يواجه الاقتصاد المصري العديد من التحديات في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. في صدارة التأثيرات، ما لحق بقطاع السياحة بالمدن القريبة من الحدود، خاصة طابا، والتي تراجعت فيها الحجوزات، قبل موسم الخريف، والشتاء الذي يمثل ذروة الطلب على المقاصد المصرية.

كما تتأثر الموازنة بارتفاع أسعار النفط عالميا، بالطبع إلى جانب احتمال انخفاض عوائد السياحة، لكن نتائج الحرب قد لا تتوقف عند النتائج السلبية.

وعقدت الحكومة اجتماعًا أخيرًا؛ لبحث سيناريوهات التعامل مع الأزمات العالمية، والإقليمية الحالية، وتأثيراتها المحتملة على النواحي الاقتصادية، خاصة قطاعي السياحة والبترول.

قال المستشار سامح الخِشن، المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء، إن اجتماع الحكومة أكد، أن الحرب بغزة لها آثار سلبية على السياحة، كما أنها؛ تتسبب بموجات من زيادة الأسعار للسلع المختلفة.

بحسب هيئة المطارات الإسرائيلية التي تشرف على معبر طابا الحدودي بين مصر وإسرائيل، دخل أكثر من 1.5 مليون سائح إسرائيلي لجنوب سيناء عام 2019.

بينما  انخفض هذا العدد إلى 335 ألفًا عام 2021؛ بسبب فيروس كورونا، ثم عاودت حركة السياحة الانتعاش؛ ليبلغ عدد السياح  خلال عام  2022، قرابة 486 ألف سائح إسرائيلي.

قالت  كريستالينا جورجييفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي: “إن عدم اليقين قاتل لتدفقات السياح”.

يتفق معها فى الرأي، فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي الإقليمي لدى بنك جولدمان ساكس، حول  تأثيرات حالة عدم اليقين، لكنه يضع احتمالات التأثر بدرجة أكبر، إذ ما حدث مزيد من التصعيد.

وحول السياحة، يقول سوسة: “نرى تقارير عن إلغاء الحجوزات في دول مجاورة لإسرائيل مثل مصر، ونعتقد أن ذلك سيقلل  عائدات السياحة في السنة المالية الحالية.

حسب سوسة: “هناك قدر كبير من عدم اليقين؛ بشأن التأثير المحتمل للحرب، وأن خطر حدوث المزيد من التصعيد يهدد بتعميق، وتوسيع نطاق التداعيات الاقتصادية.”

وبرغم ذلك يظل الوضع بمصر أقل وطأة إذا ما قورن ببلدان أخرى، فوزير السياحة اللبناني وليد نصار، يقول إن لبنان الذي يعاني بالفعل من أزمة عميقة، يعتمد على السياحة بنحو 40 % من الناتج المحلي الإجمالي، ويواجه الآن المزيد من التدهور الاقتصادي.

وفي مدينة دبي، يقول أصحاب الفنادق، إن حرب غزة  أدت؛ لإلغاء بعض الرحلات السياحية الإسرائيلية والأمريكية، كما تم تأجيل أعمال سينمائية وغنائية.

وأيضا إلغاء بعض فعاليات الإطلاق الكبرى للمنتجات الجديدة. إذ كان من المقرر أن يحضر الملك تشارلز افتتاح قمة الأمم المتحدة للمناخ ” كوب 28″ بدبي، بجانب قادة العالم الآخرين، اعتبارًا من 30 نوفمبر.

مع الحرب، حضور  تشارلز  بات مثار  شك، بعدما رفعت حكومة المملكة المتحدة هذا الأسبوع خطر وقوع هجمات إرهابية في الإمارات من “محتمل” إلى “محتمل جدًا”.

تأثيرات السياحة المصرية..  مدينتان فقط

 

سامي سليمان، رئيس جمعية مستثمري نويبع وطابا
سامي سليمان رئيس جمعية مستثمري نويبع وطابا

يقول سامي سليمان، رئيس جمعية مستثمري نويبع وطابا، إن “الحرب في غزة أثرت على معدلات الحجوزات بالمدن القريبة من الحدود مثل، طابا ونويبع والعريش.

لكن لم تتأثر الغردقة وشرم الشيخ ومرسى علم أو الأقصر وأسوان.

وطالب سليمان بتنشيط السياحة الداخلية في طابا ونويبع؛ لتعويض غياب السياحة الوافدة  الخارج، خاصة في ظل وجود شبكة طرق تسهل انتقال المواطنين من محافظات الدلتا، مع حزمة دعم حكومي، تتضمن تأجيل مواعيد سداد المستحقات؛ لحين تحسن الأوضاع بالمدينة.

وأكد أحمد عيسى، وزير السياحة المصري، أنه تم احتواء تأثير الحرب في أقل من 10% من الحجوزات.

مضيفا أن القطاع يحتاج إلى إنشاء 25 ألف غرفة جديدة، ولإنجاز ذلك سيتم الإعلان عن حزمة تمويل تحفيزية للمستثمرين؛ لإنشاء الفنادق بشرط اكتمال بنائها قبل 2025، وستتحملها الموازنة العامة للدولة.

الغاز.. انفراجة بعد الأزمة

 

منصة إنتاج بحرية في حقل "ليفياثان"، أكبر حقول الغاز في إسرائيل، قرب خليج حيفا
منصة إنتاج بحرية في حقل “ليفياثان”، أكبر حقول الغاز في إسرائيل، قرب خليج حيفا

في الأيام الأولى لاندلاع الحرب، توقفت واردات الغاز من إسرائيل المقدرة بـ 800 مليون قدم مكعب يوميًا، ما أدى إلى زيادة انقطاع التيار الكهربائي لساعتين، خاصة مع تزامنه مع درجات الحرارة المرتفعة عن تلك الفترة من العام.

لكن شركة شيفرون مشغل حقل تمارا الإسرائيلي أعلنت مع مطلع الشهر الحالي استئناف تدفق الغاز الطبيعي، عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط ​​من إسرائيل إلى مصر بعد توقف دام شهرًا.

يمتد خط أنابيب غاز شرق المتوسط من مدينة عسقلان بجنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة على بعد نحو عشرة كيلومترات، من شمال غزة إلى العريش بمصر؛ ليتصل بخط أنابيب بري، ويتم تسييل ذلك الغاز، وتصديره لأوروبا كغاز مُسال.

أسعار النفط.. تداعيات على الموازنة

 

أسعار النفط
أسعار النفط

ليست السياحة وحسب التى ستؤثر على الموازنة، وربما تقلل من عوائدها، ينعكس تأثير زيادة أسعار النفط أيضاً على الموازنة العامة للدولة.

حددت الموازنة متوسط سعر  البرميل بـ 80 دولارًا، بينما بلغ السعر حاليا نحو 83 دولارا للبرميل.

من شأن كل زيادة بقيمة دولار واحد في سعر برميل النفط عن السعر المحدد بالموازنة، أن تؤدي إلى تغير في حجم المخصصات الخاصة بالبترول بحوالي  3 و4 مليارات جنيه.

نتيجة ارتفاع أسعار النفط، تكبدت الموازنة حتى الآن، ما بين 9 و12 مليار جنيه، فارق بين سعر السوق عن المستهدف.

واتخذت الحكومة قرارًا تحوطيا؛ للمواجهة تضمن زيادة وارداتها من النفط الخام الكويتي 33 % بداية من 2024؛ لتصل إلى 3 ملايين برميل شهرياً.

وتعطي الاتفاقية لمصر مدة سماح؛ للسداد تبلغ 9 أشهر، من تاريخ فتح الاعتماد المستندي للاستيراد.

يأتي ذلك اتساقًا مع إعلان رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي في سبتمبر، عن وقف استيراد المنتجات البترولية المكررة مثل، البنزين والسولار، والعمل على تكريرها محلياً.

وتخطط الهيئة المصرية العامة للبترول؛ لزيادة وارداتها من النفط الخام 40 % بدءاً من السنة المالية المقبلة 2024 -2025، لوقف استيراد المنتجات البترولية المكررة، حيث تمتلك مصر نحو 12 معملاً؛ لتكرير النفط الخام بطاقة إنتاجية تقدر بـ 34 مليون طن، يستغل منها نحو 25 مليون طن سنوياً فقط.

هل توجد مكاسب؟

في الأيام الأولى للحرب، تم التودد إلى مصر من قبل سلسلة من زعماء العالم.

وأكد الرئيس الأمريكي جو بايدن مجددًا “الشراكة الاستراتيجية الدائمة” بين البلدين في مكالمة هاتفية مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.

كما أشاد المستشار الألماني أولاف شولتز، خلال زيارته للقاهرة، بالعلاقات الألمانية المصرية التي تعمل على منع “حريق” الشرق الأوسط أي توسع الحرب.

كما التقى الرئيس الصيني شي جين بينج برئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في بكين؛ للنقاش حول الحرب فى غزة، ودور مصر حاليا.

وقال روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن الحرب “تسلط الضوء على الدور المهم الذي لعبته مصر دائمًا، فيما يتعلق بالأمن في غزة وما حولها”.

ولم يغب هذا عن الحكومات الأوروبية التي أدركت أهمية مصر كمنتج إقليمي للغاز، بعد حرب روسيا وأوكرانيا العام الماضي.

وقد زار مسئولون أوروبيون مصر؛ لتقييم إمكاناتها كمورد للغاز– بمساعدة إسرائيل– لتحل محل بعض الإمدادات الروسية على الأقل.

وتسعى هذه الحكومات نفسها الآن إلى مغازلة القاهرة؛ للمساعدة في تخفيف الضغط على غزة، حتى بعدما رفضت مصر أي اقتراح، بأن تستضيف لاجئين من غزة.

الدور الإقليمي المصري يتطلب دعما اقتصاديا

 

صندوق النقد الدولي
صندوق النقد الدولي

الدور المصري يجعل من المحتمل، أن يضغط المساهمون الرئيسيون في صندوق النقد الدولي في الولايات المتحدة، وأوروبا على البنك الذي يقع مقره واشنطن؛ لتخفيف متطلباته، والمضي قدمًا في البرنامج رغم بطء وتيرة الإصلاحات بالقاهرة، وفقًا لريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال إفريقيا لدى مجموعة الأزمات.

ورفضت مصر مطالب الصندوق بمزيد من تخفيض الجنيه أمام الدولار، وكان ذلك الأمر؛ سببًا في تأجيل المراجعة الناجحة لاقتصاد مصر من قبل الصندوق الذى سيوفر 700 مليون دولار من شرائح القروض المؤجلة.

كما تسمح المراجعة لمصر بالوصول إلى صندوق المرونة بقيمة 1.3 مليار دولار.

الصراع الحالي، والحرب على غزة، يسلط الضوء على عدم الاستقرار المتزايد في جميع  حدود مصر، ليبيا والسودان والآن بغزة.

وقال فابياني، إن ذلك يواجه الولايات المتحدة وأوروبا بالحاجة إلى ضمان “بقاء القاهرة شريكًا مستقرًا، وموثوقًا في المنطقة” و”يستحق الدعم الخارجي”.

دفعة استثمارات أوروبية في الطريق

يرى العديد من الاقتصاديين والمصرفيين والمستثمرين الدوليين، أن مصر من المرجح أن تحصل على بعض الدعم الاقتصادي، بغض النظر عن موقفها تجاه اللاجئين الفلسطينيين، في ظل الدور الذي تقوم به كمحور إقليمي.

من هذا المنطلق، زارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، القاهرة ؛ لأهداف عدة من بينها دفع الجهود؛ لدعم التنمية الاقتصادية في مصر، وتخفيف تأثير الأزمة الجارية.

يقترح الاتحاد خطة استثمارية تتضمن ضخ 9 9.8 مليارات دولار في قطاعات مثل، المبادرات الرقمية والطاقة والزراعة والنقل، يتخللها منتدى استثماري، من المقرر أن يُعقد في الربيع المقبل.

من شأن تلك الاستثمارات، أن تعزز اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر، إّذ تجري بالفعل محادثات؛ بشأن تعزيز برنامج الإنقاذ من 3 مليارات دولار إلى أكثر من 5 مليارات دولار.

وربما تستطيع القاهرة، أن تقدم نفسها أمام الاستثمارات الأجنبية التي تهرب من إسرائيل حاليًا.

وبحسب وزارة مالية الاحتلال، فإن الاستثمارات الأجنبية انخفضت بنسبة 60% في الربع الأول من عام 2023.