عكست الأساليب والمسارات المختلفة التي انتهجتها دول الخليج في ادارتها؛ لأزمة العدوان على غزة، التباينات في أدوات وعلاقات تلك الدول، بينما أكدت على قاسم مشترك، هو محاولة اجتياز الأزمة مع الحفاظ على توازنات حرجة متعددة المستويات.

دور أكثر فعالية.. واتهامات بالسلبية

اختلف المحللون حول أهمية الدور الخليجي خلال الحرب في غزة، يرى أندرياس كريج، أن دول الخليج تلعب دورا أكثر فعالية في حرب غزة، مقارنة بالأزمات السابقة، مما يعكس توجهاً جديداً، يعتمدعلى تبني سياسية خارجية مستقلة.

فيما يرى كريستيان كوتس أولريكسن، أن هناك نوعا من تقسيم المهام بين دول الخليج لحل الازمة. فاستخدمت السعودية قدرتها على جمع الدول العربية والإسلامية في القمة العربية- الإسلامية الاستثنائية، والإمارات استخدمت مقعدها في الأمم المتحدة للدعوة؛ لاجتماع طارئ لمجلس الأمن، وقامت قطر  بدور الوساطة. أما عمان والبحرين والكويت، فكانوا غائبين بشكل كبير عن الجهود الدبلوماسية. ورغم ذلك يرى أولريكسن، أن عمان قد تستخدم قدرتها على الحوار مع إيران والحوثيين؛ لخفض التوترات في المنطقة، بينما قد تساهم الكويت، رغم  تراجع دورها الدبلوماسي، ماليا، مستقبلا في إعادة الإعمار.

على الجانب الآخر انتقد بعض المحللين الدور الخليجي والسعودي بشكل خاص، فاعتبر  ستيفن كوك، أن السعودية لا تقوم بدور نشط لحل الأزمة بعكس  قطر التي تتصدر المشهد– ويشير كوك هنا الى وصف أحد المسئولين الأمريكيين، الدور السعودي بأنه عديم الفائدة- ويضيف كوك، أن الرياض تتعامل مع الأزمة في غزة بشكل سلبي، كما كانت تتعامل “السعودية القديمة” مع الأزمات.

تنوعت سياسات الدول الخليجية تجاه الحرب في غزة، و اختلف  حجم نفوذهم على مجريات الأحداث، فبعضهم كان متواضعا والآخر كان نشطا، وثالث لم يكن له تأثير يذكر، وفي ظل تلك التباينات، وتغير المواقف تبعاً؛ لتطور الأحداث من الصعب التعميم أو الحكم بشكل مبكر حول مدى فعالية التأثير الخليجي.

قطر.. تصاعد الدور وضغوط الحلفاء

بعد نجاح قطر في التوصل، لوقف إطلاق النار بشكل مؤقت بين حماس وإسرائيل، وتبادل الرهائن، لمع نجم الدوحة في الساحة الإقليمية مجددا، وأصبحت قطر الوجهة الأولى للمسئولين الغربيين في محاولتهم تهدئة الأوضاع، كما حصلت الدوحة على ثناء إسرائيل على جهودها.

نجاح قطر رجع لعدة اسباب أهمها، علاقتها بحماس. فضلا عن خبرة مفاوضيها؛ أشارت مصادر لرويترز، أن قطر لم تكن مجرد حامل رسائل بين إسرائيل وحماس، بل ضغطت على ممثلي حماس المتواجدين في الدوحة، واستخدمت الدعم الذي تقدمه للحركة كورقة ضغط، لإجبار حماس على رد الجميل.

تحتل قطر موقعا سياسيا مميزا مقارنة بباقي دول الخليج؛ كونها حليف للولايات المتحدة، وتربطها علاقات وثيقة بحركة حماس في نفس الوقت، ورغم أن علاقة قطر بحماس أثبتت نفعا في المفاوضات، لكنها في نفس الوقت أضعفت صورة الدوحة دوليا.

ورغم حصول الدوحة على  الثناء، والمديح في الوقت الراهن، ولكن كثيرين في الغرب  ينظرون الى قطر نظرات شك وحذر، باعتبارها داعمة لحركة تصنفها العديد من البلدان الغربية “إرهابية”.

تدعم  قطر حركة حماس ماليا بمبالغ، تقدر بمئات ملايين الدولارات سنويا، كما تستضيف قادة من حماس في الدوحة. ولقد تصاعد النقد الغربي لقطر خلال حرب غزة، خاصة مع رفض قطر إدانة هجوم حماس، وإصدارها بيانات، تدين فيها إسرائيل.

تحاول قطر خلال الأزمة الحفاظ على التوازن في علاقتها مع حماس والغرب، و لا ترغب في خسارة دعم واشنطن، ولهذا دافع المسئولون القطريون بضراوة عن موقفهم، فقال رئيس الوزراء القطري، أن الدوحة تنحاز للشعب الفلسطيني، وليس لطرف بعينه، وأن علاقتهم مع حماس أنقذت الأرواح، كما كتب السفير القطري في واشنطن مقالة في وول ستريت جورنال، ينفي أن بلاده تدعم حماس، واعتبر أن تلك الاتهامات جزء من حملات تشويه موجهة ضد بلاده، كاشفا أن إنشاء مكتب لحماس في الدوحة كان بطلب أمريكي؛ لتسهيل عمليات المفاوضات.

الإبقاء على هذا التوازن، قد يصبح أكثر صعوبة في الفترة المقبلة، فهجوم السابع من أكتوبر، جعل إسرائيل وواشنطن، يريان في حماس تهديدا وجوديا على تل أبيب، وأن سياسة احتواء، وتقليم مخالب حماس استراتيجية غير مستدامة، وبات ضرورياً تدمير الحركة. قد تضغط واشنطن في المستقبل على الدوحة لقطع علاقاتها مع حماس عقب هدوء الأوضاع في غزة، وقد ترضخ قطر لهذا الطلب. هذا ما ظهر في تلميحات وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن الذي قال– متحدثا للزعماء العرب، وبجانبه المسئولين القطريين- أنه لن يكون هناك “عمل كالمعتاد” مع حماس بعد الآن. كما قال مسئول أمريكي، إن قطر مستعدة لإعادة النظر؛ بشأن وجود حماس في الدوحة عقب انتهاء الأزمة.

الإمارات والسعودية والبحرين.. ضغوط شعبية وتوازنات إقليمية

قطر ليست الدولة الخليجية الوحيدة التي تجد صعوبات في الحفاظ على توازناتها القديمة، ففي  بداية الأزمة أدانت الإمارات والبحرين هجوم حماس، بينما لامت السعودية  إسرائيل، ولم تدن حماس بشكل صريح، لاحقا مع تصاعد الأزمة دانت جميع الدول الخليجية السعودية، والإمارات والبحرين وعمان والكويت استهداف إسرائيل للمدنيين في غزة، وانتهاكها القانون الدولي.

ردود الفعل الخليجية، وجهودها الدبلوماسية، لا تعبر بالضرورة عن انحياز للقضية الفلسطينية، بقدر ما تعبر بشكل أساسي عن محاولات إيجاد توازن بين الحفاظ على العلاقات مع الغرب، وإسرائيل من ناحية، وامتصاص الغضب الشعبي في المنطقة من ناحية أخرى.

كان هذا جليا في حالة البحرين، فأعلن البرلمان البحريني تجميد العلاقات مع إسرائيل، وهو ما نفته لاحقا مصادر داخل السلطة البحرينية.

التصريحات الرسمية حول مغادرة السفراء شابتها الكثير من التناقضات، مركز الاتصال الوطني، ومجلس النواب، أعلنا عودة السفير البحريني من إسرائيل ومغادرة السفير الإسرائيلي البلاد. ولكن وزارة الخارجية لم تؤكد تلك المعلومات، كما أن إسرائيل نفتها، وقالت إن العلاقات مستقرة.

تلك التناقضات، تعكس محاولات البحرين الحفاظ على استقرار اتفاقات إبراهام مع تهدئة الرأي العام البحريني، وقد شهدت المنامة بالفعل تظاهرات داعمة لفلسطين، أحيانا يتم فضها، وأحيانا أخرى، يتم السماح بها للتنفيس عن الغضب الشعبي.

بالنسبة للرياض، هناك الكثير على المحك، خطاب إيران الداعم لفلسطين، والمعادي لإسرائيل، يقلقها لأن الموقف الإيراني يعد جذابا للكثير في المنطقة، وتريد السعودية إحباط محاولات إيران كسب الشعبية، والتأييد في المنطقة.

تحرص الرياض أيضا على عدم إثارة الرأي العام السعودي المتضامن مع غزة. إضافة الى أنها لا تريد فقدان تأثيرها في العالم الإسلامي والعربي، لجميع تلك الاسباب، كان من الضروري سياسيا، أن تدين  الرياض إسرائيل في بياناتها، وتتجنب إدانة حماس بشكل صريح، وقد لحقتها دول اتفاقات إبراهام في إدانة إسرائيل لأسباب مماثلة.

الرياض ترى أيضاً، أن عدم التوصل لحل مستدام للقضية الفلسطينية يشكل خطرا على استقرار المنطقة، ويهدد محاولاتها الحد من المخاطر في المنطقة.

وتختلف بيانات الرياض الرسمية المخصصة للاستهلاك الشعبي عن التصريحات الموجهة للخارج، فاستخدم المسئولون السعوديون في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض عبارات حيادية للغاية، تدين العنف بشكل عام، دون تخصيص طرف بعينه. وربما تكون خطابات بعض المسئولين السابقين أكثر صراحة، وأقرب للسياسة السعودية الحقيقة تجاه حرب غزة.

ألقى تركي الفيصل بن عبد العزيز آل سعود ( رئيس الاستخبارات العامة سابقا، وسفير الرياض في واشنطون سابقا) خطاب أدان فيه كلا من حماس وحكومة إسرائيل، وقال إن حماس قدمت ذريعة للحكومة الاسرائيلية؛ لإبادة سكان غزة، وأنها عطلت جهود الرياض ، للتوصل لحل سلمي للقضية.

كما أدان تركي الفيصل إسرائيل أيضا لقصفها المدنيين، واتهم حكومة إسرائيل، بأنها تسمح بمرور الأموال من قطر للوصول لحماس (في هذا التصريح تكرار لاتهامات المعارضة الإسرائيلية التي تقول، إن نتنياهو سمح بتدفق الاموال القطرية إلى حماس كجزء من استراتيجية محفوفة بالمخاطر، سعت لإضعاف الفصائل الفلسطينية بتقسيمها).

تركي الفيصل ليس مسؤلا سابقا شغل مناصب رفيعة فقط، بل هو شخصية مقربة من القصر الملكي السعودي، وقد عبر خلال خطابه عن بعض مكونات السياسة الخارجية السعودية، ورؤيتها نحو الأزمة، فالرياض منزعجة من الصراع المستمر بين حماس والحكومة الإسرائيلية؛ بسبب إخلاله باستقرار المنطقة، والإضرار بسياسات التهدئة التي تقودها الرياض، وربما ستيفن كوك، كان محقا، عندما وصف تصريحات تركي الفيصل، بأنها تعبر، عما لا يستطيع حكام الرياض إعلانه على الملأ.

قطع العلاقات.. خيار غير مطروح

اتفاقات التطبيع بين دول الخليج وإسرائيل، وجدت؛ لتبقى، والسلام معها، يدخل ضمن سياسات الخليج للحد من الصراعات والحفاظ أمن المنطقة.

كما تستفيد دول اتفاقات إبراهام- خاصة الإمارات- من التعاون الأمني والعسكري والاقتصادي مع إسرائيل. ولهذا فإن قطع العلاقات ليس خيارا مطروحا. هذا ما ظهر خلال القمة العربية- الإسلامية.

وفقا للقناة 12 الإسرائيلية، قدمت الجزائر مقترحا خلال القمة، بأن تقطع الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية، والاقتصادية مع إسرائيل، وأن يتستخدم النفط كاداة للضغط، لكن السعودية والإمارات والبحرين ومصر والسودان والمغرب ودول أخرى، أحبطت المقترح. كما نقل تقرير للجارديان، أن دول الخليج أحبطت أيضا مقترحاً إيرانياً خلال القمة، يتضمن إمداد الفلسطينين بالأسلحة وقطع العلاقات مع إسرائيل.

بالنسبة للسعودية، جمدت الأحداث في غزة مسار التطبيع مؤقتا، لكنها لم توقفه، و من المتوقع، أن تحصل الرياض على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، تسعى لها منذ فترة طويلة، إضافة إلى ضوء أخضر؛ لتطوير برنامج نووي، هذا يجعل مكاسب التطبيع مع إسرائيل تفوق أي اعتبارات أخرى.

جون كيربي (منسق السياسات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي) قال، إنه من الواضح لواشنطن، أن الرياض لا تزال ملتزمة بإبرام الاتفاق رغم الأزمة في غزة.

موازين الضعف 

اختلفت ردود أفعال وسياسات الدول الخليجية خلال الأزمة، بل أن  الدولة الواحدة تباينت مواقفها خلال  مسار الأزمة، ولا زالت  الدول الخليجية، تتفاعل بشكل دائم مع تغير الأحداث في غزة، وهذا النمط قد لا يتغير في الفترات المقبلة، إن استمرت حالة عدم اليقين.

بعض الدول الخليجية دورها، كان محدودا للغاية مثل، الكويت والبحرين وعمان، بينما حاولت الإمارات والسعودية التأثير على مجريات الأحداث، ولكنهما حتى الآن لم يقوما بدور محوري،

قطر ورغم أنها تتصدر المشهد حاليا، ولكن هذا السطوع قد يصبح مؤقتا إن انتهت حماس.

الأمر الأكيد، أن الحرب في غزة تؤرق الدول الخليجية، السياسات الخليجية الرامية؛ لاقتلاع الصراعات والمخاطر من المنطقة، إذ هوجمت بشكل غير مباشر في السابع من أكتوبر، وبات هدف الدول الخليجية الآن – بما فيهم قطر – هو تهدئة الأوضاع وعودة الاستقرار بأسرع وقت ممكن، فكلما طالت الحرب، استمر الإخلال بالتوازنات الخليجية بشكل أكبر على جميع المستويات، المحلية والإقليمية والدولية، مما يجعل إدارة تلك الموازين المتشابكة، أصعب وأصعب بمرور الوقت.

ولكن، وعلى الإجمال يصعب الحديث عن موازين قوى داخل المجموعة الخليجية فربما الأكثر دقة كحال العالم العربي إجمالا، أن نتحدث عن تباينات بموازين الضعف كما أكدت ذلك هذه الهجمة الإسرائيلية الأمريكية الشرسة الأخيرة.