وأنا أتابع صفحات التواصل الاجتماعي، فوجئت بوجود صفحة على موقع الفيس بوك، تحت اسم ” الحاصلون على أحكام قضائية بالتعيين معاوني نيابة إدارية دفعات 2006 إلى 2014، فتصفحت ما بها من بعض المنشورات، وكانت الصدمة أن كافة المنشورات متعلقة؛ بامتناع هيئة النيابة الإدارية عن تنفيذ أحكام قضائية نهائية، بتعيين الطاعنين بوظيفة معاون نيابة إدارية، وهو الأمر الذي دفعني إلى المزيد من البحث عن أسباب صدور تلك الاحكام، فوجدت، أن أغلبها يخص أوائل الخريجين من كليات الحقوق، ومن الحاصلين على أعلى التقديرات، وأنهم قد تقدموا وفق الإعلانات عن وظيفة معاون نيابة إدارية، إلا أنهم لم يتم قبولهم ضمن الكشوف النهائية للمقبولين في هذه الوظيفة، الأمر الذي زادني شغفا؛ لمحاولة الحصول على بعض صيغ الأحكام، أو صور من بعض الدعاوى؛ لمعرفة سبب عدم القبول، وبالتالي سبب الطعن على قرار عدم القبول، وكذلك ما استندت إليه المحكمة في القضاء بإلغاء قرار هيئة النيابة الإدارية وأحقية الطالب في التعيين.

فمثلا من ضمن ما وجدت ما سطرته المحكمة الإدارية العليا، وهي أعلى محكمة في سلم محاكم القضاء الإداري، وتعادل محكمة النقض، فيما يخص القضاء المدني أو الجنائي، فقد سطرت في حكمها رقم 52606 لسنة 66 قضائية، وهذه القضية قد أقامها أحد أوائل خريجي كلية الحقوق، طعنا على قرار عدم قبوله، أو استبعاده من كشوف المقبولين، وقد جاء في ذلك الحكم، أن المحكمة أكدت، أن استبعاد الطاعنة من التعيين بوظيفة معاون نيابة إدارية لهذا السبب وحده، يصم قرار الجهات المعنية الذي تخطاها في التعيين بهذه الوظيفة، بأنه غير قائم على سند من الواقع والقانون، ولا يتفق مع صحيح حكم القانون، على النحو الذي لا تجد معه المحكمة سبيلا، إلا إلغائه مع ما يترتب عليه من آثار أخصها تعيين الطاعنة في الوظيفة المذكورة، ووضعها بين أقرانها من ذات دفعة تخرجها في القرار، وترتيبها وفقاً لمجموع درجاتها بعد استكمال باقي إجراءات التعيين، ومنها الكشف الطبي وغيره، وتضيف “المحكمة”: من حيث تفوق الطاعنة علمياً، وحصولها على تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، وترتيبها الثانية على دفعتها بنسبة “91.9 %” في مرحلة الليسانس، وقد خلت الأوراق من الإشارة إلى ظهور أية شواهد، أو إجراءات تؤثر على سمعتها، حيث تتمتع هي وأسرتها بسمعة طيبة ولا تشوبها شائبة، ولا يوجد ما يقلل من كفاءتها أو ينال من تمتعها بالصلاحية اللازمة؛ لشغل هذا المنصب الرفيع، بل إن هيئة قضايا النيابة الإدارية، تسعد بمثل هذه الكفاءات العلمية.

وهو الأمر الذي يوضح، أن السلطة التقديرية الممنوحة للجان القبول ومقابلة الخريجين، لا تلتزم بحدود نصوص القانون على الرغم من كونهم من كبار رجال القانون، وما يزيد الموضوع غمة وضيقا، أن هؤلاء الطلاب المتميزين تفوقاً عن غيرهم من زملائهم المقبولين، قد رفعوا دعواهم إلى الجهات القضائية، والتي أنصفتهم بإصدار تلك الأحكام بأحقيتهم في التعيين، وعدم تخطيهم بمن هم أقل منهم تفوقاً علمياً مع تحقق باقي الشروط المطلوبة؛ لتولي تلك الوظيفة، حتى وإن تمسكت الجهة المطعون على قرارها بحدود سلطتها التقديرية، فقد وضعت لذلك محكمة القضاء الإداري، وكذلك المحكمة الإدارية العليا حدوداً، يجب عدم تخطيها حال استعمالها لتلك السلطة التقديرية بقولها في الحكم رقم 99937 لسنة 46 قضائية أنه: ومن حيث أنه، ولإن كان للجهة الإدارية سلطة تقديرية في مجال اختيار وتعيين الموظف العام، إلا أن هذه السلطة ليست تحكمية، أو مطلقة، وإنما هي سلطة مقيدة في نطاق قواعد ومبادئ الدستور، ومبادئ الشريعة ومبادئ المشروعية، سواء كانت مشروعية شكلية أو مشروعية موضوعية، ومن أهم تلك المبادئ عدم استعمال السلطة أو الانحراف بها، وابتغاء الصالح العام، وقيام القرار على سببه الذي هو ركن من أركان القرار الإداري، وتخضع الإدارة في ذلك لرقابة المشروعية التي يمارسها القضاء الإداري، فإذا تكشف للمحكمة إساءة استعمال السلطة، وابتغاء غير الصالح العام، كأن تستهدف الإدارة تحقيق المصالح الشخصية أو اعتبارات أخرى قوامها الهوى والمحسوبية، أو كان قرارها مفتقرا؛ لركن السبب الذي هو عماد القرار الإداري، وأحد أركانه الجوهرية، وأن القرار مخالفا للقانون، مما يتعين معه القضاء بإلغائه، وما يترتب على ذلك من آثار، كما أضافت ما هو قول فصل بأنه: ومن حيث أن المستقر عليه أن التعيين في الوظائف القضائية، هو ما ترخص فيه الإدارة بمقتضى سلطتها التقديرية، وذلك باختيار أفضل العناصر؛ لتولى هذه الوظائف والنهوض بأمانة المسئولية فيها، على أن يكون هذا الاختيار مستمداً من عناصر صحيحة، بأن يجري مفاضلة حقيقية وجادة بين المرشحين.

ولكن الأدهى أن هيئة النيابة الإدارية، لم تقم بتنفيذ تلك الأحكام. على الرغم من كونها ضمن الهيئات القضائية بحسب نصوص الدستور.

كما أن الدستور يضمن تكافوء الفرص بين الجميع، وأن الوظائف العامة حق لكل المصريين، بحسب اشتراطات تولي الوظيفة، وأنه يجب، أن يكون ذلك على قدم المساواة بين الجميع، ذلك جميعه ما يحقق معنى سيادة القانون واحترام الدولة للقانون، وإن كان من الأحرى من البداية، أن تلتزم الجهات حدود القانون وتنتصف للجميع، وفي النهاية تلتزم بالأحكام القضائية، وتسعى إلى تنفيذها؛ احتراما لمضمون القاعدة القانونية، ولعلو شأن القانون.

ولكن يبدو من اسم المجموعة الموجودة على صفحات التواصل الاجتماعي، أن الأمر ليس بجديد أو حديث، إذ أنها تشمل متضررين من عدم تنفيذ الأحكام القضائية، منذ عام 2006، وإن كان هذا هو الحال بصدد إحدى الهيئات القضائية فما الحال إذن في الجهات، أو الهيئات الأخرى حيال الوظائف العمومية.

أرى، أن الأمر به من أوجه التمييز والافتئات على القانون والعصف بكافة القواعد الدستورية، ما يخل بكيان الدولة ذاتها، والتي يجب عليها، أن تضرب المثل، وتكون هي القدوة في احترام القواعد القانونية، وكذلك احترام الأحكام القضائية، وتنفيذ ما قضت به، إذا كنا ننشد دولة ديمقراطية، بما يشمله مضمون الديمقراطية واحترام القانون، أو دولة قانونية بمعناها الحقيقي.