عوامل عدة، تدفع مصر إلى تنويع شركائها الاقتصاديين، وهي تبحث عن استثمارات جديدة، ومعالجة أزمة اقتصادية، تتسع في الآونة الاخيرة، ما جعلها تتجه؛ لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين بقوة في ظل تأخر التفاوض مع صندوق النقد الدولي، إضافة إلى وجود التزامات دولية كبيرة بالعملة الصعبة.

دخلت القاهرة مع بكين في أوجه تعاون مشترك، منها اتفاقيات قروض جديدة، ومبادلة ديون، وطرح سندات باليوان الصيني.

ضمن ذلك، أعلن بنك التنمية الصيني، صرف سبعة مليارات يوان تعادل 956.61 مليون دولار، وفقًا لاتفاقية قرض مع البنك المركزي المصري، تم توقيعها خلال المنتدى الثالث؛ لمبادرة الحزام والطريق الذي عقد ببكين.

تهدف الاتفاقية إلى تمويل المشاريع التي جرى التباحث حولها خلال القمة، وأيضا تمويل مشروعات تعاون، جرى الاتفاق عليها  في منتدى التعاون الصيني الإفريقي عام 2021.

جاء القرض الصيني، بعد أيام من إعلان الحكومة المصرية توقيع مذكرة تفاهم في مجال مبادلة الديون للمرة الأولى في تاريخها.

تزامن معها إعلان شركات صينية ضخ استثمارات بأكثر من 15 مليار دولار، في إنتاج الوقود الأخضر والتصنيع، إضافة إلى تقديم تمويلات ميسرة؛ لإنشاء المرحلتين الثالثة والرابعة من مشروع القطار الكهربائي الخفيف.

قروض صينية جديدة لمصر

سبق أن طرحت مصر سندات باندا “أدوات دين حكومية” بقيمة 3.5 مليارات يوان صيني، أي ما يعادل أكثر من 478 مليون دولار.

تأتى أهمية السندات، مع ارتفاع حجم التبادل التجاري بين مصر والصين إلى 16.25 مليار دولار عام 2022- وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهي مقسمة بين 14.4 مليار دولار واردات 1.85 مليار دولار صادرات.

بكين ترى في القاهرة شريكًا يمكن الاعتماد عليه، منذ أن دعمت الأخيرة سياسة الصين الواحدة عقب زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي لتايوان في الأسبوع الأول من أغسطس من العام الماضي.

تحولت الصين بمرور الوقت إلى رابع أكبر دائن لمصر بـ 8 مليارات دولار، من الديون تعادل 5 % من إجمالي ديون القاهرة الخارجية، وهي المبالغ التي تم إدراجها ضمن برنامج الديون.

هل هناك مخاطر من تعزيز العلاقات مع الصين؟

يري البعض، أن الشراكة المتنامية بين مصر والصين تؤثر من جانب آخر على  علاقات مصر بالولايات المتحدة، بحكم التنافس السياسي بين بكين وواشنطن.

كما ينظر إلى محاولات القاهرة؛ للاستفادة من المنافسة المستمرة بين البلدين؛ من أجل الحصول على مزايا في أجواء تذكر بظروف الحرب الباردة، بين الشرق وعلى رأسه الاتحاد السوفيتي السابق والغرب وفي صدارته الولايات المتحدة.

بينما كانت الولايات المتحدة تقليديًا حليفًا إستراتيجيًا رئيسيًا لمصر، منذ منتصف السبعينيات، تعتبر استراتيجية الدفاع الأمريكية الصين، على أنها التهديد الأعلى لمصالح الأمن القومي الأمريكي.

تنزعج واشنطن، لأن الشراكة  المصرية الصينية تفتح الباب؛ لزيادة التواجد والتأثير  الصيني في المنطقة، سياسيا، وهذا يهدد المصالح الاستراتيجية الأمريكية على المدى الطويل، من وجهة نظر واشنطن.

واقتصاديا، تعتبر أمريكا حاليًا الاستثمارات الصينية المتنامية في مصر تهديدًا، خاصة أنها تأتي في المرتبة الثانية في التبادل التجاري من حيث الأهمية، بالنسبة لمصر، ولا يسبقها سوى الاتحاد الأوروبي، وبلغ إجمالي حجم التجارة 9.1 مليارات دولار في عام 2021.

فعليا، حاولت الشركات الأمريكية تعطيل هذا التعاون، لا سيما في مجالات الاتصالات، حيث حاولت واشنطن إثناء الشركات المصرية عن القيام بأعمال تجارية مع الشركات الصينية التي تستخدم اتصالات “فايف جي”.

شراكة ممتدة بين مصر والصين

على مدار العقد الماضي، أصبحت الصين واحدة من أكبر شركاء، ومستثمرين تجاريين في مصر، واستثمرت الشركات الصينية مليارات الدولارات بمشاريع البنية التحتية.

ساهمت الصين في بناء العاصمة الجديدة، وكذلك محطات الطاقة والمناطق الصناعية، ووقع البلدان أيضًا عدة اتفاقيات؛ لزيادة التعاون التجاري والاقتصادي في مجالات الطاقة والزراعة والتصنيع، بما في ذلك الاستثمارات الصينية الهامة بقيمة 15 مليار دولار بمختلف المشاريع.

ووفقًا لوزير المالية الدكتور محمد معيط، استحوذت مصر على حوالي 28.5 مليار دولار، من الاستثمارات الصينية بين عامي 2018 و2019، مما يجعلها أكبر مستفيدة من الاستثمارات الصينية في العالم العربي، وخلقت هذه الاستثمارات، ما يقرب من 24000 فرص عمل في البلاد.

كما وقعت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، في يوليو الماضي، عدة عقود مع شركات صينية باستثمارات تصل إلى 60 مليون دولار في مجالات السيارات، والنسيج ومحولات الطاقة الكهربائية، لترتفع حجم الاستثمارات الصينية داخل المنطقة الاقتصادية إلى 1.7 مليار دولار من خلال أكثر من 130شركة.

ذلك مع مساعٍ؛ لتوطين عدة صناعات وزيادة حجم الاستثمارات الصينية في مصر خلال الفترة القادمة.

ويمتد التعاون مع الصين من أقصى الشرق لأقصى الغرب، بداية من قناة السويس المصرية مكونًا حيويًا من مبادرة الحزام والطريق الصينية إذ تسهل التجارة بين آسيا وإفريقيا وأوروبا.

وقد  تحفز المبادرة المزيد من التعاون الثنائي في التجارة البحرية، واللوجيستيات “النقل البحري بخدماته ومستلزماته” والبنية التحتية، نهاية باستثمار مجموعة (CGCOC) الصينية في مشروع استصلاح زراعي في العلمين.

بالنسبة إلى الصين، فإن مصر مهمة للغاية، وتحتاج فقط إلى معالجة المشكلات الهيكلية ذات الجذور العميقة، فمؤسسة رجال الأعمال المصريين الصينيين، ترى أن مبادلة الديون؛ من شأنه تخفيف الضغط على التزام القاهرة بسداد ديون قصيرة الأجل من خلال توجيه جزء من الديون المستحقة للصين، والبالغة 8 مليارات دولار؛ لتمويل مشروعات تنموية بالعملة المحلية.

ذلك يسهم بجانب زيادة معدل نمو الاقتصاد المصري، في تخفيف الضغط على الدولار؛ لسداد الالتزامات الدولية خلال الثلاث سنوات المقبلة.

يشير الدكتور صلاح الدين فهمي، رئيس وحدة الأبحاث العلمية بالمركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، إن التعاون سيتزايد مع الصين في الفترة المقبلة.

يرى فهمي، أن انضمام  مصر للبريكس رسميا في يناير 2024، أحد الموارد التي تعتمد عليها القاهرة؛ لتخفيف الضغط على العملة الصعبة، خاصة أن المجموعة لديها بنك التنمية الجديد الذي لديه مرونة في منح التمويل، دون اشتراطات سياسية يفرضها المانحون الدوليون.

يضيف فهمي، أن العلاقات مع الصين هي مسار مواز، وليس بديلا لصندوق النقد الدولي، لكن مبادلة الديون والبضائع تخفف الضغط على الدولار، باعتبارها تعتمد على المقايضات واستخدام العملات المحلية.

علاوة على ذلك، هناك مردود للانضمام للبريكس، سيساعد في  تحقيق انتعاش للإنتاج المحلي، اذ زاد التصدير للخارج، أي أنها تتضمن مكاسب متعددة، وليست قاصرة على  توفير العملة فقط.