بتاريخ 20 من نوفمبر الفائت، وافق مجلس النواب على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 12 لسنة 1996 “قانون الطفل”، وفي البدء، لا بد وأن أقرر، بأن ذلك القانون في مجمله من أرقى القوانين الموجودة في المدونة التشريعية المصرية، وذلك بحرصه على مجاراة التشريعات الدولية، والأصول الحقوقية في مجال الطفولة، وأخذة بمبدأ المصلحة الفضلى للطفل كأساس له.
وقد تضمن مشروع القانون استبدال المواد أرقام (23، 24، 113، 114)، فشددت عقوبة الغرامة المقررة بالمادة (23) عند مخالفة أحكام المواد (14 و 15 و 18 و 19 و 20)، والمتعلقة بقيد المواليد لعدم تناسب العقوبة المقررة لها مع الجرم؛ لتصبح الغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تزيد على ألفي جنيه. كما وأوجبت المواد السابقة التبليغ عن المواليد خلال خمسة عشر يوماً، من تاريخ حدوث الولادة، وحددت الأشخاص المكلفون بالتبيلغ وهم: والد الطفل ووالدته، ومديرو المستشفيات والمؤسسات العقابية والعمدة أو الشيخ، وأضافت فقرة جديدة لذات المادة، تجيز للمحكمة بدلا من الحكم بالعقوبة، أن تقضي بإخضاع المخالف؛ لبرامج التأهيل والتدريب التي يصدر بتحديدها قرار من وزير التضامن الاجتماعي بالتنسيق مع المجلس القومي للمرأة، والمجلس القومي للطفولة والأمومة، وتتابع المحكمة أمر المخالف عن طريق تقرير، يقدم لها من الجهة القائمة على تنفيذ برامج التأهيل والتدريب كل شهر؛ لتقرر المحكمة إنهاء البرامج أو إبدالها أو توقيع العقوبة، وشددت العقوبة المقررة بالمادة (114) لكل من سُلم إليه طفل، وأهمل بعد إنذاره من النيابة العامة في أداء أحد واجباته، وترتب على ذلك تعرض الطفل للخطر، وشددت العقوبة، إذا كان الفعل ناشئًا عن إخلال جسيم بواجباته، وأضيفت فقرة جديدة، تجيز سريان حكم الفقرة الثانية من المادة (113) على المخالف لحكم الفقرتين الأولى، والثانية من هذه المادة، وكذلك قد أضاف التعديل التشريعي الجديد مادة جديدة لقانون الطفل برقم (72 مكررًا)، تمنح العاملة في الدولة والقطاع العام وقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص– بحسب الأحوال– حالة كفالتها أو حضانتها طفلا عمره أقل من ستة أشهر، ذات الحقوق الواردة في المادتين (71، 72) المتعلقة بالإجازات المقررة للأم الطبيعية.
ولكن ما يؤخذ على هذا التعديل التشريعي، هو التوجه إلى استخدام العقوبات السالبة للحرية بديلاً عن التدابير الواردة بالنصوص القديمة، وأيضاً تشديد على العقوبة على الإهمال في، من سلم عليه طفل، وتولى أمر رعايته، وهذا النهج العقابي لا يتسق مع النهج العام المتبع في قانون الطفل، وهو البعد عن العقوبات السالبة للحرية، واستخدام التدابير الاجتماعية كبديل عام.
وإذ أنه يقصد بالعقوبات السالبة للحرية: “هي التي يقتضي تنفيذها حرمان المحكوم عليه من حريته نهائيًّا، واعتقاله”، فهي تحرم المحكوم عليه من حريته بإلزامه؛ بالإقامة في مكان معين “السجن”، والخضوع فيه لبرنامج إلزامي يومي طوال المدة المحكوم بها. وقد لاقت العقوبات السالبة للحرية العديد من أوجه النقد، من ضمنها: أن عقوبة الحبس قصير المدة عقوبة غير مجدية؛ لأنه لا يحقق الردع العام أو الردع الخاص، فقصر مدة الحبس، تجعله ضعيف الأثر كعقوبة في نفوس الأفراد، كما أن قصر مدة العقوبة لا يسمح بتنفيذ برنامج الإصلاح والتأهيل الخاص بالمحكوم عليه، وتفقده بالتدريج رهبة السجن، متى اعتاد على قضاء مدد قصيرة، وهذا يؤدي في النهاية إلى عدم تحقيق الردع الخاص الذي يهدف إلى إصلاح الجاني، ومنعه من سلوك الجريمة مرة أخرى.
وقد بدأت غالبية النظم العقابية بشكل أساسي إلى التوجه على بدائل العقوبات السالبة للحرية، والتي يقصد بها، أنها “مجموعة من التدابير التي تحل محل عقوبة السجن, وتعمل على تطبيق سياسة منع الحرية، ويتخذها القاضي بدلًا من عقوبة السجن، أي “عقوبات غير سجينة بدلًا من العقوبات السجينة”.- كما تبنت الأمم المتحدة كذلك قواعد خاصة بالتدابير غير الاحتجازية هي: “قواعد طوكيو”, وهي الصك الدولي الأهم المتعلق بالتدابير غير الاحتجازية, وهو يحدد أشكال وضمانات العمل بها، وكيفية وضعها موضع التطبيق،- وتهدف تلك القواعد إلى تعزيز الشعور بالمسئولية المجتمعية من قبل الجناة، وكذلك مشاركتهم في تحقيق العدالة الجنائية، بالإضافة إلى تقليل استخدام السجون، وترشيد سياسات العدالة الجنائية.
وفي المجمل، فإن ظهور فكرة التدابير الاجتماعية كان نتيجة؛ لفشل المؤسسات العقابية في تحقيق أغراض العقوبة، وتنفيذ “برامج الإصلاح والتأهيل”، خاصةً في العقوبة قصيرة المدة، لذا اتجهت السياسة الجنائية المعاصرة إلى إعادة النظر في الوسائل التقليدية بآليات العدالة الجنائية، وفي القواعد المنظمة للتجريم والعقاب؛ باعتبارها الأدوات الهامة للسياسة الجنائية، فاتجه التفكير في العديد من دول العالم إلى التقليص من العقوبات السالبة للحرية في ظل الدعوة إلى الحد من استخدامها، واستبدال بها عقوبة بديلة غير سالبة للحرية، تكون أكثر جدوى في مكافحة الجريمة والمجرم.
وإذ أنه وبشكل عام- تحقق بدائل العقوبة فوائد عظيمة، تنعكس آثارها على الفرد والمجتمع، وكذلك المؤسسات العقابية، أبرزها حل مشكلة اكتظاظ السجون, وتجنب المحكوم عليهم الأضرار الناجمة عن مساوئ مخالطة المجرمين، وتقييد حرية الشخص بالمؤسسات العقابية.
ومن خلال ذلك، فإنني أتوجه بذلك الخطاب في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها الدولة، ويعاني منها غالبية الشعب المصري، أن تعيد النظر في فكرة العقوبات السالبة للحرية بشكل عام، وللعقوبات قصيرة المدة منها بشكل خاص، وبشكل أخص وأهم ما ورد في قانون الطفل من أية عقوبات سالبة للحرية، واستبدالها دوما بأحد التدابير الاجتماعية التي تعود بالنفع العام على المجتمع والمحكوم عليه، حتى ولو كان المحكوم عليه ليس هو الطفل ذاته، أو كان المعهود به رعاية الطفل أو المسلم عليه، فإن الامر لا يختلف في نواتجه الاجتماعية وآثاره التي تمتد بالقطع إلى الطفل، فهل يعقل أن يتم حبس العهود إليه رعاية الطفل، ويترك الطفل دونما راع، حتى ولو تم استبدال الشخص المسلم إليه الطفل، فإن الشخص الأول الذي حكم عليه بالحبس كان هو الأقرب للطفل، وبالتالي فهو الأحرص على مصلحته.
كلمة أخيرة: نعلم جميعا أن السجون في مصر لا تصلح، أن تكون مكان لأي إصلاح، وأن ما يمر به المحكوم عليهم من ظروف داخل السجون، لا يمكن سوى إلا أن يؤدي على تفريخ للإجرام وتكاثر للمجرمين، وبات إصلاح المنظومة العقابية قبل إصلاح السجون؛ أملا مجتمعياً للجميع.