إزاء المجازر التي ترتكبها إسرائيل بدعم أمريكي أوروبي بحق الأطفال والنساء في قطاع غزة، تصاعد منسوب الغضب في صدور الملايين من مختلف القطاعات في العالمين العربي والإسلامي، وسط حالة من العجز الشعبي تحول دون مد يد العون؛ لرفع الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، وخطاب عربي رسمي مهترئ، غير قادر على تلبية الحد الأدنى من آمال الشعوب، وتنفيس الغضب المتصاعد.
ورافق مشاهد القتل والانتهاكات التي تعد بمثابة جرائم حرب، خطاب أمريكي أوروبي متماهي مع السردية الإسرائيلية، اتسم في بعض جوانبه بالتطرف، بينما فاحت العنصرية من جوانب أخرى منه.
وأضفت تصريحات لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لدى وصوله تل أبيب في الثاني عشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، طابعا دينيا على الحرب الدائرة بعدما قال، إنه “جاء كيهودي وليس فقط كوزير خارجية الولايات المتحدة”.
بلينكن أضاف خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “أنا ممتن، لأن أكون هنا في إسرائيل.. أتحدث بشكل شخصي، وأتيت كيهودي”.
قبل حديث بلينكن، أدلى وزير الدفاع في حكومة الاحتلال يوآف جالانت في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، بتصريحات شديدة العنصرية، عندما وصف المتواجدين بقطاع غزة بأنهم “حيوانات بشرية”، وقال خلال اجتماع في القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي: “لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة.. لن يكون هناك كهرباء ولا طعام، نحن نقاتل حيوانات بشرية، ونتصرف وفقا لذلك”.
مر تصريح الوزير الأمن الإسرائيلي، مرور الكرام على مسامع “الغرب المتحضر”، وهو ما فتح الطريق أمام مزيد من الخطابات، والمفردات التي تمثل إضافة لرصيد الكراهية، بعدما قال عميحاي إلياهو وزير التراث في حكومة نتنياهو، إن “خيار قصف قطاع غزة بالسلاح النووي أحد السبل للتعامل معه”.
تلك الصورة المضجرة بمشاهد الدماء، والأشلاء وخطابات العنصرية والمفردات الدينية المتطرفة، تطرح تساؤلات؛ بشأن المستقبل القريب، بعد توقف العدوان، وما إذا كانت أوروبا والولايات المتحدة، سيكونان على موعد مع موجة عنف جديدة أم لا؟.
موجات عنف مرتقبة
في هذا الإطار، يرى الدكتور ناجح إبراهيم الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، والقيادي السابق للجماعة الإسلامية في مصر، أن حالة العجز التي يشعر بها الشباب المسلم والعربي، أمام منع الدعم عن أهالي قطاع غزة، في مقابل فتح كافة أشكال الدعم المادي، والعسكري من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، ستدفع “حتما” في اتجاه موجة عنف جديدة، ستضرب أمريكا والدول الأوروبية، في ظل حالة من الكفر بالحضارة الغربية التي سقطت في اختبار الإنسانية.
وتوقع إبراهيم خلال حديثه مع “مصر360″، أن تشهد مدن الغرب الداعمة للكيان الصهيوني موجة من العمليات الانتقامية، تنفذها “ذئاب منفردة”، من الغاضبين الذين يشعرون بغياب العدالة؛ نتاج دعم تلك الدول المطلق لإسرائيل، وتشجيعهم لها على التوسع في ارتكاب مجازر بحق المدنيين، دون كبح جماح جيش الاحتلال.
“للأسف تلك الأعمال التي نرفضها ستحدث، خاصة في ظل أن الأمور باتت بسيطة، وليست معقدة، ولا تحتاج لإمكانيات كبيرة كما كان في السابق”، يضيف إبراهيم، مرجحا أن تأخذ تلك العمليات أشكال “الطعن باستخدام الأسلحة المنزلية أو الدهس، كما جرى من قبل في بعض العواصم”.
ويعتقد الخبير في شؤون الحركات الأصولية، أن الخطاب العربي الرسمي المهترئ، والذي فشل في تفريغ جزء من طاقة الغضب لدى الشباب، سيكون محفزا لتلك الموجة، هذا فضلا عن حالة الصدمة التي انتابت هذا الشباب من مشاهد استهداف المستشفيات، والمصابين وقصف المساجد على رؤوس المصلين.
وفقا لسلامة معروف، رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن جيش الاحتلال دمر 70 مسجدا بشكل كلي، إضافة إلى تضرر 112 مسجدا بشكل جزئي.
وبالعودة للخبير المصري، فإن القضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي، طالما كانت مكونا رئيسيا في المنظومة الفكرية والعقائدية، لأعضاء وشباب الجماعات الإسلامية المسلحة، لافتا إلى أن السبب الأساسي في الصدام بين الجماعة الإسلامية التي كان ينتمي إليها، والرئيس المصري الراحل أنور السادات، والذي انتهى باغتياله، كان توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.
بعث جديد لـ”القاعدة”
ويتفق مع الدكتور ناجح إبراهيم، أحد القيادات السابقة بجماعة أصولية دولية، إذ ذهب إلى أن القضية الفلسطينية هي التي حركت معظم شباب التنظيمات المسلحة، وفي مقدمتها “القاعدة”، مشيرا إلى أنه في أعقاب تدمير المدمرة الأمريكية “كول” قبالة السواحل اليمنية مطلع الألفية الجديدة، وإهداء زعيم التنظيم وقتها أسامة بن لادن العملية لفلسطين، والمشاركين في الانتفاضة الثانية، انضم للقاعدة آلاف الشباب، وكانت سابقة هي الأولى من نوعها.
ورجح القيادي السابق في حديثه مع “مصر360″، أن تنشط الجماعات والتنظيمات القديمة مثل، القاعدة ضد المصالح الأمريكية والغربية، “ستستفيد من حالة الزخم الإعلامي، لما يحدث في غزة، عبر عمليات انتقامية؛ لتجنيد منضمين جدد”. مشيرا إلى أن أوروبا قد تشهد حالة من الغضب العشوائي غير المنظم من جانب الحانقين على الدعم الغربي لتل أبيب.
مؤشرات
من جانبه يؤكد أحمد كامل البحيري الباحث المتخصص في شؤون الحركات الراديكالية، بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن هناك بوادر ومؤشرات؛ لموجة عنف جديدة في أوروبا، ظهرت مبكرا، مشيرا إلى استهداف السفارة الإسرائيلية في قبرص، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة بأيام، وكذلك الحادث الذي أسفر عن مقتل مواطنين سويديين في العاصمة البلجيكية بروكسل بعد إطلاق النار عليهما من جانب أحد الأشخاص قبيل مباراة كرة قدم بين منتخبي بلجيكا، والسويد ضمن التصفيات المؤهلة لكأس أوروبا 2024 منتصف أكتوبر الماضي .
ويشير البحيري في حديثه لـ “مصر 360″، إلى أنه عقب الوقائع الكبرى في فلسطين، تتكرر عمليات العنف في قلب أوروبا من جانب تنظيمات مسلحة، وهو ما حدث في أعقاب الانتفاضة الثانية عام 2000، وكذلك عقب استهداف إسرائيل لقيادات فلسطينية عام 2005، والتي أعقبتها تفجيرات مترو مدريد بأسبانيا.
ويلفت الباحث بمركز الأهرام، إلى أن نشأة أول تنظيم تكفيري في سيناء بمصر عام 2001، كان كرد فعل مباشر على انتفاضة الأقصى.
ذئاب غاضبة
ويتوقع البحيري، أن تتخذ موجة العنف الجديدة أشكالا متعددة، أبرزها ما يسمى بـ “الذئاب الغاضبة”، والتي تنفذ عمليات فردية، أما الشكل الآخر، فربما يكون متمثلا في عمليات كبرى، تنفذها التنظيمات القديمة، والتي ربما ستستعى؛ لاستغلال الأحداث؛ لإعادة بناء نفسها.
ويشير الباحث المتخصص في شؤون الإرهاب إلى تطور أكثر خطورة، يتمثل في كون، ما تشهده غزة من عدوان، ومجازر إسرائيلية، سيكون بمثابة محفز يعجل بظهور نسخة جديدة من “داعش”.
على ضوء ذلك يمكن الخلوص، إلى أن الولايات المتحدة ومعها أوروبا قد يدفعون ضريبة باهظة للدعم الأعمى لإسرائيل، وهو ما يتوافق مع تحذيرات دبلوماسية، كشفت عنها محطة “سي إن إن”، بعدما نشرت مضمون برقيات دبلوماسية تحذر من تنامي الغضب بالعالم العربي ضد واشنطن، محذرة من أن أمريكا قد تخسر الجماهير العربية لجيل كامل؛ بسبب دعمها القوي لإسرائيل.