كشفت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، طبيعة المواقف الإماراتية تجاه الفلسطينيين، بل والقضايا العربية، اذ تصطف الإمارات عمليا في الجهة المقابلة، وتترجم ذلك في تبنيها بشكل كامل وجهة النظر الغربية الصرفة، ليس وحسب في إدانة المقاومة الفلسطينية، وتحميلها تبعات الحرب، بل وأيضا الحشد ضدها.
دبلوماسيا، وعلى مدار شهر كامل من العدوان الوحشي على غزة، حرصت الإمارات على تخفيف لهجة الانتقاد لإسرائيل، وهذا يرتبط برؤية إمارتية؛ للتعاون الاقتصادي والعسكري مع إسرائيل، أظهرتها اتفاقيات إبراهيم.
رئيس لجنة الدفاع والخارجية في المجلس الوطني الاتحادي بدولة الإمارات، الدكتور علي راشد النعيمي، عبر بجلاء عن تلك الرؤية الإماراتية، حينما شارك أخيرًا في مؤتمر صحفي للجمعية اليهودية الأوروبية، ولجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “أيباك”.
قال النعيمي: إسرائيل موجودة لتبقى، وجذور اليهود والمسيحيين، ليست في نيويورك أو باريس، بل هنا في منطقتنا، قاصدا هنا المنطقة العربية.
ليؤكد، ما قصده، يضيف: إنهم جزء من تاريخنا، ويجب أن يكونوا جزءًا من مستقبلنا، على حد قوله نصًا.
يطمئن النعيمي إسرائيل على علاقاتها بدول الخليج فيقول: اتفاقات إبراهيم ليست في خطر، وسط الحرب بين إسرائيل وحركة حماس.
الإمارات تدين الأوربيين المتضامنين مع الشعب الفلسطيني
ضمن كلمته دافع النعيمي، بكل قوة عن اتفاقيات إبراهيم، قائلاً: “هي الحرب الثالثة في غزة، كلما حدث شيء ما في غزة، يأتي الناس إلينا، ويسألوننا: ما رأيك في اتفاقيات إبراهيم؟ هل ستتغير؟.
يجيب النعيمي، على السؤال الذي طرحه؛ ليوضح توجه الإمارات “الاتفاقيات هي مستقبلنا، وليست اتفاقية بين حكومتين، ولكنها منصة، نعتقد أنها يجب، أن تغير المنطقة، حيث يستمتع الجميع بالأمن والاستقرار والازدهار.
ويتابع حديثه حول التعاون مع إسرائيل، ضد الأعداء المشتركين قائلا: “من المهم للغاية، أن نفهم، أن هناك أعداء، لما نقوم به. فهذه المنظمات الإرهابية، لا تحترم حياة الإنسان. ولا تدعهم يحققون أهدافهم.
يضيف: لن يوافق أي شخص لديه شعور إنساني، وحس سليم على الهجوم الإرهابي البربري الذي ارتكبته حماس في 7 أكتوبر: لا أحد، على حد قوله نصًا.
أكد النعيمي، أن “الأعداء”ـــ الذين لم يسمهم استغلوا الحرب، وأن هناك فرقا بين حماس والشعب الفلسطيني، ونحن بحاجة إلى أولئك الذين يؤمنون بالسلام في أوروبا والولايات المتحدة، وفي كل مكان؛ لمواجهة خطاب الكراهية الذي نراه في المظاهرات في باريس ولندن “، حسبما قال نصًا.
صدمة الإمارات.. رسائل الطمأنينة التي اختفت
قبل شهر من هجمات 7 أكتوبر، كانت الإمارات تتفاخر بتحييدها المقاومة الفلسطينية، إذ قال المستشار الرئاسي، أنور قرقاش في قمة دبلوماسية، عقدت بنيويورك، إن الفلسطينيين لم يفعلوا أي شيء مع سنوات من الدعم الإماراتي، لذا فقد عقدت حكومته صفقة، خاصة بها مع إسرائيل “.
بدت رسالة قرقاش واضحة بمناسبة مرور نحو 9 سنوات، حينها، من اندلاع الحرب بين الفلسطينيين وإسرائيل.
يبدو قرقاش حريصا أكثر من إسرائيل في تنفيذ مخطط الشرق الأوسط، يظهر ذلك قائلا: الخطط الرامية إلى تشكيل شرق أوسط جديد ومزدهر، لن تظل متعثرة؛ بسبب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي لا نهاية له على ما يبدو.
يتضح هذا المسار، منذ اتفاقيات التطبيع التي وقعتها الإمارات مع إسرائيل في سبتمبر 2020، حيث لم تذكر الفلسطينيين إلا بشكل عابر، وبعدها سار قطار التطبيع؛ ليصل لمحطة اتفاق تطبيع جديد بين إسرائيل والمغرب، واعتبر القادة الفلسطينيون الاتفاقيات بمثابة “خيانة مذهلة”.
راهن قرقاش في سبتمبر 2020 على عنصر الزمن حينها، قائلاً إنه بعد فترة من الغضب الفلسطيني سيرى الفلسطينيون في نهاية المطاف فائدة اتفاقيات إبراهيم.
تماهت إدارتا الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والحالي جو بايدن مع تلك الرؤية، واعتبرتا، أن عدم وجود “ضجة شعبية” بالعالم العربي، بعد اتفاقيات التطبيع علامة على أن منطقهما كان سليمًا.
لماذا تحشد الإمارات الدعم الدولي ضد المقاومة الفلسطينية؟
مع اشتعال الحرب ،تمارس الإمارات حشدًا ضد المقاومة الفلسطينية على مستوى دولي، وآخرها محادثة رئيس الوزراء الهندي مودي مع الشيخ محمد بن زايد رئيس الإمارات، في ذات اليوم الذي ألقى فيه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله خطابه معلنا، أن الحزب مشترك في الحرب، منذ 8 أكتوبر.
بعد هذا الاتصال، امتنعت الهند عن التصويت على قرار أردني في الجمعية العامة للأمم المتحدة يسعى، لوقف إطلاق النار، لم يكن الموقف مصادفة.
يقول رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي: إن الهند والإمارات العربية المتحدة تتشاركان “مخاوف عميقة”؛ بشأن الإرهاب. وبذلك يوضح فحوى، ما جرى من اتصالات وتنسيق لموقف مشترك ضد الفلسطينيين.
تلعب المصالح الاقتصادية دورها، تتحدث التقارير الغربية عن قلق مشترك، إمارتي هندي؛ بشأن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذي تم الكشف عنه في قمة مجموعة العشرين في نيودلهي الشهر الماضي.
المشروع يتمثل في إنشاء ممر لوجستي سلس، يربط غرب المحيط الهندي بشرق البحر المتوسط عبر المواني والسكك الحديدية والطرق التي تمر عبر الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل؛ لينافس قناة السويس، وتلعب الإمارات دورا مهما في هذا المشروع.
هل تشارك الإمارات في الحرب على الأرض؟
تداولت العديد من التقارير الصحفية، أنباء عن دعم عسكري إماراتي على الأرض لإسرائيل؛ خاصة بعد تأكيد صحف إسرائيلية وجود اتفاقية دفاع مشتركة بين الطرفين، وبموجبه “هبطت ثماني طائرات نقل ثقيلة تابعة لأبي ظبي في إسرائيل عام 2022. لم يتم الإعلان عن سبب وجود طائرات النقل الثقيلة الإماراتية في إسرائيل، رغم أنه يعتقد، أنها كانت على الأرجح تنقل معدات، تتعلق بعقود الدفاع الموقعة بين البلدين “.
ودار حديث خلال زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوج للإمارات مطلع 2020، عن عرض تل أبيب دعم أمني ومخابراتي للإمارات؛ في مواجهة الطائرات المسيّرة، وذلك في أعقاب الهجوم الكبير الذي شنته جماعة الحوثي اليمنية، المتحالفة مع إيران حينها.
إسرائيل والإمارات تعتبران إيران عدوًّا مشتركًا؛ فعمِلَ كلا البلديْن معًا بشكلٍ سرّي لسنوات؛ لمناوئة إيران في الخليج والشرق الأوسط ككل.
ومنذ بدء علاقتهما غير الرسمية قبل عدة عقود، حسّنا علاقاتهما العسكرية، وتبادلا المعلومات الاستخباراتية، وروابطهما الدبلوماسية بعيدًا عن الأضواء.
كما عملت الإمارات على تحسين جهوزيتهما، إزاء التهديدات الإيرانية بشكلٍ شامل، وساهمت قرارات الرئيس الأمريكي السابق ترامب بسحب القوات من بعض أجزاء منطقة الشرق الأوسط، والعالم بشكلٍ عام بتحفيز تطوُّر العلاقات بين إسرائيل والإمارات، وذلك استباقًا؛ لتراجع الدعم المباشر من الولايات المتحدة.
مظلة دفاعية إسرائيلية تحمي الإمارات
بعد اتفاق التطبيع، حجزت شركات الدفاع الإسرائيلية جناحًا في معرض، ومؤتمر الدفاع الدولي آيدكس 2021، كما أعلنت مجموعة الدفاع الإماراتية EDGE Group عن صفقات دفاعية مع شركات إسرائيلية.
تضمنت الصفقة العسكرية أسلحة مضادة للطائرات المسيرة، وأنظمة دفاعية، ومنصات أخرى.
خلال معرض الدفاع والأمن البحري، كشفت الإمارات وإسرائيل عن أول سفينة سطحية من إنتاج الشراكة الدفاعية، وتم الكشف عن السفينة المجهزة بأجهزة استشعار، وأنظمة تصوير متطورة، ويمكن استخدامها للمراقبة والاستطلاع والكشف عن الألغام.
صُنعت السفينة في سياق التعاون بين شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، وشركة الدفاع الإماراتية EDGE.
وقال دي روش، الأستاذ المشارك في مركز الشرق الأدنى، وجنوب آسيا للدراسات الأمنية: “الإمارات الدولة الوحيدة من دول اتفاق إبراهيم التي تحاول تطوير صناعة دفاعية قوية، ولديها” خارطة طريق طموحة؛ “لتصبح قوة تكنولوجية رائدة في المنطقة، وفي هذا السياق، يمكن لإسرائيل، أن تكون صديقا قويًا.
ويوضح، تطرح إسرائيل كثيرًا على الطاولة مسألة التعاون التكنولوجي.
جوناثان لورد، مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأمريكي الجديد، يؤكد الفكرة ذاتها، فمنذ توقيع الاتفاقيات، أصبحت الإمارات الشريك التجاري السادس عشر لإسرائيل، ووقعا اتفاقية التجارة الحرة هذا العام، وسافر مئات الآلاف من السياح الإسرائيليين إلى الإمارات.
وقال لورد: “الإماراتيون تحت حماية ليس فقط نظام واحد، بل نظامين مختلفين للدفاع الجوي الإسرائيلي اللذين يحميان الإمارات من صواريخ الحوثيين، إلى جانب نظام ثاد الأمريكي وباتريوت”.
وكشفت صور الأقمار الصناعية التي التقطت في سبتمبر 2022، أن الإمارات نشرت نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي “باراك 8″؛ من أجل الدفاع ضد الهجمات الصاروخية والطائرات، دون طيار الإيرانية.
وفقًا لتقرير صادر عن موقع “تكتيكال ريبورت” الإخباري، فإن قاذفتين من طراز باراك، بالإضافة إلى نظام رادار Elta ELM 2084 كانتا تعملان بالقرب من قاعدة الظفرة الجوية جنوبي أبو ظبي.
يمكن لـ Barak 8 الدفاع ضد صواريخ كروز والطائرات، دون طيار والصواريخ الباليستية. وتم تطويره بشكل مشترك من قبل شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، ومنظمة أبحاث وتطوير الدفاع بالهند.
مبيعات الأسلحة
بحسب جيروزاليم بوست، شهدت إسرائيل ارتفاعا كبيرا في الطلب على منتجاتها الدفاعية في السنوات الأخيرة، في الواقع، شهد عام 2021 وصول مبيعات الأسلحة في البلاد إلى مستوى قياسي بلغ 11.3 مليار دولار، حيث ذهبت 7 ٪ من هذه المشتريات إلى دول الخليج، وفقًا لأرقام جيش الاحتلال.
وأضاف لورد، أنه بالنسبة للإمارات وإسرائيل، فإن الحسابات واضحة لقد تحركت الصفائح التكتونية (يقصد تغيرت الخريطة)، وليس هناك عودة إلى الوراء، فالفوائد التي تعود على البلدين من التعاون الاستراتيجي، تحجب تحديات التعامل مع الصراع الإسرائيلي ــــ الفلسطيني.
يلخص أندرياس كريج، الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات مينا أناليتيكا، تبدل خرائط العلاقات ما بين إسرائيل والإمارات، مشيرا إلى المصلحة الإماراتية مع أمريكا.
يضيف: “الأمر لا يتعلق بإسرائيل ولا بفلسطين، كان الأمر دائمًا، يتعلق بإدارة العلاقة مع واشنطن”.
وهو يرى، أن الاتفاقيات في المقام الأول كانت، ولا تزال في المقام الأول أداة للمشاركة، ودعم العلاقة مع واشنطن، وشراء الدعم من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.