اختتمت قمة منظمة التعاون الإسلامي الطارئة أعمالها في الرياض السبت 11نوفمبر 2023، لبحث الأحداث المؤلمة جراء العدوان الإسرائيلي البربري على قطاع غزة، عقب عملية طوفان الأقصى في 7أكتوبر الماضي، والتي قامت بها حركة حماس، ردًا على العدوان للمتواصل لجيش الاحتلال الإسرائيلي في القدس، والضفة الغربية وحصار غزة لأكثر من عقد ونيف، وكلها أمور أسفرت عن تهجير وتشريد، واعتقال السكان والاستيطان ونهب الموارد الطبيعية للأرضي المحتلة وتدنيس المقدسات.

وكانت تلك القمة قد تأخرت كثيرًا، إذ أنها قد التأمت بعد أكثر من شهر من العدوان الإسرائيلي الهمجي الذي طال بالأخص المدنيين من النساء والأطفال ودمر المستشفيات، وكلها أمور قد تمت عن قصد، وسط مسمع من قادة العالم “الحر” الذي انتفض مرات ومرات؛ لنصرة أوكرانيا في حربها مع روسيا التي لا زالت قائمة، وقام قبل ذلك مئات المرات بالصراخ في وجه عديد البلدان العربية والإفريقية والأسيوية واللاتينية؛ بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي ما تجاوزت في مجملها، ما قامت به إسرائيل وحدها.

لم يكن التأخير فقط هو الحاكم لمشهد القمة، بل كان هناك ارتباك واضح، فمن قمة عربية على هامش القمة العربية الإفريقية، إلى قمة عربية فقط، ثم الدعوة إلى قمة عربية إسلامية مشتركة بعد تأجيل القمة العربية الإفريقية، وكلها أمور دالة على ارتباك سعودي واضح في معالجة الأمر، خاصة وأن المملكة التي كانت ماضية في التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأدى العدوان إلى فرملة هذه الخطوة المهمة، قد عمدت لأسابيع إلى صم آذانها عن قرقعة الصواريخ، والقنابل الصهيونية بغزة باحتفالات مهرجان الرياض المتواصلة لعدة أيام، وكأنها تعلي أصوات تلك الاحتفالات، حتى لا تسمع أنين ما يدين مواقفها التطبيعية.

وبالطبع لم تختلف كلمات رؤساء الدول المشاركة في المؤتمر، والبالغ عدد أعضائه 57 عضوًا، عن بعضها كثيرًا، إذ حملت عبارات الشجب والإدانة والاستنكار لأعمال الكيان الصهيوني، وكأن هؤلاء قد أصبحوا زورا وبهتانًا مثل، شعوبهم لا حول لهم ولا قوة، ما يدفع الكثير من المراقبين إلى التأكيد، على أن غالبية تلك البلدان تكمن أزمتها في الديمقراطية، بمعنى أن الكثير من تلك البلدان يستند عروش حكامها إلى الدعم الأمريكي لا أكثر. وواقع الأمر كانت الكلمات الأكثر وضوحًا وجرأة هي، كلمات إيران وتركيا ومصر وسوريا.

وقد اختتمت القمة ببيان مطول، يتألف من 32 نقطة، كان أهمها الإشارة في أكثر من بند إلى مخاطبة المؤسسات الدولية؛ للتحقيق في جرائم إسرائيل بحق المدنيين، واستخدامها للأسلحة الكيماوية، وتهديدها باستخدام السلاح النووي، ورفض ما يخطط لغزة بعيدًا عن الحل الشامل للمسألة الفلسطينية، ومعالجة قضية الأسرى والمعتقلين ليس فقط بين يدى حماس، بل لمن هم في سجون الاحتلال أيضا، وكسر حصار غزة من طرف واحد؛ لإيصال المساعدات الإنسانية.

لكن بالمقابل اختتمت القمة بعديد من الأمور المخيبة للآمال. إذ غلب على مواد البيان الختامي- كعادة بيانات القمة العربية المعبرة عن العجز وقلة التصرف- عبارات الإدانة والاستنكار. كما وجه البيان الختامي عديد ألفاظه، ورسائله إلى الغرب والمجتمع الدولى. إضافة إلى ذلك، حمل البيان عديد الينبغيات المعتادة في بيانات القمة العربية، كالحديث عن القدس والعودة لحدود 5يونيو، ومشكلة اللاجئين. من ناحية أخرى، لم يفت البيان، أن يحمل التنازل المعتاد، منذ ثلاثة عقود المتصل بالسلام “كخيار استراتيجي”، كما لم يفته، أن يحمل آمال حل الدولتين الذي أبقته الولايات المتحدة حبرا على ورق. واستنادًا إلى موقع العربي الجديد، فقد رفض قادة السعودية والإمارات والبحرين والمغرب تضمين البيان مقترح مصر، والكويت والجزائر وليبيا واليمن والعراق، بمنع استخدام القواعد العسكرية الأمريكية في الدول العربية؛ لتزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر، وتجميد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية العربية مع إسرائيل، والتلويح باستخدام النفط، والمقدرات الاقتصادية العربية للضغط، لوقف العدوان، ومنع الطيران الإسرائيلي من المرور فوق الأجواء العربية.

كان من المأمول من القمة أن تتخذ قرارات، لكن ما صدر عنها لم يعدو، أن تكون أوصاف تحمل أحيانا توصيات. والقرار هو ما يكون أمر قابل للتنفيذ من قبل من أصدره، على عكس التوصية التي لا تعدو، أن تكون مجرد مناشدة للغير، وهي السمة الغالبة على مواد البيان، والذي وجه بالأساس– كما أسلفنا- للغرب وللمجتمع الدولي.

كان من المأمول من القمة أن تكون عونًا وسندًا للمقاومة المسلحة، لأن بقاء المقاومة المسلحة ليس فقط تنفيذًا لمقررات الأمم المتحدة الداعية إلى حق تقرير المصير، ومواجهة المحتل بكافة الوسائل، بما فيها القوة المسلحة، بل الأهم أنه هو السبيل الوحيد الذي يجعل الغرب مسرعًا؛ ليحل أزمة إسرائيل وأمنها، قبل أن يقوم بحل للمسألة الفلسطينية.

لقد سكت البيان الختامي– كما أسلفنا- عن أي ذكر لوقف التطبيع بين أعضاء منظمة التعاون الإسلامي (ومن باب أولى البلدان العربية) والكيان الصهيوني، وكأن تلك الدول المعنية بالتطبيع مع هذا المحتل تستعين بغذائها وقوتها اليومي من الكيان الصهيوني. إن وقف التطبيع لهو الخطوة المهمة القادرة على إفهام الولايات المتحدة بقوة الغرب، لما لها من تأثير قوي. صحيح أن وقف حظر موارد الطاقة عن الكيان الصهيوني ومن يدعمه، ربما تكون خطوة جسورة وغير قابلة للتكرار في الوقت الراهن، لكن ما من شك، أن وقف أو تجميد الاتفاقات مع العدو؛ بشأن التجارة والاستثمارات والمواصلات والسياحة والتنسيقات الأمنية وكافة أشكال التعاون العسكري..إلخ، كلها أمور يقدر المجتمعون على تنفيذها في الحال، لكن الخنوع والخضوع للداعم الأمريكي، والشعور المسبق بالعجز والإنمالية، كلها كانت العامل الحاسم في صدور البيان بهذا الشكل غير المكتمل. لقد كان حريا بالمجتمعين، أن يعلنوا عن إيقاف مخططات تطبيعية محددة، هي أصلا مستحيل تحقيقها فنيًا، ويقصد هنا الممر الاقتصادي الذي أقرته قمة العشرين في 9 سبتمبر الماضي، والذي يمر في دولة الإمارات والسعودية والأردن، إلى أن يصل إلى الكيان الصهيوني. لكن البيان لمس قشور موضوع التطبيع بالإشارة في البند 12 إلى “دعوة الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة العربية؛ لممارسة الضغوط الدبلوماسية والسياسية والقانونية، واتخاذ أي إجراءات رادعة؛ لوقف جرائم سلطات الاحتلال الاستعمارية ضد الإنسانية”. وهكذا بدا أن عبارات تلك المادة قد اختيرت بحرفية عالية، بحيث تجعل موضوع وقف التطبيع اختياريًا لمن يريد– خاصة من المطبعين والمهرولين- من العرب أن يمارس ضغطًا.

إضافة إلى ذلك، سكت البيان أيضًا عن الدعوة إلى المقاطعة الشعبية لمنتجات الشركات الصهيونية، أو الشركات الدولية التي تدعم الكيان الصهيوني، والتي تنتج السلع والخدمات المختلفة، صحيح أن عديد الناس في العالمين العربي والإسلامي يمارسوا-منذ بدء العملية البربربة الصهيونية- عمليا تلك المقاطعة، ما يدل على أن الشعوب دائما تسبق زعمائها، إلا أن خروج بيان القمة بتلك الدعوة، كان سيفيد استمرار وشمول عملية مقاطعة المنتجات والخدمات، ومن ثم إعلام الغرب، بأن العالمين العربي والإسلامي اللذان يشكلان نحو ربع عدد بلدان العالم قادرون على لي ذراع الكيان الصهيوني وداعميه لوقف الحرب.

لم يشر البيان إلى أحد القضايا المهمة المتصلة بحتمية دعم العلاقات بين البلدان العربية ودول الجوار الإقليمي، والحديث هنا يخص كل من البحرين والإمارات العربية المتحدة والسعودية من ناحية، وإيران من ناحية أخرى. جدير بالذكر أن تلك البلدان العربية الثلاثة تسعى- وهي سماعة للخطاب الصهيوأمريكي القائم بتغذية العداء بين العرب وإيران- إلى التسريع بعملية التطبيع مع الكيان الصهيوني، ظنًا منها أن الولايات المتحدة وإسرائيل هي التي يمكن أن تقف حائلا بينها، وبين أن تكون لقمة سائغة لإيران. هذا الافتراض غير منطقي لكون الولايات المتحدة تخشى هي نفسها من استعداء إيران، وتسعى بالمقابل لترويضها؛ بسبب المصالح المشتركة بين البلدين، خاصة في العراق وسوريا ومضيق هرمز. أما إسرائيل فقد تبين بعد عملية طوفان الأقصي- الذي خرق كل المسلمات- أنها ليست شرطي المنطقة، وأنها هي من يحتاج إلى المساعدة. غاية القول أن تغذية الصراع بين العرب وإيران غرضه دعم مبيعات الأسلحة الأمريكية للبلدان الخليجية، وتسريع التطبيع بين تلك البلدان والكيان الصهيوني.

وهكذا فإن بيان القمة على أهميته، قد انتقصه الكثير من الأمور، ومن ثم فإن وقف العدوان للصهيوني الحالي وإفشاله، هو الكفيل، أن يتحقق بصمود المقاومة وتمسك أصحاب الأرض بأرضهم. وقد علمنا التاريخ، أنه خلال القرن الحالي، لم تزول حركة مقاومة لمحتل قبل تحقيق هدفها.