في نهاية المقال السابق قلنا، إن البحث عن بديل فلسطيني لحركة حماس في قطاع غزة- بعد انتهاء الحرب الحالية- يقتضي أيضا البحث عن بديل؛ للتوليفة الحاكمة حاليا في إسرائيل، بقيادة بنيامين نتنياهو ، ولن يكون ذلك اختياريا، بل سيكون حتمية سياسية تفرضها مسئوليته عن الفشل الذريع في توقع هجوم حماس في يوم ٧ أكتوبر الماضي، ثم الفشل في مواجهة هذا الهجوم، عندما وقع، و هو ما كان تتويجا لسلسلة من الأخطاء، والخطايا التي ارتكبها الرجل، وحلفاؤه في سياق سعيهم الجنوني للانقلاب على القضاء، وفي سياق اطمئنانهم الكاذب، إلى أن القضية الفلسطينية ماتت سريريا، بقرب تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية.

يقول تقرير حديث لصحيفة هآرتس، إن نيتنياهو تجاهل تحذيرات مباشرة من جهاز استخباراته العسكرية (أمان )من المخاطر الأمنية المترتبة على الانقسام السياسي في البلاد حول خطة الحكومة المزعومة؛ لإصلاح القضاء، كما ثبت أن التقدير الذي تبناه نيتنياهو وحكومته الأمنية، هو أن حماس لا تفكر في حرب قريبة، ولذا فقد كان حجم القوات الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة غير كاف، لدرجة أن الحكومة  لم تعرف من الأصل، أن مقاتلي حماس اختطفوا أسرى ورهائن، إلا بعد إن أعلنت  قيادة حماس نفسها  هذا النبأ.

إذن فهي مسألة وقت حتى يسقط نيتنياهو، فما هي إلا أن تتوقف الحرب على غزة، حتى تندلع  عليه الحرب من داخل إسرائيل، ومعه على الأقل وزير الدفاع يوآف جالانت، والأرجح-مؤقتا- هو أن يحاول حزب الليكود، وشركائه في الائتلاف الاكتفاء بتنحية رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، بحيث تستكمل الحكومة الحالية تحت رئاسة خليفة ليكودي لنيتنياهو ، وبوزير دفاع جديد استكمال المدة الدستورية، لكن ذلك لن يكون سهلا، فمن المؤكد إن المعارضة بزعامة يائير لابيد، وحزب ميريتس، سوف تضغط؛ من أجل حل الكنيسيت، وإجراء انتخابات جديدة على أمل، أن تطيح النتائج بالليكود وحلفائه، بمعنى أن تزيحهم إلى موقع الأقلية البرلمانية.

ما سبق هو السيناريو الطبيعي، لاسيما، وأن تطورات أخرى عديدة تدعمه، وفي مقدمتها التحولات الواضحة لقطاعات مهمة من الرأي العام في الولايات المتحدة، ودول أوروبا الغربية في اتجاه إدانة العنف الإسرائيلي المبالغ فيه، وفي اتجاه إدانة الاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية، و القمع الوحشي للشعب الفليسطيني من الجيش، ومن المستوطنين في آن واحد، فضلا عن  الإدانات المتوالية من بقية دول وشعوب العالم.

لقد بلغ من أهمية هذه التحولات، أن صحيفة واشنطن بوست، توقعت فقدان الرئيس الأمريكي جو بايدن؛ لأصوات الشباب الأمريكيين، في انتخابات الرئاسة المقبلة ؛ بسبب معارضته؛ لوقف إطلاق النار في غزة، كما طالب رئيس جمهورية جنوب إفريقيا في مؤتمر افتراضي؛ لتجمع البريكس بإنهاء ماسماه- بحق- الاستثناء الإسرائيلي من قواعد القانون، والعرف الدوليين ، في سابقة هي الأولى من نوعها، في إدراك هذا الاستثناء المقيتن والمجحف الممنوح لإسرائيل، والمحصن أمريكيا، كما أنها سابقة هي الأولى من نوعها في تنبيه العالم إلى خطورة هذا الاستثناء، وفي إدخال هذا المصطلح إلي قاموس العلاقات الدولية، وإلى قاموس دبلوماسية الشرق الأوسط، بوصفه مصطلحا كريها، بقدر ماهو مجحف بحقوق الشعب الفلسطيني.

مع ذلك فليس المهم فقط، هو سقوط نيتنياهو ، ولكن الأهم هو  طبيعة البديل الذي سيخلفه، والبديل هنا ليس مجرد شخص، وإنما المفترض والمطلوب، أن يكون البديل هو رؤية سياسية مختلفة، تؤمن بالسلام المقبول، وليس السلام المفروض بقوة السلاح، أي سلام الرضا، لا سلام الإذعان ، لكن المشكلة هنا، أننا مثل غيرنا من المراقبين غير واثقين من وجود قوة سياسية يعتد بها، تتبنى هذه الرؤية، وتصبح هي البديل الملائم لنيتنياهو، ورؤيته العنصرية العدوانية التوسعية، ومع ذلك تذهب أغلب التوقعات إلى ترجيح كفة تحالف الوسط، المكون من حزب إيش عتيد بزعامة يائير لابيد، وحزب أزرق أبيض بزعامة بيني جانتس، ومعهما حزب ميريتس، والمتوقع بقوة أيضا، أن تدعم الإدارة الأمريكية، واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة هذا البديل، لكن ذلك بفرض حدوثه، ليس ضمانا أكيدا بالوصول الي حل الدولتين، لأنه كثير، ما تراجع الوسط واليسار – في اللحظة  الأخيرة-عن تقديم التنازلات المطلوبة للسلام العادل والدائم ؛ خوفا من غلبة التطرف على الرأي العام الإسرائيلي؛ وخوفا من مصير إسحق رابين الذي اغتيل بواسطة أولئك المتطرفين.

ربما يتطلب ظهور ونجاح  هذا البديل الإسرائيلي دورا عربيا، وفي رأيي إن مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي بدعوة دول العالم إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية ،دون انتظار المفاوضات هي خطوة كبيرة في هذا الاتجاه، ويلزم إن تعضدها المملكة العربية السعودية على الفور، وذلك بتعليق تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلى أجل غير مسمى، وبتنسيق الجهود مع مصر في حملة دبلوماسية دولية؛ لإنجاز الاعتراف بالدولة الفلسطينية.