منذ أيام قليلة تم إحالة أحمد الطنطاوي إلى المحاكمة، ومعه نحو 22 عضوًا آخر، من هؤلاء رئيس حملته الانتخابية، وبعض أعضاء تلك الحملة. وقد أعادت تلك الإحالة- التي تمت في 8 نوفمبر 2023- إلى الأذهان عملية الانتقام من خصوم كل من يقترب من مقعد الرئاسة. فمنذ عقدين تقريبا، تم التنكيل بالدكتور أيمن نور رئيس حزب الغد؛ بسبب ترشحه في انتخابات الرئاسة التعددية الأولى عام 2005، وحصوله على المركز الثاني بفارق كبير بينه، وبين الرئيس الراحل حسني مبارك. وفي عام 2018، تكرر المشهد بصورة مختلفة، حيث تم إيقاف، ثم محاكمة سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق؛ بتهمة الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2018، دون الحصول على موافقة القوات المسلحة، بالإضافة إلى التحريض الصريح ضد الجيش، والتزوير في المحررات الرسمية، بما يفيد إنهاء خدمته في القوات المسلحة.
اليوم يوقف أحمد الطنطاوي المرشح المحتمل للانتخابات، بتهمة ما بات يعرف إعلاميًا بالتوكيلات الشعبية، حيث لجأ الطنطاوي لفكرة غريبة؛ لإحراج النظام والهيئة الوطنية “المستقلة” للانتخابات، بالقيام بجلب آلاف التوكيلات من المواطنين، بما يفيد قبولهم ترشحه للانتخابات الرئاسية، دون أن يكون لتلك التوكيلات ظهير، أو سند رسمى من خلال اعتمادها من الشهر العقاري بخاتم شعار الدولة، أو من السفارات المصرية بالخارج، وقد ضم “الطنطاوي” هذا العدد إلى العدد القانوني الذي حصل عليه من التوكيلات الرسمية، كي يظهر للكافة، أن التعنت تجاهه هو الذي أدى إلى استبعاده من الانتخابات، وأن شعبيته جارفة وكبيرة.
جدير بالذكر، أن المرشح للانتخابات المهندس حازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري قد أعلن أكثر من مرة، أنه قدم 68 ألف توكيل، جمعها في ثلاثة أيام إضافة إلى تزكية نواب البرلمان له، والمعروف أن أحمد الطنطاوي أعلن نيته الترشح قبل حازم عمر بعدة أشهر، وخاض جولات كثيرة، جعلت القاصي والداني يعرفه، ناهيك عن تاريخه الطويل في العمل السياسي الذي جعل منه الشخص الأكثر شهرة ضمن المرشحين في مواجه الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وقد وجهت جهات التحقيق إلى الطنطاوي، وزملائه، اتهام ليس أقل غرابة من فكرة “التوكيلات الشعبية”، وهو اتهام يستند إلى البند ثالثا، من المادة 65 من القانون رقم 45 لسنة 2014؛ بشأن قانون مباشرة الحقوق السياسية التي تقول: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه، ولا تجاوز خمسة آلاف جنية، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام بأي من الأفعال الآتية:- أولا:….ثانيا:…. ثالثا: طبع أو تداول بأي وسيلة بطاقة إبداء الرأي، أو الأوراق المستخدمة في العملية الانتخابية، دون إذن من السلطة المختصة.”وتختتم المادة قولها”: ويعاقب المترشح المستفيد من الجرائم الواردة بذات عقوبة الفاعل الأصلي، إذا تبين علمه وموافقته على ارتكابها….”.
من الناحية القانونية الصرف، فإن هذا الأمر يرد عليه بعض الملاحظات:- إذ يتضح، أن الفقرة الأخيرة من المادة 65 تخاطب المترشح، وليس المرشح المحتمل. كما أن تلك الأوراق التي تشير إليها المادة لم تكن أوراق انتخابية، فلا هي بطاقات إبداء رأي، ولا هي وثائق متعلقة بلجان الانتخاب كقوائم المسجلين في قاعدة البيانات، ومن ثم، فإن المتداول على الأرجح ليس ضمن أوراق الانتخاب الرسمية، خاصة وأنه من السهولة طبعها من موقع الهيئة الوطنية للانتخابات على شبكة المعلومات (الإنترنت). وما يؤكد ذلك، أن السفارات بالخارج كانت تعطي نسخة من التوكيل فارغًا لأحد المؤيدين، وتطالبه بطبع نسخ عديدة منه، وملئه قبل أن ترد إليها تلك الصفحات؛ لتعتمدها، مما يؤكد أن تلك الأوراق ليست سرية أو وثائق رسمية، ما دامت أنها غير مختومة بخاتم السجل المدني أو السفارة.
أما من الناحية السياسية، فإنه كان من المأمول، إن يشكل مُناخ أزمة غزة، حيث كان ولا زال التهديد لمصر كبيرًا؛ بسبب رغبة الكيان الصهيوني بالتعاون مع الولايات المتحدة في تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من غزة إلى سيناء؛ بغية تفريغ قطاع غزة لهيمنة إسرائيل عليه، (كان من المأمول) أن تفضي تلك الأجواء إلى المزيد من اللُحمة الشعبية، بحيث يكون هناك مُناخ عقد اجتماعي جديد مبني على التآلف بين الفواعل السياسية في الساحة المصرية، فيلغى الحبس الاحتياطي في قضايا الرأي، ويتوقف النظام عن التهم التي تلقى جزافًا بالانضمام إلى جماعة إرهابية، وتصدر قرارات عفو رئاسي عن المحكوم عليهم في قضايا الرأي…إلخ. لكن رغم كل تلك الأجواء الخارجية المتأزمة كان هناك تشدد، ونوع من التصيد المفضي إلى المزيد من إغلاق المجال العام.
إن التهم التي تم رمي الطنطاوي وزملائه بها، رغم أنها تبدو ساذجة إلى حد كبير، إلا أن تسييس القضاء، بأن يكون له يد في المزيد من التحكم في حرية الرأي والتعبير، هو من الأمور الباعثة على القلق عن المُناخ، والمجال العام في السنوات الست القادمة. فبدلا من أن يلجأ النظام إلى المزيد من المقرطة، ونزاهة التعاطي بين الفواعل السياسية، بغية خلق جيل جديد مستعد؛ لتحمل المسئولية السياسية بعد ست سنوات، حيث لن يكون للرئيس عبد الفتاح السيسي الحق دستوريًا في الترشح لفترة رئاسة أخرى في انتخابات 2030، (بدلا من كل ذلك) كانت النية بعد الأحداث الأخيرة تشير إلى الرغبة في بقاء الأوضاع على ما هي عليه. وحتى لو حكم على أحمد الطنطاوي بالغرامة البسيطة، فإن هذا سيشكل اتهاما أعقبه إدنة، مما يجعله غير قادر على خوض الانتخابات الرئاسية القادمة. جدير بالذكر، أن القانون 22 لسنة 2014؛ في شأن انتخابات الرئاسة، قد أشار في المادة 1 منه، إلى أنه “…. يشترط فيمن يترشح رئيسًا للجمهورية توافر الشروط الآتية: -1..-2-..3-..4-..5- ألا يكون قد حكم عليه في جناية أو جريمة مخلة بالشرف، أو الأماانة ولو كان قد رد إليه اعتباره”.
وهكذا يتبين، أن الأجواء القادمة عقب انتخابات الرئاسة لن تكون كما كان يُأمل منها أجواء جديدة مغايرة، لما كان قائما من تكبيل الحريات، وإتاحة الفرصة؛ لإيجاد بدلاء جدد في موقع الرئاسة، ومن ثم ستبقى الأوضاع على ما يبدو في حالة جمود، إلى أن تتبدل النوايا.