واصلت الحكومة رهانها على مبادرة إعفاء الذهب الوارد من الخارج من الجمارك في ضبط إيقاع سوق الذهب، بعد أن سجلت أسعاره مستويات قياسية، ومع ارتفاع مستوى التضخم، توجه الكثير من المصريين إلى شراء المعدن الأصفر، كملاذ للقيمة.

في أوقات الأزمات الاقتصادية، يصبح الذهب والعقار الوسائل الأساسية التي يعتمد عليها المواطنون؛ للحفاظ على مدخراتهم من تراجع قيمة العملة.

مقارنة بالعقار، يمتاز الذهب بأفضلية أكبر؛ نظرا لسهولة تسييله “بيعه”، حيث تحتاج العقارات لوقت أكبر في البيع.

ليس الذهب مهما، وحسب للمواطنين في وقت التضخم؛ لحفظ قيمة المدخرات أو الاستثمار، ولكنه مهم أيضا للحكومة، فهو يوفر العملة الصعبة، كما تسعى الحكومات لزيادة احتياطها من الذهب.

مؤخرا، قرر مجلس الوزراء، مد العمل بقرار إعفاء الذهب الوارد للمنافذ صحبة الركاب من الضريبة الجمركية والرسوم الأخرى، يستثني القرار رسوم القيمة المضافة، والتي تقدر بـ 14 بالمائة، وتطبق على قيمة المصنعية، وليس إجمالي وزن الذهب.

يمتد القرار لمدة 6 أشهر، وينتهي مايو 2024، ويشمل إعفاء الذهب بأشكال نصف مشغولة، والحلي والمجوهرات وأجزائها من معادن ثمينة أُخرى، وإن كانت مكسوة أو مزينة بقشرة من معادن ثمينة.

لماذا الذهب مهم للحكومة؟

استهدفت الحكومة وقت تدشينها مبادرة إعفاء الذهب من الرسوم في 10 مايو الماضي إدخال 30 طنًا دون رسوم.

مقارنة بسوق الذهب المصري، والذي لا يتجاوز 150 طنًا، موزعة بين مشغولات جديدة بنحو 70 طنًا، والباقي من الذهب القديم الذي تتم إعادة تداوله، فإن حجم المستهدف الحكومي ضخم.

خلال أول ثلاثة أسابيع من المبادرة، شهدت السوق المحلية إدخال 112 كيلوجرام ذهب فقط، ثم ارتفعت الحصيلة لتبلغ 600 كيلو في الفترة من (11 مايو حتى 22 أغسطس).

في ذات الوقت، نشطت البنوك في إصدار شهادات مرتفعة العائد، منها شهادات لمدة ثلاث سنوات، بلغ عائدها المقدم إلى 39 %.

ومع هدوء موجة الشهادات مرتفعة العائد، ارتفعت الحصيلة الإجمالية للذهب بوتيرة أكثر سرعة؛ لتبلغ 3.3 أطنان، حتى 22 سبتمبر الماضي أي خلال 5 أشهر.

لكن في ذات الوقت، هذه الحصيلة، لا تزال بعيدة عن المستهدفات المبدئية التي حددتها وزارة التموين على لسان الدكتور ناجي فرج، مستشار وزير التموين لشؤون الذهب وقت تدشين المبادرة.

كيف تحتسب القيمة المضافة؟

تبلغ قيمة المصنعية على جرام الذهب 80 جنيهًا مصريا، وبذلك لو بلغت قيمة المشغولات الذهبية الواردة 200 جرام ذهب، يتم ضرب الـ 200 جرام في 80، لتعطي ناتجًا 16000، هي قيمة المصنعية، مضروبة في 14 % (نسبة القيمة المضافة) مقسوم على 100، وبذلك تكون قيمة ما يدفع على 200 جرام ذهب، هو 2240 جنيهًا.

الاستثمار والادخار

ويقول هاني ميلاد، رئيس شعبة الذهب بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن المعدن الأصفر لدى قطاع عريض من الناس استثمار آمن طويل الأجل.

حسب ميلاد الذي تحدث لـ”مصر 360″: يحرص الأفراد على شراء الذهب لحفظ القيمة الشرائية للمدخرات من التضخم، وهو ما توضحه حركة الشراء المتزايدة.

وتؤكد بيانات مجلس الذهب العالمي اعتبار الكثير من المصريين الذهب، وسيلة لحفظ القيمة، وارتفعت المشتريات المحلية من المعدن النفيس بنسبة 46.3 % خلال النصف الأول من 2023، لتتجاوز 33.5 طنا، مقابل 22.9 طنا في الفترة نفسها من عام 2022.

مع التضخم، وخوفا من انخفاض جديد للجنيه، مالت فئات لديها مدخرات إلى شراء الذهب كمخزن للقيمة، وأيضا الاستثمار.

تؤكد نوعية الذهب التي اشتراها المصريون، الميل للاستثمار، وليس الشراء لأغراض الزينة.

ويؤشر على ذلك، حجم مبيعات الجنيهات، والسبائك التي لا تخسر قيمة المصنعية وقت البيع، والتي وصلت نسبة ارتفاعها إلى 173 %، ووصلت إلى 18.6طنا في النصف الأول من العام مقابل 6.8 أطنان في الفترة ذاتها من العام السابق.

في المقابل، تراجعت مشتريات المشغولات نحو 8 % إلى 14.8طنا، مقابل 16.1 طنا في الفترة المقارنة ذاتها.

ضبط السوق المحلية

يرى ميلاد، أن تجديد المبادرة ساهم في استقرار أسعار الذهب في السوق المحلية، بعدما شهدت ارتفاعات كبيرة؛ بسبب زيادة الطلب، وكانت المبادرة تساهم في تحقيق التوازن بين العرض والطلب، وتماشي الأسعار مع المستوى العالمي.

وشهدت أسعار الذهب استقرارًا نسبيا الثلاثاء، وسط ترقب المستثمرين لبيانات التضخم الأمريكية الرئيسية التي يمكن من خلالها استشفاف موقف البنك الفيدرالي الأمريكي؛ بشأن أسعار الفائدة.

وسجل سعر الأوقية 1935.69 دولارًا، بينما ارتفعت العقود الآجلة في الولايات المتحدة بنسبة 0.11 %، إلى 1940.20دولارًا.

عوامل زيادة أسعار الذهب

يؤكد الخبراء، أن حدوث انخفاض في أسعار الذهب محليا يتوقف على عدة عوامل في مقدمتها: تحرك سعر صرف الدولار أمام الجنيه، خاصة بالسوق الموازية بجانب سعر أوقية الذهب في البورصة العالمية، وهذا بدوره يخضع للعديد من العوامل في مقدمتها مستوى الفائدة والتضخم.

نادي نجيب، سكرتير شعبة الذهب بالغرف التجارية، يتفق مع هذه الآراء، إذ يعتبر أن مبادرة إعفاء الذهب الوارد من الخارج من شأنه، أن يخلق توازنا بين العرض والطلب في السوق، لكن الأسعار تدخل فيها عوامل أخرى مثل، سعر الصرف، وسعر الأوقية عالميًا.

وقال نجيب لـ “مصر 360″، إن الحرب في غزة والمخاوف من امتدادها أثر على سعر الذهب بالسوق المصري بشكل طفيف لا يتعدى 5 %.

يرى نجيب، أن مد الحكومة المبادرة يدعم سوق الذهب الذي يمتاز، بأنه صناعة وطنية، ووسيلة لحفظ القيمة والثروة للمواطنين.

وبحسب الدكتور ناجي فرج، مستشار وزير التموين لشؤون الذهب، فإن مبادرة إدخال الذهب مفتاح حل الأزمة الاقتصادية بشكل عام؛ لأنها تتضمن توفير العملة الصعبة، قاصدًا أن الذهب سلعة عالمية مقومة بالدولار.