وضعت الحكومة سعرًا استرشاديًا؛ لتوريد إردب القمح المحلي عند 1600 جنيه؛ من أجل تشجيع المزارعين المصريين، وتحفيزهم لزراعة وتوريد محصولهم.
ورفعت الحكومة سعر التوريد المستهدف للموسم الجديد بنحو 100 جنيه، عن الموسم السابق الذي بلغ فيه السعر 1500 جنيه، للإردب، وهي زيادة يراها المزارعون غير مرضية، خاصة مع ارتفاع التضخم إلى 40%، مطالبين برفع السعر لـ 2000 جنيه؛ من أجل مجابهة ارتفاع تكاليف الزراعة.
وقال محمد حسين، مزارع، إن الحكومة كان يجب عليها رفع السعر الاسترشادي بدرجة أكبر؛ من أجل تشجيع المزارعين على زراعة القمح الذي يعتبر من أكثر المحاصيل تكلفة على المزارع، فالفدان تبلغ تكاليفه نحو 20 ألف جنيه.
التكلفة والإنتاج
بحسب المزارع الخمسيني، فإن القمح يحتاج للحرث 4 مرات قبل الزراعة، بجانب سماد عضوي بنحو 5 آلاف جنيه، و3 أجولة تقاوي بتكاليف 1500 جنيه، ومثلها من السماد الكيماوي.
كما يدخل في التكلفة أيضا، مبيدات حشرية وتكاليف ري بتكلفة 2000 جنيه للفدان، وعمالة زراعية، للضم والحصاد بحوالي 2000 جنيه، وفي مرحلة أخيرة، يأتي الدرس بحوالي ألف جنيه.
أما في حال إذا كانت الأرض غير مملوكة للمزارع، وقام باستئجارها، فيضاف إليها 6 آلاف جنيه إيجار.
يعطي الفدان إنتاجًا لا يزيد على 20 إردب قمح، تعادل قيمتها بسعر التوريد الحكومي 32 ألف جنيه، أي أن مكسب المزارع بعد خصم التكاليف، لا يزيد على 12 ألف جنيه، إذ كانت الأرض مملوكة له و6 آلاف جنيه، إذا كانت مؤجرة.
يقول المزارع: المحصول يستغرق في الأرض نحو 6 أشهر؛ ليصبح مكسبه الشهري ألف، أو ألفي جنيه فقط، لا تعادل جهده.
بحسب سامح الخشن المتحدث باسم الحكومة، فإن السعر الاسترشادي للقمح هو سعر مبدئي، “سر ضمان” أي أنه السعر الأقل الذي لن تنزل عنه أسعار القمح عند التوريد، مهما كانت أسعاره منخفضة في السوق العالمية، لكن حال ارتفاع الأسعار عالميا قبل التوريد فسيتم زيادة السعر.
زيادة السعر المبدئي ضرورة لتشجيع المزراعين
لكن خبراء يرون، أن الأولى هو زيادة السعر المبدئي، إذا كان هدف الحكومة التشجيع على الزراعة.
ويشيرون إلى أن رفع السعر وقت التوريد سيشجع من كان قد زرع القمح بالفعل على عملية التوريد للحكومة التي غالبًا، ما تجد منافسة حامية من القطاع الخاص، والذي يقدم سعرًا أعلى للشراء وقت الحصاد، فضلاً عن تقلب الإنتاج العالمي الذي سيضغط على الأسعار.
في الموسم الماضي، رفعت الحكومة سعر التوريد 3 مرات من مستوى بداية من ألف جنيه، ثم 1250 جنيها، ثم 1500 جنيه، ولم يغرِ السعر الاسترشادي الأول المزارعين على زيادة المساحة المزروعة التي انخفضت حينها بنسبة 12%؛ لتبلغ 3.2 ملايين فدان مقابل 3.6 ملايين فدان عام 2021 .
وضمن أسباب انخفاض المساحة المنزرعة بالقمح، ارتفاع اسعار الأعلاف الذي زاد من توجه الفلاحين لزراعة البرسيم.
كما تراجعت كميات القمح المحلي الموردة لصالح الحكومة بنسبة 10% في الموسم ذاته؛ لتبلغ 3.4 ملايين طن مقابل 3.8 ملايين طن العام السابق له، مع استخدام بعض المزارعين القمح كأعلاف في ظل ارتفاع الأخيرة أو البيع للقطاع الخاص.
انخفاض أسعار الحبوب عالميا.. هدوء خادع
انخفضت أسعار الحبوب العالمية في الأشهر الأخيرة؛ بسبب المضاربة والتحوط في الأسواق المالية؛ لتنزل إلى 5.7 دولارات للبوشل (27 كيلوجرامًا)، وفقاً لأحدث تحليل أصدره البنك الدولي في أكتوبر.
ومن المتوقع، أن يكون متوسط أسعار القمح العالمية في عام 2024 أقل بنسبة 2.9% من متوسط الأسعار عام 2023 الذي يدور عند 7.30 دولارات للبوشل.
لكن أندريه سيزوف، الخبير الزراعي بمنطقة البحر الأسود، يرى إن الهدوء الذي يسود سوق صادرات الحبوب خادع، فالخطر يأتي من مصادر عديدة.
ووضعت روسيا سفن الغذاء من وإلى أوكرانيا على قائمة الأهداف المحتملة، في المقابل هددت أوكرانيا بمهاجمة جسر القرم الذي يربط مضيق الشحن الروسي بالمواني الرئيسية. وهناك أيضًا خطر مستمر، يتمثل في تعمد روسيا إبطاء عمليات التفتيش أو تقييد الصادرات.
وفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، تواجه أوكرانيا، وهي واحدة من أكبر 4 دول مصدرة للقمح، تلوثًا غير مسبوق بالألغام الأرضية، وتقدر المساحات الملوثة بنحو 1814-9652 ميلًا مربعًا من الأراضي الزراعية وفقًا للتقديرات.
كما أثارت التقارير الأمريكية القلق؛ بشأن الإنتاج الزراعي في كثير من المناطق التي يصعب ريها بعد انهيار سد كاخوفا في يونيو 2023.
الصين.. تكالب على الشراء
من جهة أخرى، تتكالب الصين، أكبر منتج للقمح في العالم، بشكل غير مسبوق على شراء القمح.
اشترت بكين مليوني طن متري من محصول القمح الأسترالي الجديد في أكتوبر، على أن يتم شحنها في ديسمبر.
لم تكتفِ الصين بالتعاقدات الأسترالية، لكنها تعاقدت في الوقت ذاته على 2.5 مليون طن متري من القمح الفرنسي، على أن يتم الشحن بداية من الشهر المقبل، وحتى مارس 2024، كما اشترت أيضًا 1.8 مليون طن من كندا.
المشتريات الصينية، رفعت التوقعات بزيادة أسعار القمح الذي انخفض بنسبة 25% العام الحالي، خاصة أن الصين تبحث عن القمح من أسواق غير مضمونة لها، فتحالفها الكبير مع روسيا أكبر مصدر للأقماح في العالم يؤمن لها توفير احتياجاتها المستقبلية.
عانت الصين من موسم جفاف قلل إنتاح القمح بنسبة تقل عن 10%، لكنها في الوقت ذاته استغلت تراجع الأسعار عالميا؛ لتخزين المحصول خوفا من تداعيات تغير المناخ على الدول المصدرة، أو حدوث مشكلات جيو سياسية من شأنها التأثير على الأسعار.
تدور التوقعات، أن تصل واردات الصين لنحو 12 مليون طن خلال العام الحالي بزيادة قدرها مليوني طن عن العام الماضي، كما ارتفعت واردات بكين بنسبة 53.6% إلى 10.17 ملايين طن متري في 9 أشهر فقط.
السعر الاسترشادي سيرتفع مجددا مع التوريد
بحسب حسين عبد الرحمن أبو صدام، نقيب عام الفلاحين، في تصريح لـ”مصر 360″فإن وضع الحكومة سعرًا استرشاديًا عند 1600 جنيه، مُرضٍ للمزارع، وقد يسهم في تشجيع المزارعين على زيادة مساحات زراعة القمح، خاصة أن الحكومة قدمت وسائل تشجيع أخرى، تتمثل في توفير تقاوي معتمدة، تكفي زراعة 4 ملايين فدان.
تستهدف الحكومة زراعة 3.7 ملايين فدان من القمح الموسم المقبل، بزيادة 500 ألف فدان عن الموسم السابق، أي بزيادة نحو 1.5 مليون طن قمح عن العام الماضي.
وتوقع أبو صدام، أن ترفع الحكومة السعر مرة أخرة قبل التوريد؛ من أجل إغراء المزارعين بتوريد محصولهم، ومواجهة منافسة القطاع الخاص حينها، بجانب تحاشي لجوء بعض المزارعين؛ لاستخدام القمح كعلف، خاصة في ظل ارتفاع سعر الردة (قشر القمح) الذي بلغ سعر الجوال 35 كيلو منها 400 جنيه.
التغير المناخي.. تحديات كبيرة تواجه الإنتاج الزراعي
تواجه زراعة القمح في مصر تحديات بيئية متنوعة مثل، ارتفاع درجات الحرارة، ونقص المياه وتغيرات نمط الأمطار.
وتبنت وزارة الزراعة خطة؛ لنشر أصناف معتمدة لديها القدرة على زيادة مقاومة النباتات للظروف القاسية.
الدكتور سيد خليفة، نقيب الزراعيين، يؤكد في حديثه لـ”مصر 360″ ضرورة التوسع الأفقي، وزيادة الإنتاج الرأسي برفع متوسط إنتاج الفدان من 18 إردبًا للفدان؛ كي تتجاوز 20 إردبا للفدان كمتوسط عام لإنتاجية القمح.
ويرى ضرورة مد نسبة التغطية من التقاوي المحسنة إلى 100% من احتياجات زراعة القمح بدلا من 75% الموسم الماضي.
يري خليفة، أن هذه الخطوات ستحد من واردات القمح من الخارج، وهذا ضروري مع ضعف سلسلة الإمدادات من الدول المصدرة، خاصة روسيا وأوكرانيا.
التخوفات من التغيرات المناخية وتأثيراتها على محصول القمح تتزايد، إذ عانت الأرجنتين من موجة جفاف قلصت الإنتاج المتوقع من 18 مليون إلى 15 مليون طن، بخسائر تصل إلى 900 مليون دولار.
وبسبب الأمطار أيضا، توقعت هيئة الإحصاء الكندية انخفاض إنتاج القمح في كندا بنسبة 14.2% عام 2023، مقارنة بعام 2022، حيث انخفض منسوب هطول الأمطار عن المتوسط، وارتفعت درجات الحرارة.
وفي أستراليا، هناك توقعات بتقلص إنتاج القمح بنسبة 34% في موسم الحصاد المقبل؛ بسبب تفاقم ظاهرة “النينيو”.
وأكد خليفة، أن الحكومة تستهدف أن يغطي المخزون من القمح الاحتياجات لفترة زمنية تتراوح بين 5 و7 أشهر، مع وجود قدرات على تخزين أكثر من 5 ملايين طن في الصوامع الحكومية الجديدة.
ذلك مع تنويع مصادر استيراد القمح من أسواق مثل، الهند، وبعض الدول الأوروبية، والفائض من الدول العربية.