إنه سؤال اليوم التالي لتوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ،وعلى حركة حماس ، و هو سؤال يحاول كل طرف، أن يجد له الإجابة التي تناسبه.

إسرائيل لم تقدم حتى الآن إجابة واضحة ، فضلا عن أن تكون نهائية، باستثناء إعلان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، أنهم  سيتولون المسئولية الأمنية في القطاع إلى أجل  غير مسمى، فيما لم يتطرق من قريب  أو بعيد إلى مجمل الوضع السياسي.

أما الولايات المتحدة الأمريكية؛ فتعارض علنا إعادة احتلال غزة من جانب إسرائيل، وترى أن ذلك سيكون خطأ كبيرا.

الدول العربية والإسلامية رفضت مقترحا أمريكيا، بإرسال قوة حفظ سلام إلى هناك بعد الحرب، أو على حد تعبير أيمن الصفدي وزير خارجية الأردن، فإن العرب لن يذهبوا؛ لينظفوا  الفوضى الإسرائيلية.

مصر من جانبها، رفضت، وترفض، وسترفض، تولي أية مسئوليات أمنية أو سياسية أو إدارية في غزة.

وأما المشاركون في مؤتمر  القمة  العربية/ الإسلامية  الأخير في الرياض، فيرون أن البديل الطبيعي لحكم حماس لغزة هو السلطة الوطنية الفليسطينية، أو ما يعرف حاليا باسم سلطة رام الله، بقيادة محمود عباس (أبو مازن )، فهذا هو مضمون ومدلول قرار تلك القمة بإعادة تأكيد، أن منظمة التحرير الفليسطينية هي الممثل الوحيد للشعب الفليسطيني، وأنه لا بد من استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، بما يعني خضوع الضفة الغربية، وغزة لسلطة سياسية واحدة، هي المنبثقة عن منظمة التحرير الفليسطينية، أي سلطة رام الله .

لذا كان محمود عباس هو الداعي الأول رسميا؛ لانعقاد القمة العربية الطارئة في الرياض.

لا عيب في أن أرجح، أن هذا القرار اتخذ بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لتوفير الغطاء العربي؛ لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة على أنقاض حماس، ومن ثم يسهل على أبو مازن، أو من يخلفه، أن يُرجع فضل إعادة توحيد غزة مع الضفة تحت سلطة واحدة إلى قرار عربي إسلامي بالإجماع، وليس بفضل الدبابات والطائرات الإسرائيلية.

قلت لا عيب في التنسيق العربي الإسلامي هنا مع الولايات المتحدة، بحكم الأمر الواقع أولا، وثانيا، لأن كل خطوة عربية سياسية أو دبلوماسية في القضية الفلسطينية، كانت تتم بالتنسيق مع واشنطن، منذ خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان، تحت وطأة الغزو الإسرائيلي بوساطة السناتور الأمريكي من أصل لبناني فيليب حبيب، ثم ما تلا ذلك في مؤتمر مدريد، وصفقة الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفليسطينية وبين إسرائيل، وكل ما تلا  اتفاق أوسلو، وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية من مؤتمرات واتفاقات، بل وحتى اتفاقات وقف إطلاق النار بين إسرائيل، وحماس في المواجهات السابقة.

في غضون ذلك كله، كانت مبادرة بيروت العربية للسلام عام ٢٠٠٣، متفقا عليها كلمة كلمة وحرفا حرفا بين واشنطن وبين  المملكة  العربية السعوية التي تقدمت إلى القمة العربية بالمشروع.

إذا كنا قد قلنا، إنه لا عيب- بحكم الأمر الواقع – في التنسيق مع الولايات المتحدة، رغم انحيازها الأعمي لإسرائيل، في تغطية عودة السلطة الفلسطينية لحكم غزة، على أنقاض حماس، فأين العيب إذن؟

أول المآخذ على هذا التصور، هو  افتراض أن إسرائيل ستنجح في تدمير حركة حماس، بحيث لا تقوم لها قائمة، على الأقل لمدة عقدين من الزمان، فيما تتفق أغلب التحليلات على صعوبة تحقيق هذا الهدف، لأن حماس فكرة، قبل أن تكون تنظيما، والمقصود بالفكرة هنا، هي فكرة أو مبدأ المقاومة التي تخلت عنها منظمة التحرير بحكم منطق الأمور، أي بما أنها هي الطرف الذي دخل في اتفاقيات سلام – ولو انتقالية-مع إسرائيل، فهذه الاتفاقات ترتب على السلطة التنسيق الأمني مع الاحتلال، بل وترتب عليها مقاومة المقاومة نفسها، وبما أن إسرائيل لم تنفذ التزاماتها في تلك الاتفاقات، إلى حد تخريبها، خاصة ما يتعلق بمفاوضات الحل النهائي، فإنه كان لا بد من ظهور قوة فلسطينية تستأنف المقاومة المسلحة.

ثاني المآخذ هو سياسة الإضعاف الإسرائيلي المستمر، والمتعمد لسلطة رام الله، بما أدى إليه ذلك من فقدان هذه السلطة؛ لثقة شعبها في الداخل الفلسطيني وفي الشتات.

أما ثالث المآخذ، فهو انقسام هذا السلطة نفسها، وكنموذج على ذلك ظاهرة محمد دحلان، الذي يطرح نفسه طول الوقت، ومن قبل الحرب الحالية كبديل لمحمود عباس، ومن المعروف أن دحلان مطروح  الآن بقوة من قبل الإمارات العربية المتحدة، كبديل لحماس، وأبو مازن في وقت واحد، وهو ما لا يلقي قبولا لدى حركة فتح، ولا منظمة التحرير ولا أغلبية الشعب الفلسطيني، فيما يعتقد، ليس لماضيه التآمري فقط، ولكن لأن مجيئه تحت الوصاية الإماراتية، وبترحيب إسرائيلي، قد لا يروق لمصر والسعودية وقطر، وهي أطراف فاعلة بقوة في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية سلما أو حربا.

وبغض النظر عن دحلان، فإن حال المنظمة ككل، وحال حركة فتح ليس الأفضل، منذ وقت طويل؛ لأسباب عديدة منها، الفساد المالي، وعدم تجديد القيادة التي استهلكت، حتى الآن ثمانية  أجيال من الفلسطينيين، وهي على مقاعدها.

ومن المؤكد، أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لن تساعد هذه السلطة، ولا غيرها على اكتساب المصداقية في نظر الشعب الفلسطيني؛ لتكون بديلا مقنعا لحماس، فهذه المصداقية، لن تتأتى إلا بإحياء جاد، وملموس لمفاوضات الحل النهائي، مع تحسين أوضاع  الفلسطينيين  تحت الاحتلال، والأهم وقف عمليات بناء مستوطنات إسرائيلية جديدة، ووقف توسيع القائم منها، وهذا ما لن تقدم عليه حكومة، يطالب أحد وزرائها بضرب غزة بقنبلة نووية، و يهدد وزير آخر فيها بالاستقالة احتجاجا على موافقة المجلس الوزاري الأمني على دخول كميات من الوقود؛ لتشغيل المستشفيات في القطاع!!

لهذا يصبح البديل الحقيقي المطلوب، ليس فلسطينيا فحسب، ولكن مطلوب أيضا بديلا إسرائيليا للتوليفة الحاكمة حاليا، وهو ما أصبح متوقعا بقوة كأحد مضاعفات الحرب الحالية، وما ستزداد احتمالاته،كلما طال صمود مقاومة حماس، وكلما تواصل رفض العرب؛ للتهجير الجماعي للفلسطينيين ورفضهم؛ لتظيف الفوضى التي تصنعها إسرائيل، وكلما تزايدت ضغوط الرأي العام في العالم.