مع استمرار فجوة التمويل، المقدرة بـ 17 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، وعجز الحكومة عن تدبير العملة الصعبة للأنشطة التجارية، ارتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء؛ ليتجاوز 50 جنيها للدولار الواحد.
وفي ظل أزمة مالية، عاد الحديث حول تعويم جديد للجنيه، كحل تنصح به مؤسسات دولية بينها صندوق النقد الدولي، الذي يطبق مع مصر برنامجا للإصلاح الاقتصادي.
ورغم إقرار الصندوق سابقا، بآثار مؤلمة لعمليات تخفيض سعر الصرف، ومنها، ارتفاعات حادة في معدل التضخم، أضعفت النشاط الاقتصادي، إلا أنه يطالب مجددا بسعر صرف مرن، ويبرر ذلك بالحفاظ على احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي.
معتبرا، خطوة التعويم، ستساعد على التكيف مع الصدمات الخارجية، كالحرب الروسية الأوكرانية، وقبلها تداعيات جائحة كورونا، ومؤخرا الحرب على غزة.
كما يبرر الصندوق مطالباته، بأن سعر الصرف المرن سيساعد على زيادة معدلات التصدير، وتشجع الاستثمار، ومواجهة الصدمات.
برنامج تمويل جديد
مؤخرا، تحرك الدولار في السوق الموازية غير الرسمية، بشكل ملحوظ، منذ عودة الحديث عن مفاوضات جديدة بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي، بخصوص برنامج تمويلي جديد، والذي تلعب العملة أحد محاوره الأساسية.
سجلت العملة الأمريكية مستوى 50.62 جنيها للبيع، و50.87 جنيها، للشراء بنهاية تعاملات الأحد، بعدما تراجعت إلى مستوى 45 جنيًها، في نوفمبر الماضي، متأثرة حينها، بالحديث عن تمويلات، واستثمارات ضخمة من الخليج العربي والمفوضية الأوروبية.
يزيد الطلب على الدولار حاليًا، مع تزايد التوقعات من قبل المؤسسات المصرفية، وبنوك الاستثمار التي تصب في طريق خفض رسمي، وشيك لسعر صرف الجنيه، وهي خطوة، تشهد في بدايتها ارتفاع لسعر الدولار بالسوق السوداء؛ لحين عودة التوازن بين العرض والطلب.
توقعات لسعر صرف الدولار
راجع بنك “إتش إس بي سي” توقعاته، حول خفض سعر صرف الجنيه رسميًا، وقال في تقديراته الجديدة، إنه سيتراوح بين 40 و45 جنيهًا للدولار خلال الربع الأول من 2024، بينما توقعاته السابقة، كانت تتراوح بين 35 و 40 جنيهًا.
برر البنك قراره بحاجة البنك المركزي المصري إلى تعديل سعر صرف الجنيه كجزء من التحول نحو نظام صرف أكثر مرونة، وإتمام إنجاز المراجعة الأولى؛ لبرنامج الإصلاح المدعوم من صندوق النقد الدولي، والتي تم تأجيلها.
في الوقت ذاته، رجح بنك “مورجان ستانلي، هبوط قيمة الجنيه خلال الربع الأول من العام المقبل (يناير ـ مارس) إلى مستوى 39 جنيهًا، متوقعًا أن تلجأ السلطات النقدية المصرية لخفض مرحلي، وليس التعويم الكامل.
كما توقعت مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” البحثية خفض مصر سعر صرف الجنيه 23 % إلى 40 جنيهاً للدولار، معتبرة أن إرجاء اتخاذ إجراء؛ بشأن العملة حتى لو كان التضخم يتراجع، يهدد بارتفاع الأسعار مجددًا.
شائعات التعويم تسيطر على الاقتصاد
تسيطر على الاقتصاد حاليًا، شائعات التعويم التي تعززها التقارير البنكية الدولية، ومحركو السوق الموازية للدولار، وغالبيتهم من كبار تجار الذهب، والتي تغري المضاربين بإمكانية الحصول على مكسب سريع، ومضمون حال ارتفاع العملة الأمريكية بعد تخفيض سعر صرف الجنيه.
مع ارتفاع التضخم، أصبح الدولار لدى البعض وسيلة؛ لحفظ القيمة، خاصة أن عوائد فوائد البنوك حاليا، سلبية (الفرق بين الفائدة البنكية والتضخم)، بينما العقار تتسم تعاملاته بالبطء، وعدم القدرة على التسييل السريع (البيع)، بينما الذهب حقق ذروته في صعود الأسعار.
يراهن التجار، على أن الضغوط المتزايدة على الجنيه المصري قد تجبر البنك المركزي قريبًا على السماح بتخفيض آخر لقيمة العملة، خاصة في ظل تأكيد مسئولي صندوق النقد الدولي في تصريحاتهم الأخيرة على ضرورة مرونة سعر الصرف.
الضغوط على الجنيه مقرونة بصندوق النقد
قبل شهور، أكدت الدولة رفضها خفض الجنيه، حتى لا يؤثر على مستوى الأسعار، وهي خطوة علق عليها المحللون في “فيتش سليوشنز، مؤكدين أن تعويم العملة سيؤدي زيادة الضغوط التضخمية، والضغط على الاستهلاك، لكنه سيساعد على معالجة الاختلالات في سوق العملات.
المؤسسات المالية الغربيةـ التي تدفع في طريق تخفيض سعر صرف الجنيه ترى أن التدفقات الأجنبية الداخلة ستزداد في شكل تمويل ثنائي، ومتعدد الأطراف، واستثمارات في المحافظ والاستثمارات الأجنبية المباشرة، ما يخفف ضغوط انخفاض العملة، ويسمح لها باستعادة جزء من خسائرها.
من مكاسب التخفيض بحسب تلك المؤسسات، منح المنتجات المصرية مزايا في المنافسة بالخارج، ورفع سعر المنتجات المستوردة، ما يعزز من الإقبال على البضائع المحلية، كما ينهي الفجوة بين سعر الصرف بين سعر صرف الدولار بالسوق الرسمية والموازية.
مؤسسات دولية تتفق على خفض الجنيه
انخفضت العملة المصرية بنسبة 49.06 % منذ يناير 2022، وتسبب انخفاض قيمة العملة في ارتفاع التضخم.
وظل الدولار مستقرًا في التعاملات الرسمية عند مستوى 30.9جنيها، منذ 9 أشهر تقريبا، وهي فترة استقرار طويلة، لا تتماشى مع ارتفاع قيمته في السوق السوداء المحلية.
ووافق صندوق النقد الدولي على برنامج مدته 46 شهرا لمصر، وكان يفترض أن تكتمل المراجعة في مارس/ آذار الماضي، لكنها لم تتم، وكذلك المراجعة الثانية أيضًا، تم إرجاؤها.
صندوق النقد يقول، إن فجوة التمويل في مصر – إجمالي مبلغ النقد الأجنبي الذي تحتاجه لسداد ديونها – بنحو 17 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة.
من المتوقع، أن يؤدي تمويل صندوق النقد الدولي للبرنامج إلى سد جزء من الفجوة التمويلية، مع تحفيزه تمويل إضافي من مؤسسات متعددة الأطراف، والشركاء الثنائيين ومستثمري القطاع الخاص؛ لسد الفجوة المتبقية.
الصندوق يرى، أن التعويم يساعد الاقتصاد على التكيف بشكل أكثر سلاسة مع الصدمات الخارجية، ويدعم قدرة الشركات المصرية على بيع سلعها وخدماتها في الخارج.
يرى الصندوق أيضاً، أن التعويم يشجع على زيادة الاستثمار عن طريق تقليل احتمالية حدوث تغييرات مفاجئة كبيرة في سعر الصرف. بالإضافة إلى الحفاظ على الاحتياطيات المالية للبنك المركزي.
لكن في المقابل يحمل تأثيرا سلبيا على جيب المواطن المصري، في ظل استيراد مصر أكثر من نصف احتياجاتها الغذائية من الخارج، بحسب صحيفة فايننشال تايمز.
طارق حلمي، الخبير المصرفي والاقتصادي، يقول إنه من الطبيعي ارتفاع الدولار، ما دام الطلب أكبر من العرض، وما دام لم يستطيع الراغبون في شرائه الحصول على الدولار، سواء أفراد أو شركات، عندما يحتاجونه، سيستمر الوضع.
يضيف حلمي، أن التخفيض سيؤدي لنتائج قاسية؛ فأغلب السلع الاستراتيجية التي نستوردها كالقمح والوقود والزيوت، سترتفع أسعارها، وبالتالي يرتفع معدل التضخم مرة أخرى، ويتأثر المواطن البسيط، أو تضطر الدولة إلى زيادة الدعم وبالتالي زيادة عجز الموازنة.