منذ اندلاع الحرب على غزة، فإن الإسرائليين يشنون حرباً داخلية على الأسرى الفلسطينيين داخل السجون، وينفذون عقوبات جماعية أشد شراسة من كل ما يعرف عن تاريخها. إذ يحشرون الأسرى في غرفهم طيلة 23 ساعة في اليوم، فلا يخرجون إلا لساعة واحدة، كما أنهم قاموا بقطع أي اتصال خارجي عنهم، وأوقفوا زيارات الأهل والمحامين، كما أوقفوا عمل لجان الأسرى، وكل قنوات التواصل معهم، وأعادوا التواصل الفردي معهم.
ألغوا التلفزيونات، فلم يعد بإمكان الأسرى سماع الأخبار، كما منعوا استخدام أجهزة الهاتف العمومي. وكيلا تبقى لديهم إمكانية اتصال عبر أجهزة الهاتف النقال المهربة، قطعوا التيار الكهربائي عن الغرف، فلم يعد بمقدورهم شحن هواتفهم، وأبقوها فقط للإضاءة، كما قطعوا الماء الساخن، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل أنهم قد خفضوا وجبات طعام إلى وجبة واحدة بدلاً من الوجبات الثلاث يومياً، وكذلك سحبوا المواد الغذائية في الأقسام، وقلصوا كمية الطعام التي يتم إدخالها لهم، وجعلوا نوعية الوجبات أسوأ، وقطعوا الكانتين؛ كيلا يكون بإمكانهم التعويض، وشراء طعام على حسابهم. وقد بدأوا في إضافة إجراء جديد يومياً على كافة الأسرى، وهو قطع الكهرباء والماء. وهناك معلومات عن اعتداءات جسدية، واستفزازات مستمرة وعمليات تفتيش متكررة. وقد توفي في هذه السجون أسيران، منذ بدء الحرب، هما: عمر ضراغمة (57 عاماً) من طوباس، وعرفات حمدان (25 عاماً) من قرية بيت سيرا قرب رام الله.
ومع تطور القانون الدولي والإنساني منه بشكل أخص، ذلك بعد المراحل التي مر بها الوضع القانوني لأسرى الحرب، والحقوق التي اكتسبها، والضمانات التي اعترف له بها، أصبح الوصف القانوني لأسير الحرب ذا أهمية بالغة، بالنسبة للشخص الذي يتمتع به، لأن هذا الوصف يكفل للشخص التمتع بالعديد من المزايا، أهمها عدم جواز محاكمته أو معاقبته؛ لمجرد قيامه بأعمال عدائية في زمن النزاع المسلح، في حين لو لم يكن هذا الشخص متمتعا بهذا الوصف، كان سيؤول الاختصاص للقانون الداخلي في معاقبته، كما تلتزم الدولة الحاجزة بمعاملة الأسير معاملة إنسانية، تحفظ له كرامته وشرفه وسلامته الذاتية عبر جميع مراحل الأسر، ومما هو جدير بالإشارة، أن هذه المسألة قد كانت مسار خلاف، منذ المحاولات الأولى؛ لتقنين مبادئ الحرب البرية، حيث كانت هناك نظريتان تتجاذبان وضع المقاتل في أوروبا في النصف الثاني من القرن 19م، ما بين موقف تتبناه الدول الكبرى، يتلخص في حصر المقاتلين في أفراد القوات المسلحة النظامية، وموقف تتبناه الدول الصغرى التي حرصت على توسيع الوضع القانوني للمقاتلين؛ ليشمل أعضاء حركات للمقاومة الذين لا يكونون بالضرورة تابعين للجيش النظامي، ورغم التوصل إلى حل وسط بهذا الخصوص، يلاحظ أنه كان هناك تقييد، وتضييق للأشخاص الذين يتمتعون بالوضع القانوني للمقاتل، ومن تم حمل صفة الأسير، حيث حرمت العديد من الفئات من التمتع بهذا الوضع، وقد بقي هذا الوضع على حاله، إلى أن تمت صياغة اتفاقية جنيف لعام 1949م، إذ وسعت من نطاق الأشخاص المشمولين بصفة أسرى حرب، حيث نصت في إطار المادة الرابعة منها، على أن الأشخاص الذين يتمتعون بصفة أسرى حرب هم: أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، والمليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءا من هذه القوات المسلحة، وكذلك أفراد المليشيات الأخرى، والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة، الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع، ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى لو كان هذا الإقليم محتلا، على أن تتوفر الشروط التالية في هذه المليشيات، أو الوحدات المتطوعة، بما فيها حركات المقاومة المنظمة.
وحسب ما ورد بتقرير لمنظمة الحق الفلسطينية لحقوق الإنسان، فإن الإفادات التي أدلى بها الأسرى الفلسطينيون بتعرضهم في مراكز التوقيف، والتحقيق إلى أشد أنواع التعذيب؛ لانتزاع الاعتراف منهم بالقوة، حيث تمارس أجهزة الأمن الإسرائيلية كافة ألوان التعذيب الجسدي والنفسي، والأدهى من ذلك، أنها تقوم بذلك باشتراك مباشر من قبل الأطباء الإسرائيليين، إذ يقومون بإعداد تقرير عن مدى قدرة المعتقل على تحمل أساليب ووسائل تحقيق معينة. وفي الجانب المقابل، لم يٌذكر أن هناك اية اعتداءات قد تمت على الأسرى الإسرائيليين المحتجزين من قبل قوات المقاومة في غزة، حتى أنه يؤكد ذلك، أنه بعد ان تم الإفراج عن بعض النسوة منهم، فلم تذكر أي واحدة منهن، أن هناك أية اعتداءات قد تمت قبلهن من قبل المحتجزين، ولم يتم التعرض لأي معاملة غير إنسانية أو مهينة.
إذن، فلماذا يتم الكيل بمكيالين من الجانب الدولي في حقوق الأسرى، فلا يتم تصعيد موقف أسرى الفلسطينين بشكل قانوني دولي، قد يسمح لبعض الحالات إلى تقديم الفاعلين؛ لتلك الانتهاكات على المحاكمات، أو المطالبة بذلك بشكل واضح وصريح، إذ ربما يدعو ذلك إلى تقديم نموذج جيد، ولو لمرة عن قيمة القانون الدولي أو القانون الدولي الإنساني، بما قد يعد نموذجاً عن احترام دول العالم التي وضعته أو المؤسسات والمنظمات الدولية لهذا النسق القانوني، أم انه فقط نموذجا قد وضع من أجل أن تستخدمه الدول الكبرى المتحكمة في اقتصاد وسياسات العالم، بما يعن لها أو ترتضيه كإطار فاعل، لما يحقق لها مصالح ذاتية أو منافع شخصية، وهو ما يؤكد، على أن تلك الاتفاقيات الدولية أو القواعد التي وضعت؛ من أجل أن ينقاد العالم بأسره تحت قواعده، لم تكن إلا إطارا حاكما فقط لرغبات دول تتمتع بالقوة التي تجعلها، تفرض رغبتها وإرادتها على الدول الأخرى وفق مصالحها.
أعتقد أن ذلك الطرح الأخير هو ما يتفق فعليا مع حقيقة تلك القواعد الدولية التي باتت مجرد أطر لمصالح مجموعة بعينها من دول العالم، بما يعود بنا على العصور الاستعمارية القديمة التي كان يتشكل الإنسان، وحقوقه وفق قواعد الدول المستعمرة فقط ووفق رؤيتها، وهذا ما يتحقق مع الجانب الإسرائيلي على الرغم من كونه الجانب المحتل وفق الأطر التعريفية للمناهج الحقوقية والقانونية الدولية، إلا أنه لم تزل الدول الكبرى، وأهمها الولايات المتحدة الامريكية، وتوابعها من دول الاتحاد الأوروبي، تدعم موقف إسرائيل، دونما أدنى مراعاة لأية قواعد أو أسس أو نماذج حقوقية أو دولية، بل على الأكثر من ذلك، فإنها تسعى على تأييد وجهة نظر، ومزاعم إسرائيل في كل خطواتها الحربية، وكل ما تقوم به من مخالفات قد ترتقي، إذا طٌبقت تلك القواعد الدولية لمرة على ما يشكل مفهوم جريمة الحرب، وهذا ما يؤكد، أن ما يدار في منطقة الشرق الأسط أكبر من مساحة القضية الفلسطينية وحدها، بل يتعداها إلى المنطقة بأسرها؛ لإعادة تشكيلها وفق حسابات، وتطلعات غربية لا علاقة لها بقيم إنسانية أو قواعد دولية أو حقوقية.