نشر الدبلوماسي الأمريكي، دينس روس، مقالة في صحيفة “نيويورك تايمز“، كما أعاد نشرها معهد واشنطن، تتناول المقالة تحليلا للحرب في غزة، بما فى ذلك تصورات حول مستقبلها، وكيفية إدارة القطاع بمشاركة عربية، بعد أن تنفذ إسرائيل هدفها فى إنهاء وجود حماس من قطاع غزة.

ويبني دينيس، والذي عمل مساعدا للرئيس الأمريكي أوباما، وبيل كلينتون، هذا التصور، بناء على أن خيار التهدئة مع حماس ووقف إطلاق النار، ليس الأفضل حاليا، لأن النصر المُتصور الذي ستحققه “حماس” سيؤكد شرعية، وأيديولوجية “المقاومة”، كما يعطي قوة لإيران والمتعاونين معها، وأيضا يمنع إمكانية السلام مع إسرائيل في المنطقة العربية.

ويؤكد أنه ليس هناك خيارا لدى إسرائيل، سوى القضاء على حماس، وإبعادها عن القطاع، وأن على إسرائيل وضع تصورات؛ لأعادة الاعمار وكسب سكان غزة، وأيضا طرح عملية السلام لكسب قادة عرب، يشاركون إسرائيل رفضها لوجود حماس،  ويستكمل دينيس، ما كتبه سابقا من نصائح وجهها لإسرائيل فى تحليل نشرته فورن  بولسي يوم 11 أكتوبر الجاري، وبعد اندلاع الحرب بثلاثة أيام.

على مدى 35 عاماً، كرّستُ حياتي المهنية للسياسة الأمريكية المتعلقة بصنع السلام، وحل النزاعات والتخطيطـ، ولكن لم يكن هناك، ما أشغلني أكثر من إيجاد حلا سلميا، ودائما بين إسرائيل والفلسطينيين.

في الماضي، كان خيار وقف إطلاق النار مع “حماس، إذا اندلع صراعٌ مع إسرائيل مفضلا، ولكن اليوم، يتضح أن السلام لن يكون ممكناً في أيّامنا هذه، أو في المستقبل، ما دامت هذه الحركة باقية، وتفرض سيطرتها على غزة.

ومن الضرورة وضع حدٍ لقوة “حماس”، وقدرتها على تهديد إسرائيل– وأيضا إخضاعها المدنيين في غزة؛ لجولات متزايدة من العنف.

في أعقاب السابع من أكتوبر، أصبح الكثير من الإسرائيليين يرون أن بقاءهم كدولة أصبح على المحك، وقد يبدو هذا الاعتقاد مبالغاً فيه، لكنه ليس كذلك بالنسبة للإسرائيليين.

إذا ما بقيت “حماس” كقوة عسكرية، واستمرت في السيطرة على غزة بعد انتهاء هذه الحرب، فستُقْدِم مجدداً على مهاجمة إسرائيل، وسواء فتح “حزب الله” جبهةً ثانيةً حقيقيةً لهذا الصراع من لبنان أم لا، فسوف يهاجم إسرائيل في المستقبل.

وتهدف حماس وحزب الله، المدعومين من إيران إلى تحويل إسرائيل إلى دولةٍ غير صالحة للعيش، ودفع الإسرائيليين إلى الهجرة، وفي الوقت الذي تنكر إيران تورطها في هجوم “حماس”، إلّا أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي تَحدّث في الماضي، عن أن إسرائيل لن تصمد 25 عاماً أخرى، وتمثلت استراتيجيته في استخدام هاتين الجماعتين؛ لتحقيق ذلك الهدف.

ونظراً لقوة الجيش الإسرائيلي- وهو الأقوى على الإطلاق في المنطقة- فإن أهداف إيران والمتعاونين معها بدت غير معقولة، حتى قبل بضعة أسابيع. لكن أحداث 7 أكتوبر غيرت كل شيء.

وكما قال أحد القادة العسكريين الإسرائيليين: “إذا لم نُهزم” حماس “، فلن نتمكن من البقاء هنا”.

ليست إسرائيل الوحيدة التي تعتقد، أن عليها هزيمة “حماس”. فخلال الأسبوعين الماضيين، عندما تحدثتُ مع مسؤولين عرب في مختلف أنحاء المنطقة الذين أعرفهم، منذ فترةٍ طويلة، قال لي كل واحدٍ منهم، إنه لا بد من تدمير “حماس” في غزة.

وأوضحوا، أنه إذا اعتُبرت “حماس” منتصرةً، فإن ذلك سيضفي الشرعية على أيديولوجية الرفض التي تتبناها هذه الجماعة، ويمنح إيران والمتعاونين معها نفوذاً وزخماً، ويضع حكوماتهم في موقفٍ دفاعي.

لكنهم قالوا ذلك في السرّ، أمّا مواقفهم العلنية، فقد كانت مختلفة تماماً. فلم تدين، سوى قِلة من الدول العربية علناً المجزرة التي ارتكبتها “حماس”، والتي راح ضحيتها أكثر من 1400 شخصٍ في إسرائيل. لماذا؟ لأن القادة العرب، أدركوا أن مواطنيهم سيغضبون في ظل الرد الإسرائيلي، وتزايد الخسائر والمعاناة لدى الفلسطينيين، وهم بحاجة إلى الظهور كمدافعين عن الفلسطينيين، على الأقل خطابياً.

وتجلّت غريزة مراعاة مزاج الشارع بشكل أوضح، عبر الإدانات السريعة لإسرائيل، بعد أن زعمت “حماس”، إن إسرائيل قصفت “المستشفى الأهلي المعمداني” في غزة.

وقد نفت إسرائيل ضرب المستشفى، لكن في العديد من الدول العربية، تم قبول ادعاءات “حماس”. وفي تلك المرحلة، كانت عدة وكالات استخبارية وطنية، قد أعلنت، أن ما أصاب المستشفى هو صاروخ فلسطيني على الأرجح.

ومع ذلك، فقد رأى الناس في جميع أنحاء المنطقة- والعالم- أن إسرائيل تقصف غزة، وكانوا مستعدين للتصديق، بأن ذلك أيضاً قد تم عن عمد.

حتى أن الإمارات العربية المتحدة، التي كانت قد أدانت هجوم “حماس”، أصدرت بياناً لاحقاً، أدانت فيه “الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف «المستشفى الأهلي المعمداني» في قطاع غزة، والذي أسفر عن مقتل وإصابة مئات الأشخاص”. كما دعت “المجتمع الدولي إلى تكثيف الجهود؛ للتوصل إلى وقف فوري؛ لإطلاق النار؛ لمنع المزيد من الخسائر في الأرواح”.

ومع تصاعد وتيرة القصف الجوي الإسرائيلي لغزة، وارتفاع عدد الضحايا بين المدنيين، تزداد الدعوات الدولية إلى الوقف الفوري لإطلاق النار.

ويطالب البعض إسرائيل بإلغاء عملية الغزو البري، لكن إنهاء الحرب الآن سيعني فوز “حماس”.

حاليا مازالت بنية حماس العسكرية قائمةً، وقيادتها سليمةً إلى حدٍ كبير، وتبقى سيطرتها السياسية على غزة بلا منازع.

وكما فعلت “حماس” بعد الصراعات مع إسرائيل في الأعوام 2009 و 2012 و 2014 و 2021، فمن شبه المؤكد، أن هذه الحركة ستعيد تسليح نفسها، وتستعيد نشاطها. وستتمكن من توسيع نظام أنفاقها تحت القطاع.

كما سيظل القطاع فقيراً، وسيكون اندلاع جولة تالية من الحرب محتّماً، الأمر الذي سيبقي المدنيين في غزة، وقسماً كبيراً من بقية منطقة الشرق الأوسط رهينةً لأهداف “حماس”. وستكون تكلفة تنفيذ حملة برية إسرائيلية باهظةً للغاية، وفي هذه الحالة، فمن المؤكد، أن الجنود الإسرائيليين الغزاة، سوف يفقدون أرواحهم، وسوف يقع المزيد من الضحايا الفلسطينيين، وهي المأساة التي ضمنت “حماس” وقوعها من خلال دمج نفسها، وقدراتها العسكرية في المجتمعات المحلية، واستخدامها المستشفيات والمساجد والمدارس لتخزين ذخائرها.

إلّا أنه لا يمكن تحقيق هزيمة “حماس”، إلا بواسطة الضربات الاستراتيجية من الجو، تماماً كما تَمكّنّت الولايات المتحدة من استئصال تنظيم “الدولة الإسلامية” في مدينة الموصل في العراق، أو في مدينة الرقة في سوريا، من الجو. ففي تلك المعارك، كان لدى الولايات المتحدة شركاء محليون تولّوا القتال البري الرهيب والمكلف في المدن، بينما ألحقت القوات الأمريكية دماراً هائلاً بتنظيم “الدولة الإسلامية” من الأعلى.

ماذا تعني هزيمة “حماس”؟ قد تعني إلحاق دمار كبير ببنيتها التحتية العسكرية، التي يرتبط جزءٌ كبيرٌ منها فعلياً بالبنية التحتية المدنية، وتحطيم قيادتها، مما يترك هذه الحركة غير قادرة على عرقلة عملية إعادة الإعمار التي تهدف إلى تحقيق صيغة نزع السلاح في غزة، كما فعلت في الماضي. وفي جوهر الأمر، فإن ذلك يعني، أنه لن تكون هناك قدرة على شن الحرب في غزة، ولا يمكن إعادة بناء هذه القدرة.

هذا التصور لواقع غزة بعد الحرب يتطلب بقاء إسرائيل في القطاع، إلى أن تتمكن من تسليم السلطة إلى نوعٍ ما من الإدارة المؤقتة؛ لمنع حدوث فراغ، والبدء بتنفيذ المهمة الشاقة المتمثلة في إعادة الإعمار.

وينبغي أن تُدار هذه الإدارة إلى حد كبير من قبل تكنوقراط فلسطينيين- من غزة أو الضفة الغربية أو الشتات- تحت مظلة دولية، تشمل دولاً عربية وغير عربية.

وستحتاج الولايات المتحدة إلى حشد هذه الجهود وتنظيمها، ربما باستخدام مظلةٍ، ما مثل “الأمم المتحدة” أو “لجنة الاتصال المخصصة” للمانحين للشعب الفلسطيني، أو حتى من خلال العمل بناءً على اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القاضي باستخدام التحالف الدولي، ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” لمواجهة “حماس”. ومن الممكن أن يساعد مثل هذا التحالف على تقسيم العمل كما يلزم.

على سبيل المثال، بإمكان المغرب ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين توفيرالشرطة- وليس القوات العسكرية- لضمان الأمن للإدارة المدنية الجديدة، والمسؤولين عن إعادة الإعمار.

كما بإمكان المملكة العربية السعودية والإمارات، وقطر توفير الجزء الأكبر من التمويل اللازم لإعادة الإعمار، الأمر الذي يفسر الدور الضروري الذي تؤديه هذه الدول، لتخفيف معاناة الفلسطينيين في غزة ومساعدتهم على التعافي.

وبإمكان كندا وغيرها من الدول توفير آليات الرصد؛ لضمان وصول المساعدات إلى غاياتها المقصودة.

وليس هناك شك، بأن المزاج الذي سيسود في غزة بعد انتهاء القتال، سيكون متعكراً ومشحوناً بالغضب، فقد قُتل آلاف المدنيين، وفقاً لوزارة الصحة التي تديرها “حماس” في غزة، وأصبحت مساحات شاسعة من هذا القطاع غير صالحة للسكن. لكن تجدر الإشارة، إلى أن استطلاعات الرأي التي أجريت قبل وقتٍ قصيرٍ من هجوم 7 أكتوبر، كشفت أن 62 % من سكان غزة، كانوا يعارضون خرق “حماس”؛ لوقف إطلاق النار مع إسرائيل في ذلك الحين.

ويمكن أن يساعد إدخال المساعدات إلى غزة بسرعة، والبدء بجهود إعادة الإعمار حين يتوقف القتال، في الإظهار لسكان القطاع، أن الحياة قد تتحسن، عندما تتوقف “حماس” عن منع إعادة بناء غزة.

وستؤثّر الطريقة التي ستقوم بها إسرائيل بحملتها البرية على كل ذلك، بل وحتى في إمكانية تجسيد هذا الواقع في المستقبل، ولكي تتمكن إسرائيل من تخفيف الضغوط التي تمارسها الدول المجاورة، والمجتمع الدولي لحملها على وقف الهجوم.

ويجب أن تكون أكثر إقناعاً في الإثبات، بأنها تقاتل “حماس” ولا تحاول معاقبة المدنيين الفلسطينيين، وأيضا أن تعمل على إنشاء ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك من الأراضي الإسرائيلية عبر معبر “كرم أبو سالم”. ولتخفيف المعاناة، عليها السماح للمجموعات الدولية، مثل منظمة “أطباء بلا حدود”، بالعمل هناك بأمانٍ، وضم أطباء إسرائيليين يمكنهم إنشاء مستشفيات ميدانية- وهو أمر لديهم خبرة في القيام به في سوريا وأوكرانيا.

كما من الضروري، أن يؤكد القادة السياسيون في إسرائيل بشكلٍ واضح، وعلني أنهم سيغادرون غزة، ويرفعون الحصار بعد إلحاق الهزيمة العسكرية بحركة “حماس”، ونزع معظم أسلحتها.

إضافة إلى إظهار موقف يتمسك بخيار التوصل إلى حل سياسي مع الفلسطينيين بشكلٍ عام، وهذه الرسالة يحتاج سماعها قريبا، شركاء إسرائيل في المنطقة.

ليست هناك حلولٍ سهلةٍ لغزة، ولكن هناك سبيلا واحدا فقط للمضي قدماً في هذه الحرب. فإذا كانت النتيجة بقاء “حماس” في السلطة، فلن يؤدي ذلك إلى هلاك غزة فحسب، بل وأيضاً قسم كبيرٍ من بقية منطقة الشرق الأوسط.

دينس روس هو دبلوماسي وخبير في قضايا الشرق الأوسط، ومستشار بمعهد واشنطن.