منذ 15 كانون الأول (ديسمبر)، قامت أربع من أكبر شركات شحن الحاويات عالميا، بإيقاف أو تعليق خدماتها في البحر الأحمر، وهو الطريق الذي تمر عبره الحاويات من قناة السويس.
يأتي القرار مع تصعيد الحوثيين المدعومين إيرانيا، هجماتهم على سفن الشحن معلنين تضامنهم مع الفلسطينيين بمنع مرور السفن إلى إسرائيل. تعليق أعمال سفن الشحن الكبرى، ينذر بأزمة بحرية، يمكن أن تتوسع، وتترك آثارا اقتصادية وربما عسكرية على المستوى العالمي.
هذه الأزمة وتداعياتها كانت محل اهتمام ومتابعة من افتتاحية دورية الإيكونوميست البريطانية الاقتصادية الذائعة الصيت في عدد الأمس، يقول تحليل المجلة البريطانية:
مع هذه الأزمة، تعمل أمريكا وحلفاؤها على تكثيف نشاطها البحري في الشرق الأوسط، بل وربما تهاجم الحوثيين؛ من أجل إعادة تأمين الممر الملاحي، وباب المندب، وهو مضيق ضيق بين إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، ويتدفق من خلاله، ما يقدر بنحو 12 % من حجم التجارة العالمية، وأيضا 30 % من حركة الحاويات العالمية. بهجوم الحوثيين، المتمركزين في اليمن، والذين يظهرون دعما ظاهريا للفسلطينيين، تصبح حركة الحاويات غير آمنة.
وفي 15 كانون الأول/ ديسمبر، هدد الحوثيون بمهاجمة إحدى السفن، كما ضربوا سفينة أخرى بطائرة بدون طيار، وأطلقوا صاروخين باليستيين على السفينة Palatium III، أصاب أحدهما السفينة، وهو ما يعد أول استخدام على الإطلاق لصاروخ باليستي مضاد للسفن. بعدها بيوم، أسقطت سفينة تابعة للبحرية الأمريكية، يو إس إس كارني، طائرة بدون طيار فوق البحر الأحمر، بينما دمرت سفينة بريطانية، إتش إم إس دايموند، طائرة أخرى.
في ظل هذا الظرف، الذي يمثل تهديدا، تتحول صناعة الشحن العالمية إلى وضع الطوارئ، حيث تتعرض طواقمها للقتل، وتُشل حركتها. بالتتابع، أوقفت شركتا ميرسك، وهاباج لويد خدماتهما مؤقتًا. وفي 16 ديسمبر/ كانون الأول، تبعتها شركة cma cgm.
كما فعلت شركة msc، مالكة السفينة Palatium III التي قالت، إن سفنها لن تستخدم قناة السويس في أي من الاتجاهين، “حتى يصبح ممر البحر الأحمر آمنًا”.
وقالت الشركة، سيتم إعادة توجيه بعض السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
وتمثل الشركات الأربع مجتمعة نسبه 53 % من تجارة الحاويات العالمية. وقد يحذو مشغلو الحاويات الصغيرة، فضلاً عن ناقلات البضائع السائبة الجافة، وشركات ناقلات النفط، نفس الاتجاه .
مخاطر التصعيد
هناك نتيجتان لهذه الأزمة: الأولى، تتعلق بالاقتصاد العالمي، والثانية، تتعلق بمخاطر التصعيد العسكري في الشرق الأوسط في ظل محاولة الدول الغربية إعادة ترسيخ النظام.
فيما يخص الاقتصاد المصري، تشكل إيرادات قناة السويس مصدرا رئيسيا للدخل في ظل أزمة مالية. (إسرائيل أقل تأثراً، حيث يمر نحو 5 % فقط من تجارتها عبر إيلات، ميناؤها على البحر الأحمر).
وبالنسبة للاقتصاد العالمي، سيرفع الإغلاق المطول لممر قناة السويس التكاليف التجارية، حيث سيعاد توجيه سفن الشحن حول إفريقيا، وهذا يزيد الوقت، ويرفع أقساط التأمين على البضائع، ويعطل سلسلة التوريد على المدى القصير أيضًا.
الأزمة الأمنية في البحر الأحمر
خلال عام 2021، جنحت سفينة “إيفر جيفن”، التي تديرها تايوان، ما أغلق القناة 6 أيام، وأدى إلى تكثيف أزمة سلسلة التوريد العالمية.
وإذا تصورنا، أن الأزمة الأمنية في البحر الأحمر تهدد الشحن البحري في بحر العرب، والذي يمر من خلاله تقريبا ثلث إمدادات النفط العالمية المنقولة بحراً، فإن التكاليف الاقتصادية سوف تكون أعلى بشكل كبير.
تدفع هذه المخاطر، أمريكا، وحلفاءها إلى التحرك. لكن التهديد الحوثي، شاق ومعقد، يتضمن شعار الجماعة المسلحة عبارة “الموت لإسرائيل. لعنة على اليهود”.
كما تقول الجماعة، إنها تستهدف “جميع السفن المتجهة إلى المواني الإسرائيلية”، حتى يتم إيصال الغذاء والدواء إلى غزة. لكن معظم السفن التي تتعرض للهجوم، ليست متجهة إلى إسرائيل، ولا تخضع لملكية إسرائيلية، وتأثرت بها بلدان من جميع أنحاء العالم: إحدى السفن التي هاجمها الحوثيون، كانت تبحر تحت علم هونج كونج.
قامت إيران بتدريب وتسليح جماعة الحوثيين في تمردها داخل اليمن، وفي حرب ضد السعودية والإمارات، المنافسين الإقليميين لإيران
يقول فابيان هينز من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (iiss)، وهو مركز أبحاث في لندن، إن مستوى بعض الأسلحة المستخدمة في هجمات الحوثيين مرتفع، بما فيها صواريخ، يصل مداها إلى 800 كيلومتر
و”يمتلك الحوثيون ترسانة صواريخ عملاقة مضادة للسفن في هذه المرحلة”، وليس من الواضح للمسئولين الغربيين، ما إذا كانت إيران هي التي توجه الهجمات الفردية.
كذلك لا تقتنع المخابرات الإسرائيلية بعد، بأن الضربات الأخيرة تمت بموافقة الفيلق 6000، التابع لفيلق القدس الإيراني، والذي يعمل مع الحوثيين في مركز قيادة مشترك.
ومع ذلك، يُعتقد أن الحوثيين يحصلون على معلومات استخباراتية، تتعلق بحركة الشحن من سفن المراقبة الإيرانية في البحر الأحمر.
وتتناسب الحملة الواسعة، ضد الشحن البحري مع استراتيجية إيران المتمثلة في الضغط المدروس، وتجنب شن هجوم شامل على إسرائيل مع الاعتماد على وكلائها الإقليميين؛ لمهاجمتها بعنف من جميع الجوانب.
فى ذات الوقت، إيران لا تملك سيطرة كاملة على هجمات الحوثيين.
الدبلوماسية قد تساعد في تهدئة الأزمة
في عام 2015، تدخلت السعودية والإمارات في الحرب الأهلية اليمنية لصالح الحكومة المعترف بها دولياً.
وفي مارس/ آذار 2022، وافق السعوديون على وقف إطلاق النار، تاركين الحوثيين، يسيطرون على العاصمة صنعاء، والساحل الغربي الاستراتيجي. وربما يعلنون قريبا عن خريطة طريق؛ لجعل وقف إطلاق النار دائما، وإنهاء الحرب.
وهنا، يمكن أن تصبح الالتزامات بوقف الهجمات البحرية جزءًا من أي محادثات.
ومع ذلك، فمن المرجح حدوث رد عسكري أكبر على تهديد الحوثيين. حيث تعمل قوة عمل متعددة الجنسيات بقيادة البحرية الأمريكية؛ لردع الحوثيين عن الصعود على متن السفن بالقوة– وتشمل المجموعة كلا من مصر، والمملكة العربية السعودية.
وفي الأسابيع الأخيرة، اعترضت السفن الحربية الأمريكية والبريطانية والفرنسية طائرات، بدون طيار وصواريخ تابعة للحوثيين، وطلبت أمريكا من أستراليا إرسال سفينة حربية أيضًا.
لكن هذا الأسطول الدفاعي يكافح؛ من أجل إبقاء الأزمة تحت السيطرة.
التصعيد قد يكون حتميا
أثبت الحوثيون، أن عددًا قليلاً من الطائرات، بدون طيار والصواريخ، يمكنها دائمًا التأثير، في الثمانينيات عرف العالم، حرب الناقلات بين إيران والعراق.
والبديل الرئيسي في الأزمة الحالية، ضرب الحوثيين وترسانتهم، وفعليا، وضعت أمريكا وإسرائيل خططاً؛ لمهاجمة مستودعات ومنصات إطلاق الحوثيين. لكن أمريكا غير راغبة في توسيع نطاق تدخلها في الشرق الأوسط:
ركزت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على توسيع فرقة العمل في البحر الأحمر، وممارسة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على إيران.
كما أن إسرائيل لا تريد صراعاً جديداً: فهي تواجه بالفعل ضغوطاً من جانب الولايات المتحدة؛ لحملها على إنهاء هذه المرحلة من الحرب في غزة، كما تشعر بالقلق إزاء حزب الله اللبناني، الذي يطلق الصواريخ على إسرائيل بشكل شبه يومي.
ويخلص هذا التناول والتحليل للأزمة الذي نشرته الإيكونوميست إلى النتيجة التالية: مع ذلك، إذا واصلت إيران ووكلاؤها الحوثيون الهجمات التي تُبقي أحد طرق التجارة الرئيسية في العالم مغلقًا، فقد يكون التصعيد أمرًا لا مفر منه.