالفعل القدرات العسكرية؛ لإحداث أضرار جسيمة بالبنية التحتية لحماس وأنظمتها العسكرية، ولكن قد يواجه الجيش الإسرائيلي عدة تحديات سياسية، وأهمها استمرار حماس بالقتال لأطول وقت ممكن، وإحداث أكبر ضرر ممكن بأفراد الجيش الإسرائيلي، حتى تضعف عزيمة الجيش، ويتغير الموقف الشعبي في تل أبيب نتيجة الخسائر.

ثانيا: كلما يزداد عدد الضحايا من الفلسطينيين المدنيين، يتراجع ويضعف مستوى الدعم الذي يقدمه حلفاء تل أبيب لإسرائيل، وأهمهم الولايات المتحدة، وأخيرا استمرار القصف، سيشكل خطرا على الرهائن الإسرائيليين عند حماس.

يتفق إيان بارميتر، بأن إسرائيل ستواجه عدة تحديات في سعيها؛ للقضاء على حماس منها، قدرة حماس على الاختباء في الأنفاق، وحتمية حدوث إصابات للمدنيين في غزة. يتوقع بارميتر 6 سيناريوهات لكل منهم تحدٍ مختلف.

الأول: احتلال إسرائيل لغزة، ولكن ترفض واشنطن هذا السيناريو، كما سينهك هذا الجيش الإسرائيلي، حيث سيتعرض لهجمات متكررة.

السيناريو الثاني: أن تدمر إسرائيل حماس ثم تنسحب، ولكن الأفراد المتبقين من حماس سيحاولون إعادة بناء الحركة، أو قد تملأ جماعة اخرى فراغ حماس (مثل الجهاد الإسلامي).

السيناريو الثالث: تسليم القطاع لفتح، ولكن لا تمتلك فتح شعبية في غزة، هذا فضلا عن ضعف شرعيتها في الضفة التي تحكمها بالفعل.

السيناريو الرابع: الذي يحلله بارميتر: تسليم القطاع لطرف فلسطيني غير منحاز، ولكن لا يوجد مثل هذا الطرف، وحتى إن وجد، الفلسطينيون سيعتبرونه عميلا لإسرائيل.

السيناريو الخامس: تسليم حكم القطاع لدولة عربية، وهذا سترفضه الدول العربية؛ لكي لا ينظر إليهم كأدوات لإسرائيل. أما السيناريو الأخير، هو حكم القطاع من قبل قوات حفظ السلام، أو دولة غير عربية، وهذا سيناريو مستحيل نظرا لعدم رغبة أي دولة، أن تقوم بهذا واختلاف الرؤى بين الدول التي تمتلك حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن.

البعض اقترح أيضا، بأن ما يحدث قد يكون مدخلا لحل الدولتين. لقد طرح جيريمي بن عامي (المدير التنفيذي لمنظمة ليبرالية موالية لإسرائيل)، إنه على أنقاض تلك الكارثة يمكن بناء دولة حقيقية للفلسطينيين- بمساعدة واشنطن- خلال إعادة إعمار البنية التحتية، وبناء اقتصاد فلسطيني قوي ونظام سياسي جديد للفلسطينيين، فيما يشابه مشروع مارشال في أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية.

ولكن اقتراح بن عامي لا يخلو من المثالية المفرطة، فحكومة نتنياهو اليمينية والأطراف السياسية الأكثر يمينية في إسرائيل، قد لا تشاركه الرأي، وآخر ما يشغلهم في تلك اللحظة، هو الاهتمام ببناء دولة للفلسطينيين، أو التخطيط لمثل هذا المشروع، خاصة مع غموض الموقف الإسرائيلي الرسمي حول مستقبل غزة.

كلما يزداد عدد الضحايا المدنيين من سكان القطاع تضعف شرعية إسرائيل الدولية تدريجيا. على سبيل المثال لقد قالت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بوضع حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية، بأن الفلسطينيين يتعرضون لخطر “التطهير العرقي الجماعي. ”

ولهذا وتحت ضغط مثل تلك الإدانات الدولية، ترى إسرائيل، بأن إجلاء الفلسطينيين من غزة- مؤقتا على الأقل كما يعلنون- يمثل حلا للحد من عدد القتلى من سكان القطاع المدنيين، خلال العملية ضد حماس. ولقد أطلق الجيش الإسرائيلي تحذيرا، يطالب مواطني غزة بالتحرك من شمال القطاع إلى الجنوب، واعتبروا، أن من سيبقى في مكانه سيعد متواطئا مع حماس.

ولكن هذا التحذير أيضا لاقى العديد من الإدانات الدولية. منظمة العفو الدولية اعتبرت، هذا التحذير بأنه يرقى للتهجير القسري. كما أدانت منظمة الصحة العالمية هذا القرار، حيث إن إخلاء المستشفيات سيفاقم الأزمة الإنسانية.

ولكن يبدو، بأن إسرائيل تسعى؛ لإجلاء الفلسطينيين إلى ما هو أبعد من القطاع. هناك توقعات، بأن خطة إسرائيل هي إجلاء سكان القطاع ودفعهم نحو سيناء.

بالفعل لقد قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي العقيد ريتشارد هيتش لسكان القطاع، بأن يخرجوا من غزة ويذهبوا لسيناء، ولكن الجيش الإسرائيلي لاحقا أصدر بيانا، ينفي وجود أوامر رسمية،  تحث سكان غزة للذهاب إلى سيناء.

يظل تصور إسرائيل لغزة ما بعد حماس غير واضح. جميع التصريحات الإسرائيلية المعلنة لا تعكس إلا نيتهم للقضاء على حماس، بينما مصير غزة بعد الاجتياح البري يظل غامضا.

وبسبب عدم اليقين؛ بشأن أهداف إسرائيل، يسعى المسئولون في الغرب السيطرة على مسار العملية. على الرغم من موافقة المسئولين الغربيين على عملية إسرائيل البرية، ولكنهم يحثون تل أبيب بأن تكون للعملية أهداف محددة، وألا تنتهي باحتلال طويل الأجل لغزة.

القاهرة بين الضغوط الدولية والفرصة

وجود صراع في غزة على حدود مصر من الأسباب الرئيسية التي جعلت القاهرة قلقة؛ بشأن الوضع في القطاع، ولكن طرح فكرة نقل الفلسطينيين لسيناء، جعل قلق مصر مضاعفا. لقد قال وزير الخارجية سامح شكري، بأن التهجير القسري للفلسطينيين سيؤدي إلى اتساع الصراع، وتصفية القضية الفلسطينية.

كما نقل تقرير لفاينانشال تايمز عن مسئول أوروبي، بأن القاهرة غاضبة للغاية من الضغوط حول نقل الفلسطينيين لسيناء، ويقول المصدر، بأن مسئولا مصريا رفيعا قال له: “هل تريدوننا أن نأخذ مليون شخص، حسنا، سأرسلهم إلى أوروبا، إن كنتم تهتمون بحقوق الإنسان بهذا القدر.”

كما رفض الرئيس المصري نقل الفلسطينيين لسيناء وقال، بأن هذا سيعني، أن سيناء ستتحول لمركز لانطلاق الهجمات، ضد إسرائيل، مما سيجعل إسرائيل ترد على تلك الهجمات، مما سيبدد السلام في النهاية، واستطرد بأن هناك صحراء النقب الإسرائيلية التي يمكن لتل أبيب نقل الفلسطينيين فيها، حتى تتم تصفية حماس والجماعات الأخرى.

في الواقع إسرائيل والولايات المتحدة، يأملون بأن تقبل مصر استضافة اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات في سيناء في مقابل إعطاء حوافز مالية لمصر أو في مقابل، أن يقوم صندوق النقد الدولي بالتخفيف من شروطه؛ بشأن الإصلاحات الاقتصادية، مما سيخفف من آثار الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر.

ولكن يبدو، أن القاهرة ترفض هذا الحل بشكل قاطع. تصريحات الرئيس المصري حول صحراء النقب، أثارت الكثير من اللغط، العديد، وربما أغلب المحللين والمنصات الإعلامية حول العالم، نقلوا مقترح الرئيس المصري بجدية.

بينما على الجانب الآخر، الصحف والمنصات المصرية الموالية للحكومة أضافت، كلمة “ساخرا” للدلالة على إنه اقتراح ساخر.

في كل الأحوال، إن كانت فكرة صحراء النقب مقترحا جادا أو مجرد سخرية، هذا التصريح رسالة واضحة، بأن القاهرة لا تهتم، كيف ستحل واشنطن وتل أبيب الأزمة في غزة، ما دام هذا الحل يظل خارج نطاق الحدود المصرية، ولن ينقل مسئولية سكان غزة من إسرائيل لمصر.

هناك ثلاث مخاوف لمصر من سيناريو نقل الفلسطينين لسيناء، كما يلاحظ ستيفن كوك، أولا: عدم قدرة مصر على إدارة ورعاية العدد المهول من اللاجئيين.

ثانيا: نقل الفلسطينيين لسيناء سيشكل خطرا أمنيا على مصر، خاصة مع إمكانية وجود عناصر حماس الذين قد تربطهم علاقات بجماعات إرهابية في سيناء.

وأخيرا، ترى مصر، بأن تهجير سكان القطاع لغزة سيعني تحويل مسئولية أوضاع سكان غزة من مسئولية إسرائيلية إلى مسئولية مصرية، وهذا ما ترفضه القاهرة تماما.

غموض إسرائيل حول مستقبل غزة عقب العملية البرية، يثير مخاوف مصر. تتخوف مصر، إن تم الدفع باللاجئين الفلسطينيين إلى سيناء، قد لا تعيدهم إسرائيل مجددا عقب انتهاء العملية ضد حماس، وهذا يأتي في وقت ترتفع فيه أصوات اليمين الإسرائيلي التي تنادي بإخلاء غزة من الفلسطينيين.

في الوقت الحالي، تحاول القاهرة التوصل؛ لحل لتهدئة الاوضاع. منذ أيام قليلة عقدت القاهرة قمة للسلام. كما كررت مصر الدعوة بإدخال المساعدات لغزة، ومنذ عدة أيام تمكنت مصر والولايات المتحدة من فك الحصار الذي فرضته إسرائيل على القطاع، وتم إدخال بعض شاحنات المساعدات.

لا تزال المساعدات تدخل القطاع، ولكن العملية تتم ببطء شديد نظرا؛ لتعنت إسرائيل. كما تتوسط مصر في مفاوضات الإفراج عن الرهائن لدى حماس.

وعلى الرغم من جميع مخاوف القاهرة، قد تمثل الحرب في غزة فرصة ذهبية للنظام السياسي. أولا: سلطت الحرب في غزة الضوء على دور مصر الاستراتيجي في المنطقة، خاصة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ولذلك قد تجدها القاهرة فرصة لإعادة إثبات أهميتها في ظل تراجع مكانتها الإقليمية. ثانيا: اندلاع الأزمة  في غزة، أشعل في المجتمع المصري تعاطفا شديدا مع القضية الفلسطينية .

كما تأججت المشاعر القومية؛ بسبب وجود اقتراحات، تهدد سيادة سيناء، في ظل هذا السياق المحتدم، قد يجد النظام السياسي فرصة، لترميم شرعيته وبناء شعبيته مجددا عن طريق الاستفادة من تلك العواطف؛ لكسب المزيد من التأييد الشعبي، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي تأتي بالتزامن مع  سخط  شعبي في الأونه الأخيرة؛ نتيجة الأزمة الاقتصادية.

ولكن هذا سيتطلب من النظام المصري تحقيق معادلة صعبة، تجمع بين استهواء المشاعر  الشعبية مع الحرص على عدم إثارة انزعاج إسرائيل، وواشنطن في نفس الوقت.

تشابك السيناريوهات

الاستخلاص الذي يمكن الوصول إليه من كل المعطيات السابقة أن الاجتياح البري لإسرائيل في غزة، يبدو أمرا شبه محتوم بالنسبة للأطراف الدولية والإقليمية. تحاول الولايات المتحدة السيطرة على مجريات الأحداث، واحتواء غضب إسرائيل؛ لكي لا تؤدي عمليات إسرائيل إلى مزيد من الأزمات الإنسانية، بالإضافة إلى منع اتساع نطاق الصراع.

وتحاول الصين أيضا إبراز دورها الجديد في الشرق الأوسط، وبسط نفوذها على المنطقة، ولكن قدراتها في هذا الشأن تبدو محدودة مقارنة بواشنطن.

لا يزال مصير غزة في التصريحات الرسمية الإسرائيلية يتسم بالغموض، ليس من الواضح إن كان هذا الغموض؛ نتيجة لعدم تخطيط تل أبيب لمستقبل غزة ما بعد القضاء على حماس، أم غموض استراتيجي؛ لتحقيق أهداف سياسية غير معلنة.

وأخيرا، القاهرة تتخوف من كثرة الحديث حول احتمالية تهجير سكان غزة لسيناء نظرا؛ لأخطار هذا المقترح على الأمن القومي، وعدم اليقين بشأن أهداف إسرائيل طويلة المدى.

ولكن هذه الأزمة قد تكون فرصة للنظام السياسي المصري؛ لتحقيق انتصارات خارجية، وترميم شرعيته في الداخل، في وقت يمر فيه النظام بأزمات سياسية واقتصادية، ويحتاج إلى استغلال كل مناسبة لكسب المزيد من الشعبية.

هناك العديد من الأطراف الأقليمية والدولية الذين يحاولون رسم مسار مستقبل غزة، وكتابة مشهد النهاية. كل سيناريو يبدو مختلفا عن الآخر في بعض العناصر، ولكن بالدرجة الأولى، ما يحرك رؤية جميع الأطراف حول مصير غزة، هو المصلحة السياسية والاقتصادية لكل قوة منهم.

وختاما فإن الوضع في غزة لا يزال مشتعلا، ومن المبكر القطع بسيناريو أي طرف، سيسود في النهاية، ولكن على الأرجح أن لحظة الذروة في غزة، ستكون نتيجة لتداخل وتشابك أكثر من سيناريو.