وسط استمرار المجازر الإسرائيلية في غزة، يشهد العالم حاليا إعادة تقسيم خريطة المصالح الاقتصادية والجيوسياسية على حساب دماء الفلسطينيين.

حاليا، يدرس الأوروبيون والأمريكيون بدء مفاوضات سلام بين أوكرانيا وروسيا والتي عززت هيمنتها على شرق أوكرانيا.

ويعقد قطبا العالم، الصين وأمريكا أول اجتماع رئاسي بينهما اليوم، مع أحاديث عن علاقات اقتصادية جديدة وتخفيض الضغوط في ملفي تايوان والفلبين.

وعربيا، تواصل دول الخليج جني ثمار الأزمات، مثلما قضمتها في أزمة أوكرانيا مع توقعات بارتفاع عنيف لأسعار النفط.

منذ مطلع نوفمبر الحالي، بدأ المسئولون الأمريكيون والأوروبيون التحدث بهدوء مع الحكومة الأوكرانية حول خطوة مفاوضات السلام المحتملة مع روسيا لإنهاء الحرب، والخطوط العريضة لما قد تحتاجه “كييف” للتوصل إلى اتفاق سلام.

المناقشات تمثل اعترافًا بالديناميكيات عسكريًا على الأرض في أوكرانيا وسياسيًا في الولايات المتحدة وأوروبا، مع وصول الحرب إلى طريق مسدود وعدم القدرة على مواصلة تقديم المساعدات لأوكرانيا مع امتلاك روسيا إمدادات لا نهاية لها على ما يبدو.

روسيا تنفرد بأوكرانيا وأمريكا تضغط لتسوية

منذ الحرب الإسرائيلية على غزة، انزوى الاهتمام العام الذي حظيت به الحرب في أوكرانيا، كما أصبح تأمين مساعدات إضافية لكييف أكثر صعوبة، حتى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن طلب من الكونجرس على تمويل إضافي لأوكرانيا، ولكن حتى الآن فشلت الجهود في إحراز تقدم بسبب مقاومة بعض الجمهوريين.

وربط البيت الأبيض بين المساعدات المقدمة لأوكرانيا وإسرائيل في طلبه الأخير، لكن نوابا من الحزب الجمهوري قالوا إنهم سيصوتون لصالح حزمة مساعدات لإسرائيل فقط.

كما بدأ الرئيس الأوكراني زيلينسكي هو الآخر يواجه انتقادات من دائرته السياسية الداخلية حتى أن مقربيه يقولون إنه يخدع نفسه بتوهم إمكانية الانتصار.

بحسب إدارة بايدن فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستعد للتفاوض مع أوكرانيا حاليا ولا يزال يعتقد أنه يستطيع “انتظار الغرب” أو الاستمرار في القتال حتى تفقد الولايات المتحدة وحلفاؤها الدعم المحلي لتمويل أوكرانيا أو يصبح تزويد كييف بالأسلحة والذخيرة مكلفًا للغاية.

يأتي هذا المتغير بعدما باتت روسيا قادرة على مدى العامين المقبلين على إنتاج مليوني قذيفة سنويًا.

في الداخل الروسي فإن آخر استطلاع للرأي أكد أن 70 % من الروس سيؤيدون رئيسهم إذا قرر إنهاء الحرب ضد أوكرانيا، بينما قال واحد فقط من كل ثلاثة إنه سيؤيد مثل هذه الخطوة إذا كان انتهاء الحرب يعني إعادة جميع الأراضي الأوكرانية المحتلة ما يعني أن ثلثي الروس يؤيدون إبقاء الأراضي التي سيطرت عليها روسيا تحت سيادتها.

وأكد ضابط المخابرات الأمريكية المتقاعد سكوت ريتر أن خمس مناطق أوكرانية إضافية ستلتحق بروسيا، إن لم يستسلم نظام كييف، وتتوقف قواته عن القتال، مضيفًا أنه لا يزال يوجد للقيادة الأوكرانية وقت كاف لإنهاء النزاع بطرق دبلوماسية قبل تغير الحدود.

الصين وأمريكا.. جبل الثلج يذوب في العلاقات

من جهة أخرى، يتضمن اجتماع الرئيس جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينج اليوم الأربعاء في كاليفورنيا عدة موضوعات، منها محادثات حول التجارة وتايوان والعلاقات بين الدولتين.

قال  مكتب البيت الأبيض، على لسان كارين جان بيير، في بيان إن اللقاء سيناقش “الأهمية المستمرة للحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة” وكيف “يمكنهم الاستمرار في إدارة المنافسة بشكل مسئول والعمل معًا حيث تتوافق مصالحنا، خاصة فيما يتعلق بالتحديات العابرة للحدود الوطنية” والتي تؤثر على المجتمع الدولي”.

قبل أن يقوم شي جين بأول زيارة يقوم بها إلى سان فرانسيسكو منذ أن كان زعيما شابا للحزب الشيوعي، تم عقد سلسلة من الزيارات الدبلوماسية إذ زار حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم بكين، وقام وزير خارجية الصين وانج يي بزيارة ناجحة إلى واشنطن، وهي الأولى التي يقوم بها وزير خارجية صيني منذ عام 2018.

التصريحات الرسمية الصادرة تؤكد أن المناقشات تركز على التجارة، لكن جدول الأعمال سيتطرق لأمور أخرى من بينها الحرب بين إسرائيل وحماس وقضية تايوان، مع قضايا أخرى عسكرية.

تمتد النقاشات أيضا بمنطقة “توماس شول”، منطقة مرجانية غمورة قريبة من الفلبين، حيث تطالب الصين بها كجزء مما يسمى بخط النقاط التسع المتنازع عليه.

وأقامت الفلبين محطة لنقل القوات تعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية هناك عام 1997، مما أدى إلى إنشاء موقع دائم يعمل به مجموعة صغيرة من مشاة البحرية الفلبينية.

ظلت الصين تضيق على محاولات إعادة إمداد الموقع منذ أسابيع، مما يخاطر بحدوث تصادم خطير مع حليف للولايات المتحدة، التي أصدرت عدة بيانات تؤكد استعدادها للدفاع عن الأراضي الفلبينية.

الخليج.. مصائب القوم مكاسب للنفط

رغم رفض دول الخليج العربي استخدام سلاح النفط للضغط من أجل وقف الحرب بغزة، إلا أن طول أمد العمليات العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي والتهديد بقصف عواصم عربية أخرى كبيروت قد يشعل الأسعار.

حذر البنك الدولي من أن أسعار النفط قد ترتفع لأكثر من 150 دولارا للبرميل إذا تصاعد الصراع بالشرق الأوسط.

من الممكن أن تؤدي الحرب الطويلة الأمد بالمنطقة إلى ارتفاعات كبيرة في أسعار الطاقة والأغذية، بعد عام واحد فقط من ارتفاع الأسعار بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وذلك رغم تراجع أسعار النفط أخيرًا بفعل الزيادة الكبيرة في إمدادات الخام الأمريكية، وأيضا ظهور بيانات اقتصادية صينية متضاربة تثير المخاوف بشأن الطلب العالمي على الخام.

ربما اشتباك الحوثيين في المعركة عبر إطلاق المسيرات والصواريخ الباليستية على إسرائيل، يحمل منافع للسعودية، فرغم زيارة وفد من الحوثيين للرياض للوصول إلى خارطة طريق تدعم عملية السلام في اليمن خلال سبتمبر الماضي، إلا أن الأمور تعقدت مجددًا.

بعد أيام من الزيارة الحوثية للرياض، قُتل جنديان بحرينيان عند حدود السعودية مع اليمن، وفي أكتوبر الماضي قتل أربعة جنود سعوديين في اشتباكات عنيفة مع الحوثيين، ما أثار شكوكًا حول التوصل لاتفاق ينهي الحرب التي اندلعت منذ 2015.

تقتنع الرياض بأن واشنطن لن تصبر كثيرا على استفزازات الحوثيين خاصة بعدما قدّم 14 نائبًا أمريكيًا مشروع قانون ينص على إعادة تصنيف الحوثيين “منظمة إرهابية أجنبية”، وربما توجه لهم ضربات تريحها من تهديدات.

في المقابل، وجد عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين في الحرب فرصة في استغلال قضية العداء لأمريكا وإسرائيل، لشرعنة حكمه واكتساب شعبية كبيرة على المستوى الداخلي وكذلك على المستوى العربي ما يعزز من التعاطف معه في الحرب التي يشنها على الجيش اليمني.

مكاسب إيرانية غير مباشرة

تخدم حرب إسرائيل على غزة طهران، وتحقق لها عدة أهداف في مقدمتها تعزيز مكانتها كمحور إقليمي والذي ظهر في خروج الأمير السعودي محمد بن سلمان “شخصيا” لاستقبال الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي في مقر انعقاد القمة العربية والإسلامية في الرياض السبت الماضي دون عن باقي المدعوين.

كما تستفيد طهران أيضًا من عرقلة التطبيع الإسرائيلي السعودي، والذي كان من شأنه -لو اكتمل- أن يزيد من عزلتها فضلاً عن إضعاف إسرائيل، التي تشن هجوماً شرساً سيكلفها عددا كبيرا من جنودها، ويضر بمكانتها الدولية مع استهدافها النساء والأطفال وتغير صورتها لدولة “نازية”.

ويظهر المكسب الذاتي لإيران تصريحات المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي الذي قال إن الصراع “هزيمة لا يمكن إصلاحها” لإسرائيل.

مضيفًا أن الحكومة الإسرائيلية “لن تظل النظام الذي كانت عليه من قبل، ولا يمكنها بسهولة التعويض عن الضربة التي وُجهت إليها”.

عرقلة التطبيع بين إسرائيل والسعودية يحرم الأخيرة من مطالبها في مقابل اتفاق التطبيع التي أوردها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وهي برامج طاقة نووية مدنية مدعومة من الولايات المتحدة وأنظمة دفاع أمريكية حديثة.

كما أن الحرب الدائرة حاليا استطاعت جذب العالم لنقاط ساخنة بعيدًا عن المشروع النووي الإيراني.